آرون ميغيد: انتقائية التناول للشأن الأردني بغلاف المهنية

آرون ميغيد: انتقائية التناول للشأن الأردني بغلاف المهنية

  • 2018-11-22
  • 12

أكيد – رشا سلامة

 ما يزيد على ثلاثين تغريدة كتبها وأعاد تداولها الصحافي الأميريكي آرون ميغيد حول القرارين الجدليّين في الأردن حالياً: التعديلات على قانوني ضريبة الدخل و الجرائم الإلكترونية، في الفترة الواقعة بين 18 و21 تشرين الثاني 2018، عبر صفحته على موقع "تويتر".

ليس الأمر بجديد لدى ميغيد، الذي غرّد على "تويتر" وأعاد تداول تغريدات حول الأردن ما يزيد على 423 مرة منذ الأول من أغسطس حتى 21 تشرين الثاني 2018، وهي تغريدات تحمل طابع الانتقائية برغم لبوس المهنية الذي تظهر عليه (من حيث استخدام اللغة الصحافية الرصينة والاستشهاد بالأرقام والإحصاءات وإيراد الأقوال والتصريحات ضمن علامات تنصيص)، لكنها في الوقت ذاته تميل نحو تكريس وجهة نظره فتأتي كما لو كانت في سياق إثبات ما يبشّر به.

على سبيل المثال، انحازت تغريدات ميغيد الأخيرة حول القانونين الآنفين لوجهة نظر واحدة غلبَ على بعضها الشعبوية وبعض التحريض، في مقابل غياب الطرف الآخر: الحكومة، وحتى حين صير للاستشهاد بمقولة سابقة لرئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، فإن ميغيد أرفق تعليقاً حولها استخدم فيه مصطلح "النفاق" عوضاً عن "التناقض"، وهو ما انطوَت عليه تعليقات سابقة رافقت أزمة السيول الأخيرة في الأردن.

تغريدات مكررة

وكانت مواقع إخبارية محلية قد تداولت مادة صحافية سابقة لميغيد حمَلت عنوان "الرزاز على خطى الملقي"، نشرها عبر مطبوعة "فورين بولسي"، منتقداً فيها ما اصطلح عليه "ازدواجية" النهج الأردني في الدعوات التي يُطلقها للاعتماد على الذات، فيما هو ما يزال يطلب المعونات من المجتمع الدولي، بحسب المقالة الأصلية التي اطّلع عليها "أكيد".

وبحسب رصد "أكيد"، فقد أعاد الكاتب، عبر صفحته على موقع "تويتر"، تغريد رابط المقالة ما يزيد على عشر مرات منذ تاريخ نشرها في 23 أغسطس 2018 حتى يوم 28 أغسطس.

اللافت، أن نجم ميغيد سَطَعَ في الفترة الأخيرة، وتحديداً حين تُرجِمت مقالته حول الرزاز والملقي للعربية، رغم كونه يكتب في الشأن الأردني منذ بضعة أعوام، وفي مواضيع جدلية متنوعة، بل إن حكومتيّ الملقي والرزاز والاحتجاجات التي رافقت التغيير، كانت ضمن مادة مطوّلة رَصَدَ فيها متابعات إعلامية واستشهد بكثير من الأرقام والتواريخ والمعلومات الاقتصادية.

ميغيد والأردن على ضوء السيرة الذاتية

بحسب ما يُعرّف به ميغيد نفسه، عبر موقع "لينكد إن"، فإنه محلل سياسي خاص بشؤون الشرق الأوسط، مع تركيز على كل من الأردن والعراق. وقد كان صحافياً مقيماً في عمّان، تحديداً في الفترة الواقعة بين حزيران 2015 وأيلول 2016، لكن معهد الشرق الأوسط في واشنطن ما يزال يُعرّفه بالمقيم في الأردن حتى الآن، رغم كونه يكتب على صفحة "تويتر" الخاصة به أنه كان صحافياً مقيماً في عمّان.

