خلط بين (القضية) و(الشكوى) يرفع أرقام النساء المعنفات في وسائل الإعلام

خلط بين (القضية) و(الشكوى) يرفع أرقام النساء المعنفات في وسائل الإعلام

  • 2018-02-04
  • 12

أكيد - آية الخوالدة

تميل وسائل إعلام محلية وخارجية نحو إعتماد الرقم الأكبر حول أعداد الجرائم المرتكبة ضد النساء في المجتمع الأردني في ظل التباين الحاصل بين المصادر، على أن جميع هذه المصادر تلتقي بعدم امتلاكها تصنيفا ضمن إحصائياتها لما يعرف ب"جرائم الشرف" التي تتداول وسائل إعلام أرقاما متضاربة عنها أيضا.      

وتبين أن العديد من وسائل الإعلام تعتمد إحصائيات التقارير الصادرة عن إدارة المعلومات الجنائية   التي تعرض عدد شكاوى الاغتصاب وهتك العرض والقتل المقدمة لمراكز الشرطة الى جانب الجرائم الأخرى، فيما يعتمد البعض الأخر على الأرقام التي تنشرها منظمات المجتمع المدني في بياناتها الصحفية، علما بأن إحصائية وزارة العدل تقدم اعداد القضايا المرفوعة والمفصول فيها في هذا الصدد.  

وتحقق مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" من الأرقام المنشورة حول أعداد النساء المعنفات في الأردن وعدد حالات الاغتصاب وهتك العرض والخطف في الوسائل الإعلامية خلال الثلاث سنوات الماضية 2014-2017 وقارنها بالأرقام المنشورة على موقع إدارة المعلومات الجنائية والأرقام التي حصل عليها من وزارة العدل بعد تقديمه طلب الحصول على المعلومات.

ووفقا للجهات المعنية والمختصين في هذا المجال، تقدم إدارة المعلومات الجنائية سنويا أعداد الشكاوى التي تصل الى الأجهزة الأمنية فيما يتعلق بمختلف أنواع الجرائم، ومن ثم يتم تكييفها عند المدع العام والمحكمة، ويصدر بحق جزء منها أحكاما قضائية.

ومن هذا المنطلق، جاءت أرقام وزارة العدل أقل بكثير من أرقام المعلومات الجنائية، كونها تقدم القضايا المفصولة والتي صدر بحقها حكما قضائيا، وهنا يجب على الصحفي في تقاريره أن يقارن بين الجهتين ولا يقدم الشكاوى على أنها قضايا صدر بحقها أحكاما قطعية.

 

 

 

ويبين الجدول المرفق أن عدد حالات الاغتصاب وفقا لإدارة المعلومات الجنائية عام 2014، 140 شكوى بينما صدر حكما في 32 قضية اغتصاب بنفس العام بحسب وزارة العدل، كما هو الحال مع عام 2015 و2016 حيث كانت الاعداد لكل منهما وفقا للمعلومات الجنائية 122 و138 على التوالي، بينما في وزارة العدل 7 قضايا لعام 2015 وقضية واحدة لعام 2016. 

الأمر ذاته ينسحب على جرائم هتك العرض الواقعة على الجنسين، فعلى سبيل المثال سجلت ادارة المعلومات الجنائية أعلى رقما من الشكاوى لعام 2016 وبواقع (982) شكوى، وللعام 2014 (766) شكوى، وللعام 2015 (752) شكوى، بينما سجلت أرقام وزارة العدل (17) قضية لعام 2016، و(143) قضية عام 2014، وفي العام 2015 (23) قضية.  

وفيما يخص قضايا الخطف الواقعة على الجنسين، سجلت ادارة المعلومات الجنائية عام 2014 (181) شكوى، عام 2015 (190) شكوى وفي 2016 (199) شكوى، مقابل 8 قضايا سجلتها وزارة العدل في 2014، وقضية واحدة في 2015 و3 قضايا في العام 2015.

