"عصابات خطف الأطفال في الأردن": شائعات موسميّة وتهويل إعلاميّ

"عصابات خطف الأطفال في الأردن": شائعات موسميّة وتهويل إعلاميّ

  • 2019-04-04
  • 12

أكيد – رشا سلامة -

تداولت وسائل الإعلام المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية المحلية وموقع "يوتيوب" ووسائل التواصل الاجتماعي (ممثّلة في هذه العيّنة بالصفحات العامة في موقع فيسبوك)، ما يزيد على 400 مادة إعلامية حول "اختطاف الأطفال في الأردن"، منها ما نُشِر حول قضية اختطاف الطفلة نيبال ومقتلها، مروراً بأخبار أخرى تفيد بوجود أطفال مختطفين، ومواد تحاول التعليق على "الظاهرة" من خلال مقالات الرأي، وفقاً لما رصده "أكيد"، في الفترة الزمنية الممتدة منذ 27 آذار 2019 حتى 4 نيسان 2019.

من يتتبّع المواد الصحافيّة التي تُغطّي موضوع الاختطاف، يجدها أقرب للظاهرة الموسميّة التي تعود بين فترة وأخرى كلما طرأت حادثة جديدة، لتؤثر على الأداء المهنيّ لوسائل الإعلام من خلال نقل ما يتم تداوله اجتماعياً وفي أوساط العامّة من دون إخضاعه في أغلب الأحيان للتدقيق؛ إذ رصدَ "أكيد" في مادة سابقة، جملة من المخالفات المهنية والأخلاقية والقانونية التي شابت التغطيات الإعلامية لحادثة الطفلة نيبال وبعض ما تلاها.

وبالعودة لعيّنة العام 2015، وجدَ "أكيد" أنه قد نُشِرَ ما يزيد على 76 مادة مكتوبة ومرئية، محلياً، عبر المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام، حول حالات اختطاف الأطفال، آنذاك، كان أبرزها محاولة اختطاف طفل في الرمثا على سبيل المثال، وكان محورها سرقة أعضاء الأطفال، وقد حفلت بمخالفات مهنية عدة آنذاك، لا يزال الكثير منها يتكرّر حالياً، كما ظهَرَ في حادثة الطفلة نيبال، من قبيل العناوين المجافية للمهنيّة، بالإضافة لاستعجال النتائج قبل أن يبتّ القضاء بالأمر، وإعطاء الأولوية للسبق الصحافي على حساب الدقة، بالإضافة لمخالفات من قبيل نشر صور الأطفال الذين تتم بحقهم هذه الممارسات، من دون الالتفات لأهميّة صون الخصوصيّة واحترامها، ولتجنُّب الضرر الاجتماعي والنفسي الذي قد يُحدثه ذلك في أعوام لاحقة على الطفل.

في امتداد لما يُمكن للراصد وصفه بـ "حُمّى الخطف" التي طغت على تناول وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للحادثة الرئيسة (الطفلة نيبال) وما تلاها من حوادث، ظَهَرَ خبر في الأمس سرعان ما نفته الأجهزة الأمنيّة حول محاولة اختطاف فتاة أمام كلية جامعية، ليتبيّن أنّ مجرد صراخها دفع المتواجدين لتناقل الخبر على أنه محاولة اختطاف، كما صرّح الأمن العام اليوم أنه قد تلقّى "3 ادعاءات خطف كاذبة في ٢٤ ساعة".

وقد ظهرت جوانب جديدة في التناول عند رصد عيّنة التواصل الاجتماعي المتمثلة بموقع "فيسبوك"، في أعقاب قضية الطفلة نيبال وصولاً لليوم، منها تعليم الأطفال التصرّف عند محاولة الاختطاف، كما تمت مشاركة مواد مثل "في أي عُمر يُسمَح للطفل اللعب خارج المنزل؟"، غير أنّ التداول الأكبر كان للأقاويل غير المنسوبة لمصدر، وقلّما كان هنالك تناقلاً لتصريحات رسميّة، كما طغت المواد الإعلامية المرئية (صور وفيديوهات) على المكتوبة في مشاركات "فيسبوك".

المقدّم عامر السرطاوي، الناطق الرسميّ باسم مديرية الأمن العام، يقول لـ "أكيد": إنّ وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي "لعبت دوراً سلبيّاً في ما وُصِفَ بظاهرة اختطاف الأطفال"، موضحاً: "يتداول المواطنون مثل هذه الشائعات بكثير من الاستسهال ومن دون محاولة التحقّق من مصادر أمنيّة، سواءً كان هذا مدفوعاً في مرّات بحسن النيّة أو عدمها".

وعند سؤال السرطاوي عمّا إذا كان خطف الأطفال "ظاهرة في الأردن"، أجاب: إنّ هذا "عارٍ من الصحة؛ إذ لو كانت هنالك حالات اختطاف حقيقيّة، لوجَدَت الصدى ذاته الذي وجدته حادثة الطفلة نيبال، والتي تُصنّف كجريمة قتل".

يقول السرطاوي: إنّ ما حدث في المجتمع في أعقاب حادثة الطفلة نيبال قد يُنعَت بـ "الهلع"، لكن سرعان ما تراجع الأمر، وذلك بعد إصدار الأمن العام بيانات رسميّة، ليسوق المثال حول خبر نُشِرَ اليوم عبر بعض المواقع الإلكترونيّة تقول فيه سيّدة إنّ ابنة شقيقتها قد اختُطِفَت، "ليتبيّن للأمن العام عند الذهاب للموقع أنّ الطفلة في منزل ذويها"، وعند سؤاله عن التفسير لمثل هذه الحالات، أجاب: "لا أملك تفسيراً".

يستدرك السرطاوي قائلاً: إنّ حالة من الاهتمام بسلامة الأطفال باتت ملحوظة الآن لدى العامّة، مُدلّلاً على ذلك بـ "بلاغ تلقّاه الأمن العام أمس حول محاولة اختطاف طفل، ليتبيّن أنّ عائلة الطفل قد وضعته في صندوق السيارة بغرض تأديبه وأنّ الحادثة لا تمتّ للاختطاف بِصلة".

ويقول الدكتور تيسير أبو عرجة، عميد كلية الإعلام في جامعة البتراء: يجدر بالإعلام التضحية في حالات كهذه بـ "السرعة والسبق الصحافي، في سبيل مزيد من الدقة"، مُبرّراً ذلك: "إنّ حساسيّة القضايا المرتبطة بجرائم لا بدّ أن تبقى نُصب عينيّ الصحافيّ. لذا، يُعدّ البيان الصادر عن الأمن هو المرجع الذي يحتكم إليه الصحافيّ في تغطية هذه القضايا وليس التكهّنات والأقاويل".

ويرى أبو عرجة أنّ الخطورة تكمن في التعليقات وردود الأفعال المتأتّية عن التغطيات الصحافيّة المغلوطة، مشيراً إلى "ضرورة تشكيل وعي حول الطريقة المُثلى للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعيّ، وهي قراءة ما يرِد عبرها من دون أخذه على محمل المصداقيّة والجدّية، إلا ما يتوافقَ منه مع المنطق والعقل وما يجري التحقّق بشأنه".