الإعلام وحوادث السير.. انتقال من حادث لآخر من دون إكمال الرسالة الإعلامية

الإعلام وحوادث السير.. انتقال من حادث لآخر من دون إكمال الرسالة الإعلامية

  • 2016-11-09
  • 12

الأربعاء 9 تشرين الأول/نوفمبر 2016  أكيد – آية الخوالدة

شهدت المملكة في الآونة الأخيرة ارتفاعا في نسبة حوادث السير، والتي تسبب بعضها بخسائر كبيرة في الأرواح، ورغم أن أخبار الحوادث تحظى دوماً بالنشر الحثيث والواسع، لكن الملاحظ أن مجمل الأخبار تكاد تقتصر على نقل الخبر وفي بعض الحالات نقل بعض مجرياته، ثم الانتقال إلى حادث آخر، من دون إكمال رسالة الإعلام في مثل هذه الحالات.

ولاحظ مرصد مصداقية الإعلام الاردني “أكيد” أن أغلب التغطيات تعتمد على ما تنقله كاميرات هواتف شهود العيان، الذين تحولوا مؤخراً إلى تعويض -تطوعي وغير مكلف- عن نقص المندوبين، وفي بعض الحالات تنتظر وسائل الإعلام تقرير “الدفاع المدني” المختصر، ولكن من دون أن تبني على ما يردها أية قصة ذات مدى أطول، أو تجري مساءلة حقيقية، مع أن بعض الحوادث تكاد تشبه الجريمة التي تستدعي الاستقصاء.

ورغم أن وسائل الإعلام تنقل أخبار الحوادث كأخبار “عاجلة” وبعناوين جاذبة مرفقة بصور مؤثرة إذا أمكن ذلك، لكنها تتوقف عادة عند هذه النقطة بعد أن تكون قد “استفادت” منها باعتبارها قمة منحنى جاذبية الخبر، ويندر أن تجري وسائل الإعلام متابعات وتقارير معمقة تكمل الرسالة الإعلامية، هذا فضلاً عن الانتهاكات المهنية التي تتخلل التغطيات العشوائية غير المحترفة وغير المهنية، التي تجد طريقها للنشر بداعي السرعة أو الاستسهال.

ويصنف الأردن في المرتبة الثالثة عربيا في حوادث السير في العام 2015 بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية حول سلامة الطرق، وتوقعت إدارة السير المركزية ارتفاع عدد الحوادث لهذا العام ما بين 2% – 3%، ذلك أن المعدل السنوي لمجموع وفيات حوادث السير قد بلغ للعام 2015، ما مجموعه 608 وفيات في حين بلغ للعام 2014، 678 وفاة، وللعام 2013، 742 حالة وفاة.

تتبع مرصد “أكيد” كيف تناولت وسائل الإعلام بشقيها الالكتروني والورقي أخبار الحوادث الفترة خلال شهري أيلول وتشرين أول من العام  الجاري، لقياس مدى اهتمام الإعلام في البحث في المسببات التي تندرج في مثلث “المركبة والطريق ومستعمل الطريق”.

لاحظ الرصد أن الأخبار المنشورة حول حوادث السير تشابهت ، حيث كانت في مجملها مقتضبة وتراوح عدد كلماتها ما بين45 – 100 كلمة واندرج العديد منها تحت عنوان “حادث مروع”، أشارت فيها إلى زمن ومكان الحادث وعدد الاصابات أو الوفيات، وفي بعضها تناولت سبب الحادث منسوباً إلى شهود عيان، ولم تستعن بالرواية الرسمية، بالإضافة إلى الإشارة إلى دور الدفاع المدني في إخلاء المصابين ونقلهم إلى المستشفيات. بعض المواقع الاخبارية أرفقت أخبارها بالصور والفيديوهاتومنها من تجاوزت ذلك إلى نشر صور المصابين.

تكررت أيضا حوادث تدهور السيارات في بعض المناطق، وأشارت إليها وسائل الإعلام في شكل أخبار مقتضبة دون الإشارةإلى أسباب الحوادث، وفي بعضها الآخر عزت السبب إلى الأمطار أو فقدان السائق السيطرة على المركبة، وفي خبر أخر غطت صحيفة رد فعل شباب محتجون أغلقوا شارع بالحجارة والإطارات المشتعلة، بعد حادثة تدهور ذهب ضحيتها ثلاثة اشخاص واصيب أربعة آخرون، احتجاجا على تلكؤ الجهات المعنية على اعادة تأهيل الطريق الذي يشهد يوميا حوادث سير مميتة، بسبب المنعطفات الحادة والمفاجئة، والذين أطلقوا عليه “شارع الموت”.

