مظاهرات "أصحاب السترات الصفراء": تهويل وإعادة استخدام صور قديمة

مظاهرات "أصحاب السترات الصفراء": تهويل وإعادة استخدام صور قديمة

  • 2018-12-04
  • 12

ترجمة بتصرّف: رشا سلامة

  أعيش في قلب باريس، ولعلّكم تخالون أن نهاية الأسبوع هناك كانت مليئة بالخطر والحرائق والهلع. كان هذا ما شاهدَته عائلتي وأصدقائي، الذين يقطنون بعيداً، عبر التلفاز وموقع "فيسبوك". لذا، تلقّيت بعض الاتصالات والرسائل النصيّة التي تستفسر بقلق عمّا يحدث. لكن دعوني أخبركم بالحقيقة: لم يكن المشهد كما نُقِل لكم.

لقد تحوّلت مظاهرات "أصحاب السترات الصفراء" لهاجس مرعب أقضّ مضاجع من يتابعون المشهد إعلامياً، لكن المظاهرات في واقعها كانت أقلّ من سابقاتها، وإن كان ثمة من جنح للعنف هذه المرة. أُحرِقت 120 سيارة وكثير من المرافق قد تدمّرت، كما أصيب 133 شخصاً، إلى جانب القنابل اليدوية وخراطيم المياه التي استخدمتها الشرطة الفرنسية لتفريق المتظاهرين.

صبيحة الإثنين، كان هناك دفق من الشبّان واليافعين الذين أتوا من باريس ومحيطها للاحتجاج على خلفية مطالب اقتصادية، وهو ما لم يرُق لبعض الساسة، لكن في الوقت ذاته انطوَت التغطية الإعلامية للأحداث على كثير من المبالغة والتهويل، كما استُخدِمت صور مفبركة من أحداث سابقة في بلاد أخرى، وحتى حين سيقت صور حقيقية من قلب الأحداث، كان ثمة شحن عاطفي تعمل عليه العناوين والتعليقات المرافقة لتلك الصور.

تصدّرت عناوين، تحمل طابع الإثارة والمبالغة، المشهد الإعلامي من قبيل "باريس تحترق" أو "مشاهد الحرب" أو "ميدان الحرب"، والتي تلقّفتها وسائل التواصل الاجتماعي، مرفقة إياها بفيديو لحرائق قبالة قوس النصر. كما ارتدى بعض مراسلي قنوات التلفزة خوذات؛ لإسباغ طابع البث من "ميدان الحرب".

لقد كان هؤلاء من "روسيا اليوم"، وقد قابلوا بعض الأشخاص الذين قالوا أشياء غير منطقية من قبيل إضرام الشرطة الحرائق بالسيارات، لكن الماكينات الإعلامية المدارة من قِبل روسيا لم تكن وحدها التي صبّت الزيت على النار؛ إذ كان هناك ما يشبه الإصرار على تهويل ما يحدث، وإن كانت هناك احتجاجات فعلاً وعنف أيضاً، كما كان الغضب جلياً لدى بعض أفراد الفئة العاملة.

كان ثمة ما يشبه حملة التحشيد والشحن العاطفي التي انبثقت عن "فيسبوك" من دون وجود متزعّم لها، وكثيراً ما تم تصوير الأمر كما لو أن فرنسا أفلتت من عقالها، وبالوسع قول إن حراك "أصحاب السترات الصفراء" بات ميداناً واسعاً للإعلام ليُصوّر الأمر كيفما يرغب، من دون وجود مجال سانح لنفي شيء أو إثباته.

ونشِرت صور سابقة لمصابين في برشلونة كما لو أنها لمصابين في فرنسا، كما استخدِمت صور للجيش البلجيكي، الذي ترتدي قوّاته السترات الصفراء عند التنقّل، على أنها ضمن الأحداث في فرنسا.

ولعل الأدهى أن ثمة صور واقعية من قلب الأحداث كانت قد استخدِمت في سياق تلاعُب كيفما يشاء ناقل الخبر، عدا عن إرفاقها بعناوين وتعليقات تنطوي على شحن عاطفي وتحشيد، ولعل مشهد السيارات المحترقة مثالي لمثل هذا التوجّه غير المهني، لا سيما حين يرفقه ناقل الخبر بخلفية لباريس وتعليقات من هذا القبيل.

في الواقع، وكشخص يقطن باريس، فإن معظم مظاهرات "أصحاب السترات الصفراء" كانت هادئة ومسالمة وكانت محصورة في الأماكن المخصصة لها.

للأمر أبعاد أكثر عمقاً، من نواحٍ سياسية ورمزية، وأكبر بكثير من مجرد سوق أخبار تنطوي على تهويل ومبالغات وإرفاقها بصور تُحدث خضّة لدى المتلقي.