وعن مهامه الصحافية في الأردن يقول إنه قدّم أكثر من خمسين مادة خبرية وتحليلية في سياسات الشرق الأوسط، عدا عن حواراته مع دبلوماسيين وسياسيين ومسؤولين عسكريين وضباط في الجيش ونائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق جواد العناني ورئيس المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات والسفير التركي السابق في عمّان سيدات أونال.

ويضيف أنه كَتَب قصة إخبارية عن خمسين ألف لاجئ سوري محاصر على حدود الأردن، بالإضافة لمقالاته عن الإخوان المسلمين في الأردن والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، مكملاً أنه قدّم عدداً من المحاضرات لطلبة الجامعات الأردنية حول أخلاقيات الصحافة والكتابة في الموضوعات الجدلية.

وعبر الصفحة ذاتها، يقول إنه يتحدّث العربية والعبرية، وهو خرّيج جامعة هارفارد بدرجة ماجستير في دراسات الشرق الأوسط، ومقالاته منشورة في "فورين أفيرز" و"فورين بولسي" و"مونيتور"، وأنه يعمل حالياً في جمع التقارير لمسؤولين أميركيين عن المسؤولين العراقيين الفاعلين والتطورات السياسية هناك.

يكمل أنه عَمِلَ مراسلاً للكونغرس عن سياسيات أميركا الخارجية حيال الشرق الأوسط، وعن امتعاض الفلسطينيين من نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية، عدا عن تعريجه على استضافة قناة الجزيرة له.

ويتحدث عبر الصفحة ذاتها عن المساقات التي تلقّاها والتي يدور معظمها حول تعلّم اللغة العربية وسياسات الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليتحدث بالتفصيل عن كتاباته وتسجيلاته، منها "قمع الأردن للإخوان محفوف بالمخاطر"، ومادة مفصلة عن المفاعل النووي الأردني، وعن إعلان الأردن حدود سوريا والعراق كمناطق عسكرية، وعن علاقة الملك بالإسلاميين، وعن الدولة الإسلامية في العراق والشام وعلاقتها بالأردن.

وبحسب النبذة التي يسوقها موقع "مونيتور" الإخباري، فإن ميغيد هو صحافي من واشنطن، وكان مراسلاً من عمّان في السابق، وهو خرّيج جامعة هارفارد، ويحمل درجة ماجستير في الدراسات الشرق أوسطية، كما أن مقالاته تُنشَر في "ديلي ستار" و"ريببلك" و"مونيتور"، ليسوق عنه موقع CIJA الإسرائيلي في كندا أنه كاتب مندوب لـ "جيروسيليم ريفيو".

تناوُل ميغيد للشأن الأردني ليس مرتبطاً بالمقالة الآنفة، بل يعود لوقت أطول، احتكاماً لما ذكره هو عبر صفحته الشخصية، موثقاً إياه بالمواد والتواريخ، بالإضافة لكون مقالاته عن الأردن موجودة عبر مواقع عدة، منها صحيفة "هآرتز" الإسرائيلية، ومنها على سبيل المثال المادة التي أعدّها عن اغتيال القاضي رائد زعيتر.

مادة أخرى عبر موقع "ديلي ستار"، كان ميغن قد تحدّث من خلالها عن إساءة معاملة تلقاها العمالة الوافدة في الأردن، منطلقاً من حكاية عاملة فلبينية تحمل اسم لوسي، يقول إنها تعرّضت للخديعة حين وقّعت عقد العمل من الفلبين، لتواجه ظروفاً وظيفية وإنسانية سيئة عندما وصلت الأردن.