أما فيما يخص جرائم القتل، فقد رفضت وزارة العدل تزويد موقع "أكيد" بالمعلومات حيالها رغم ادراجها ضمن طلب حق الحصول على المعلومات المقدم للوزارة بتاريخ 13 كانون الاول 2017 وتم الاجابة على جزء منه بعد مضي شهر، كما أن إحصائيات ادارة المعلومات الجنائية التابعة لمديرية الأمن العام لا تصنف جرائم القتل بانواعها وفق جنس المجني عليه، لذلك يصعب حصر عدد النساء ضحايا جرائم القتل.

وبحسب أرقام إدارة المعلومات الجنائية، فقد بلغ عدد جرائم القتل في العام 2014 (213)، وفي 2015 (192) وسجل العام 2016 (151) جريمة قتل، على أن هذه الجرائم توزعت بين جرائم القتل العمد والقصد والضرب المفضي الى الموت والقتل الخطأ، وفق الشكاوى المقدمة قبل احالتها الى الإدعاء العام والقضاء.

 

 

وحول تباين الأرقام وإعتماد الوسائل الإعلامية على مصادر متعددة للأرقام، تواصل "أكيد" مع عدد من المختصين في هذا المجال، حيث أكدت المستشارة القانونية في إتحاد المرأة الأردنية المحامية هالة عاهد، أن الأرقام الموجودة في إدارة المعلومات الجنائية لا تعكس الواقع الحقيقي، على عكس الأرقام الموجودة في وزارة العدل، مفسرة "إن ارتفاع عدد الأرقام الموجودة في إدارة المعلومات الجنائية أمر طبيعي، حيث يقدم عدد الشكاوى المقدمة للأجهزة الأمنية وحماية الأسرة، كما أن التوصيف الخاص بالأفعال الجرمية من حق المدع العام في البداية ومن ثم المحكمة".

العديد من الشكاوى التي تحول للمدعي العام ومن ثم للقضاء - بحسب عاهد - يعاد توصيفها من جديد، أو يصدر بحقها براءة، مثلا شكوى اغتصاب، يمكن توصيفها "مواقعة بالرضا" بعد إجراء التحقيقات وسماع شهادة الشهود والأطراف جميعها، بينما الشرطة تسجل الجريمة حين استلامها بناء على كلام المشتكي "ومنها  ما يكون غير صحيح أو صعب اثباته".

وأشارت عاهد الى أن منظمات المجتمع المدني عادة ما ترتكز على الأرقام الرسمية وأهمها ادارة المعلومات الجنائية ولا يهتمون بأرقام وزارة العدل، ومن ثم يحللونها ويرسلون البيانات الصحفية، وهنا يقع الصحفي في خطأ نشرها دون مقارنتها وتحليلها وبيان أسبابها، كما لا يلتفت الى أرقام وزارة العدل.

وتضيف "فيما يخص العنف الأسري، تقع المؤسسات المجتمعية في خطأ كبير حينما تقدم أرقاما مبالغ فيها، لعدم وجود سجل وطني للعنف، حيث أن المرأة المعنفة يمكن أن تقدم شكوى لأكثر من مؤسسة وبالتالي لا تحتسب شكوى واحدة، بل تصبح مكررة".

ولفتت عاهد الانتباه الى قضية مهمة وهي عدم وجود تصنيف او مسمى "جريمة شرف" قانونا، مثل باقي مسميات الجرائم مثل "الاغتصاب والخطف وهتك العرض"، ويجب على الإعلام أن يكون القدوة بحذف هذا المصطلح من قاموسه ولا ينساق لأخطاء مؤسسات المجتمع المدني حينما تستخدمه، فالبعض اطلق هذا المسمى بداع الحفاظ على الشرف، وبالتالي استخدامه يمنح مشروعية ومبررات لارتكابه، والأصح أن يتم استخدام "جريمة قتل امرأة"، وهناك حالات كثيرة تتعرض لها المرأة بالقتل نتيجة أسباب عديدة، ولا يجوز للإعلام ربطها بالشرف وسلوك المرأة وتوجيه الرأي العام.