وتستعين بعض وسائل الإعلام للبحث في أسباب حادث بالرواية الرسمية لإدارة السير المركزية، لكن من دون أي توسع معالجة هذه الأسباب، أو البحث في التطورات التي جرت على سلامة الطرق وأهليتها للاستعمال بعد وقوع هذه الحوادث.

وبحسب قانون المطبوعات والنشر تمارس الصحافة مهمتها بحرية في تقديم الأخبار والمعلومات والتعليقات وتسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم في حدود القانون وفي إطار الحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام حرية الحياة الخاصة للآخرين وحرمتها.

ومن هذا الباب يقع على عاتق الصحافة أن تبحث في القضايا التي تمس بأمن وسلامة المواطن وتراقب أداء السلطات العامة في تحسين وتطوير البنية التحتية للحد من هذه الحوادث، بالإضافة إلى توعية المواطن ببنود قانون السير وضمان تطبيق القانون على الجميع.

في هذا المجال، أكد رئيس تحرير صحيفة الجوردان تايمز سمير برهوم في حديثه لـ “أكيد” على أهمية الأخبار السريعة المقتضبة حول حوادث السير، لكنها لا تغني عن التوسع في تقارير أخرى حول الأسباب وحيثيات مثل هذه الحوادث وخاصة التي تتسبب بالوفيات. ويضيف: “يفترض بالإعلام أن يلعب دورا توعويا كبيرا من خلال الأخبار والتعليقات والآراء التي ترد فيه، فمن أهم صفات الصحافي أن يكون ناقدا ومراقبا للجهات المسؤولة عن حالة الطرق ودور الأجهزة الأمنية في تطبيق القانون والالتزام بالتعليمات.

برهوم قال إن الصحافيين يتعرضون إلى ضغوط عدة منها نقص المعلومة أو تأخيرها، وأشار إلى استسهال بعضهم نشر الخبر المنقول عن وكالة الأنباء وغيرها من الوسائل الإعلامية. وعلق مختصراً: “هنالك للأسف تقصير من قبل الصحافيين في القطاعات الحيوية مثل حوادث السير، حيث نجد الاهتمام الأكبر في المجالات السياسية”.

وحول دور الصحافة في البحث بعمق عن أسباب تلك الحوادث والتوعية حولها، يقول أستاذ الصحافة الدكتور جان كرم لـ “أكيد”: “إن طرق التوعية تكمن في عمل التقارير الميدانية الموسعة والخروج من الكسل الصحافي واعتماد مهنية حقيقية في النزول إلى الميدان وملاحقة الأطراف الداخلة في صناعة الحدث والمرتكب والمجني عليه والأسباب والمسؤولية وما شابه ذلك”.

ويرى كرم أن التوعية يمكن أن ترد في تقرير صحافي ميداني، وهذا يحصل في حال أرسلت الوسيلة الإعلامية مندوبا يغطي الحدث، وفي حال لم يحدث ذلك ستكتفي  بالحصول على الخبر من وكالة الأنباء الاردنية “بترا”، أو غيرها من الوسائل، ونشره بشكله المقتضب دون التوسع، وهنا تتميز وسائل الإعلام في تغطياتها لمثل هذه القضايا المتكررة والتي تمس بسلامة وأمن المواطنين.

ومن الأمور المهمة التي تحوي توعية جادة – بحسب كرم – كتابة القصص الاخبارية، فهي وسيلة انسانية جذابة تثير المشاعر وتجذب الاهتمام وتتناول النتائج المأساوية لتلك الحوادث، ولكنها تحتاج إلى وسائل اعلامية تتبنى مثل هذه التقارير المهمة وتمنح للصحافي الحرية المناسبة. ويضيف كرم” أما أن يكتفي الصحافي بتضمين الخبر المتعلق بالحوادث، الارشادات والتوجيهات، فلن يكون ذلك مفيدا ولن تترك الأثر عند القراء، إنما يمكن ان توضع هذه الإرشادات ضمن إطار مرفق بالتقرير الموسع أو القصة الاخبارية، ويلجأ اليها القارئ لمزيد من المعرفة بعد تأثره بفحوى القصة الانسانية وإدراكه لخطورة هذه الحوادث جراء الكثير من التصرفات الخاطئة”.