ومن يتتبع صفحة "تويتر" الخاصة بميغيد  يلحظ  الدرجة التي يهجس بها بالشأن الأردني، لكنه يختلف تماماً عن طبيعة الهواجس التي يترجمها الصحافي الإسرائيلي الذي يُعرّف ذاته بالخبير في شؤون الشرق الأوسط إيدي كوهين؛ إذ يستخدم ميغيد النبرة المهنية ويعيد تغريدات لا تنطوي على إساءات للأردن، لكنها تتناول كثيراً من الأمور المتعلقة به، في وقت ينزلق فيه كوهين للغة سوقية وفبركة شائعات كان آخرها ما أشاعه عن محاضرة مزمعة له في الجامعة الأردنية، وهو ما نَفته الأخيرة.

على سبيل المثال، يحرص ميغيد على إعادة تناقل تغريدة تقارن بين تلفزيون المملكة والتلفزيون الأردني، ورحلات بـ 35 دينارا بين العقبة ولندن، كما يُعيد تناقل تغريدات لتشجيع السياحة في الأردن، وعن تدشين القطار في الأردن والاتفاقية المزمعة حول ذلك مع شركة صينية،  بالإضافة لمتابعته المستمرة لمستجدات مخيم الزعتري للاجئين السوريين، وتغريدات السفارة الأردنية في واشنطن، بل وجّه تهنئة عيد الأضحى، عبر "تويتر"، لأصدقائه في أميركا والأردن، فقط، كما التقط غياب أي وجه نسائي في اللقاء الذي أجراه الملك مع رموز إعلامية، مرفقاً ذلك بصورة.

انتقائية التناول

في الأشهر الثلاثة الأخيرة، تناوَل ميغيد الشأن الأردني بإسهاب، لا سيما ما يتعلق بالاحتجاجات الشعبية التي أعقبتها استقالة حكومي هاني الملقي وتقلّد الرزاز للمنصب، لكنه لا يقف عند حدود تناوُل موضوع واحد؛ فكل ما يُكتَب عن الأردن يهمّه بشكل لافت، مقارنة حتى بمواده عن الشأن العراقي، على الرغم من كونه يُعرّف ذاته بالخبير في الشأنين الأردني والعراقي.

لكن السمة التي هيمنت على تغطيات ميغيد (تغريد وإعادة تغريد ومقالات وتعليقات) كانت الانتقائية؛ إذ يركّز في تناوله على النقاط الجدلية كمثل إعادته تغريد رابط مقالة تتحدث عن مسؤول عسكري أردني يرافق بعثة الحج المسيحية لفلسطين، كنوعٍ من المساواة في الفرص بين أطياف الجيش الأردني، ورابط مقالة أخرى تتحدث عن مهلة شعبية ممنوحة لحكومة الرزاز، وعن القرار الجدلي بمنع إقامة تأبين أبو علي مصطفى، وإعادته تغريدات تتعلق باغتيال الشخصية، بقلم مروان المعشر، بالإضافة لإعادة تغريده رابط مادة صحافية إسرائيلية حول تصريحات المعشر بأن خطة البيت الأبيض تضر بالأردن وأن الأخيرة قد تلغي تعاونها الأمني مع إسرائيل، وهو ما علّق عليه مسؤول إسرائيلي سابق بأنه مؤسف لكنه متوقع، وتعليقه على مقالة منشورة في الـ "جوردان تايمز"، تتحدث عن ضغوطات خارجية على الأردن انعكست على الاقتصاد، بأنها "ليست إشارة طيبة لمن يحرصون على وضع الأردن الاقتصادي".

كما ساق ميغيد تساؤلاً "أليسَ قانون الضريبة الأخير هو الذي أسقط الحكومة السابقة؟"، تعليقاً منه على مادة صحافية تتناول نتائج استطلاع يقول إن 90 % من الأردنيين يرون أن الضرائب المفروضة على القطاعات الإنتاجية عادلة.