وبينت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس ل"أكيد"، أن اللجنة تعتمد في تقاريرها ودراساتها على الأرقام الرسمية من مديرية الأمن العام، ادارة حماية الأسرة وادارة المعلومات الجنائية ودائرة الاحصاءات العامة ووزارة العدل.

وسبق للجنة أن قدمت العديد من طلبات الحصول على المعلومة من وزارة العدل - بحسب النمس - والإجابة تعتمد على طبيعة المعلومة المطلوبة، ولكن لا يوجد تصنيف لبعض المعلومات المطلوبة في المحاكم مثلا ولذلك وعدت وزارة العدل بأن يكون هناك تصنيفات معتمدة لتقديم معلومات أكثر دقة.

وأشارت النمس الى أن الأرقام المتعلقة بحالات العنف ضد المرأة وأهمها الاغتصاب لا تعكس الواقع، حيث ممكن ان يكون هناك قضايا ما زالت منظورة في المحاكم أو حالات لم يتم التبليغ عنها أو شكاوى تم إسقاطها من المشتكي.

ومن أهم المطالب التي تسعى اللجنة لتطبيقها، وجود سجل وطني موحد يحصر الحالات لضمان شفافية المعلومة وعدم تسجيل نفس الشكوى لدى أكثر من جهة،  مضيفة "نأمل على أثر الغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني والتي كانت تتيح للجاني الافلات من العقاب في حالات الاغتصاب وتعديل المادة 98 من قانون العقوبات والتي يستثنى فيها مرتكب الجرائم بداع الشرف من الاستفادة من العذر المخفف، اعادة النظر بوجود المادة 306 لتغليظ عقوبة المتحرش جنسياً وبالتالي تنخفض هذه الحالات بشكل أكبر بسبب وجود عقاب رادع.

وحول دور الإعلام وقدرته على تغطية هذه القضايا بحيادية، تؤمن النمس أن معظم الجهات الإعلامية تعمل بحياد وموضوعية، دون السعي لزيادة أعداد المتابعين أو السبق الصحفي على حساب قضايا حساسة يجب أن تنقل بصورتها الصحيحة، ولكن على صعيد متوازي هناك بعض الجهات الاعلامية التي تسعى إلى الإثارة الصحفية خصوصاً في موضوع الجرائم التي تكون ضحيتها نساء بحيث تحاول تصوير قضايا قتل النساء كجرائم شرف وتصيغ عناوين براقه بهدف جذب المتابعين وهذا يؤكد اننا لا زلنا نعاني من وجود ثقافة مجتمعية سلبية ترسخ أن أي جريمة تقع على المرأة يجب أن تكون المرأة هي السبب فيها.

 وتتابع حديثها "عند النظر بتمعن لهذه القضايا والتي عملنا عليها لمدة عامين متتالين من خلال حملة أوقفوا جرائم قتل النساء والفتيات والتي تم  تتويجها بإلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني، يتبين في معظم الأحيان أن سبب القتل يكون الميراث أو خلافات شخصية داخل العائلة ولا يعود الموضوع لقضايا الشرف ".

من جانبه، أوضح المدير التنفيذي لجمعية معهد تضامن النساء الأردني منير إدعيبس ل"أكيد"، أن المعضلة الأكبر لهم هي الوصول الى المعلومات، كون مصادرها قليلة، حيث يعتمدون على التقارير السنوية لإدارة المعلومات الجنائية وتقارير وزارة العدل عن أعمال المحاكم، بالإضافة الى الإحصاءات العامة وأخرها مسح السكان والصحة الأسرية لعام 2012 وبعض الأرقام من إدارة حماية الاسرة.

وسبق للجمعية أن قدمت طلبا واحدا للحصول على المعلومة من وزارة العدل، حول أرقام قضايا "فعل منافي للحياء" بخصوص اجراء دراسة عن ظاهرة التحرش "ولم يجاب طلبهم".

التغطية الإعلامية لهذه القضايا - بحسب دعيبس- تحمل الكثير من الأخطاء، وذلك لأن العديد من الصحفيين لا يميزون بين الشكاوى المقدمة للأجهزة الأمنية وبين القضايا المفصولة والتي صدر بحقها حكم، حيث يتعاملون مع أرقام الشكاوى على أنها أحكام قطعية، ومن هذا الباب يجب أن يتم توعية الصحفي بأن العديد من الشكاوى المقدمة لا يصدر بحقها قرار إدانة، لذلك يجب على الإعلام أن يتعامل مع الأرقام الصادرة عن وزارة العدل- إن تمكن من الحصول عليها - ولذلك يجب على وزارة العدل أن تنشر سنويا عدد القضايا المفصولة والأحكام التي صدرت بحقها على موقعها الرسمي كحال باقي المؤسسات.

وأشار دعيبس الى أن الجمعية توقفت عن استخدام مصطلح "جريمة شرف" منذ 3 سنوات، واصبحت تعتمد مصطلح "جرائم القتل الأسرية"، فمنها ما يحدث بداع الشرف ومنها جرائم قتل بحق أفراد الأسرة لبعضهم البعض، والجريمة بالأصل لا شرف فيها وهذا المصطلح يسيء للنساء، وعليه يجب ان يتفادى الإعلام مثل هذه المسميات.

وفيما يتعلق بتغطية هذه القضايا إعلاميا، تقول الصحفية المختصة بتغطية شؤون المرأة، رانيا الصرايرة أن بعض الصحفيين يستسهل نشر الأرقام التي تصله عبر البيانات الصحفية المرسلة من منظمات المجتمع المدني ولا يحاول تفسيرها أو مقارنتها ببعض الجهات الرسمية.

وتابعت الصرايرة "الا انه ايضا لا يمكن لوم الصحفي، حينما ينشر الارقام ذات المؤشرات الغريبة وفي مجملها الأرقام الكبيرة، مثل تلك الصادرة عن ادارة المعلومات الجنائية، لكن يجب عليه تناولها ضمن تقرير صحفي أو تحقيق يتناول الأسباب ويقارنها بغيرها من الأرقام".

وأشارت الصرايرة - بعد عشرة سنوات خبرة في هذا المجال - الى أن بعض المواقع تستغل مثل هذه الأرقام وتقدمها مغلفة بخطاب الكراهية، كأن تشير الى أن الارقام الخاصة بالعنف ضد المرأة بتزايد نظرا لازدياد عدد اللاجئين وغيرها الكثير من الأمثلة.

ولفتت الصرايرة الانتباه الى أن الأرقام الموجودة في بيانات مؤسسات المجتمع المدني، عادة ما تكون مستمدة من المركز الوطني للمعلومات او اللجنة الوطنية لشؤون المرأة أو دائرة الاحصاءات العامة، وجميعها ذات طابع حكومي.

ويرى "أكيد" أن صعوبة الحصول على المعلومات من وزارة العدل التي تشكل المصدر الرئيس لأعداد القضايا المسجلة في المحاكم ونوعها وتوزيعها على الأعوام، تدفع بوسائل إعلام الى اعتماد أعداد الشكاوى المسجلة في مراكز الشرطة وادارة حماية الأسرة فيما يخص الجرائم الواقعة على النساء أو غيرها من الجرائم بسبب اتاحتها أمام الجمهور.

كما يجد المرصد أن مصطلح "جرائم الشرف" لا يدرج تحت أي تصنيف قانوني سواء في ادارة المعلومات الجنائية (شكاوى) أو وزارة العدل والمحاكم (قضايا)، ولا تقوم أي من الجهتين بتصنيف جرائم القتل استنادا للدوافع وجنس المجني عليه.