تساؤلات وتعليقات كالآنفة، وإن حاوَلت ارتداء لبوس المهنية من خلال سوق الأرقام والنسب، إلا أنها تشي بعدم موضوعية ميغيد في نقل الخبر وتحليله، وإن كان يتلاعب على حبل الكلام في مرات كثيرة من خلال دمجه بين الرأي والتحليل ونقل وقائع الخبر في المادة الصحافية نفسها، ولعل هذه واحدة من سمات كتابته، ما يجعل متتبع مواده يتوقف لديها قليلاً ليجزم صنفها الصحافي بداية.

وحتى حين يجنح ميغيد لتناول شأن اجتماعي ما، فإنه يختار ما يحمل طابعاً نقدياً مبطناً، لا سيما للظروف الاقتصادية، كمثل إعادته تغريد رابط مقالة عن كون 49 % من النساء الأردنيات غير راغبات بإنجاب طفل آخر.

وفي وقت ينتقد فيه ميغيد بشكل ظاهر كثيراً من الإجراءات الرسمية الأردنية، على لسانه ونقلاً على لسان غيره، فإنه يستخدم لغة أكثر انتقائية وتبطيناً حين يتحدث عن الموقف الرسمي الأميركي على سبيل المثال.

كان هذا واضحاً في تعليقاته الأخيرة على أزمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، بسبب إحجام الولايات المتحدة الأميركية عن تقديم الدعم لها، إذ ثمة نقد مستتر لهذه القرارات لكن ميغيد لا يُصرّح به، بل يسوقه من خلال الأخبار المرفقة بالصور والتي تُظهِر الاحتجاجات تارة، ومن خلال صور طلبة مدارس وكالة الغوث تارة أخرى، ليختار طريقة ثالثة ينقل فيها تصريحات رسمية عن كل من الناطقة باسم الحكومة جمانة غنيمات ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي.

ولعل النقطة هذه تحديداً تُشعِر المتتبع لتغريدات ميغيد وكتاباته أن ثمة كيل بمكيالين، وليس انتقائية في التناول فحسب.

سمات تناوُل ميغيد للأحداث

رَصَدَ "أكيد" ملامح عدة لتناوُل ميغيد للأحداث في الأردن خصوصاً والشرق الأوسط عموماً:

  • يعتمد  لغة متوازنة لا انفعال فيها، ويتجنب اختيار الألفاظ التي تشي بحدّة أو التي تنطوي على هجوم مباشر. يستخدم لغة سلسة لا تعقيدات فيها (بالإنجليزية والعربية على السواء).

 

  • يبتعد عن خطاب الكراهية، وينتقد أي مصادرة للحريات، لكن في الوقت ذاته يسير بالمادة لصالح وجهة النظر التي يتبنّاها، مدعّماً هذا بتتبّع الخيط التاريخي للحدث منذ بدايته، ويستشهد بالأرقام والتواريخ والدراسات السابقة، ويحرص على نسبة الأقوال ووضعها ضمن علامتيّ تنصيص مع ذِكر السياقين الزماني والمكاني لها.

 

  • يميل للمقالات التحليلية، لكنه يتحرّى نشر الأرقام وتثبيت الوقائع حتى في المقالات التي تعبّر عن رأيه، وفي معظم المرات يدمج بين الرأي والتحليل والخبر.

 

  • يتتبع الأحداث الموازية (في بلاد أخرى أو في فترات سابقة) للحدث الذي يتناوله، ويستشهد بها ويقارن، موثقاً ذلك بالتواريخ والأرقام.

 

  • في خطابه التلفزيوني، يستخدم نبرة هادئة ويسوق المعلومات بطريقة سلسة، ويستخدم الأسلوب ذاته في التوثيق والتدعيم بالأرقام والمعلومات؛ لخدمة وجهة نظره.

 

  • يعتمد على روايته كشاهد عيان أيضاً، ويُدعّم ملاحظاته التي يرصدها بالأرقام والوقائع أي لا يكتفي بنقل المُشاهدات فحسب. وقلّما يستخدم المقطع الأول من اسم المتحدث أو يشير لكونه لا يرغب بإيراد اسمه الكامل؛ خشية على سلامته.