تقرير "ذا إيكونوميست" حول الأردن: مهنية أقل.. أخطاء أكثر

تقرير "ذا إيكونوميست" حول الأردن: مهنية أقل.. أخطاء أكثر

  • 2019-06-10
  • 12

أكيد – رشا سلامة

وقعت مجلة  "ذا إيكونوميست" البريطانية، في عددها الأخير، في جملة من الأخطاء وَرَدَت في تقرير تناوَل الشأن الأردني، تحت عنوان "أصدقاء أقل ومشاكل أكثر". وبعد تحقّق "أكيد" من محتوى التقرير، تبيّن أنه ينطوي على مغالطات مهنية ومعلوماتية، من قبيل التعليق على الاحتفال بالذكرى العشرين لتولّي الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، فيما لم يكن الاحتفال قد أقيم بعد لحظة نشر التقرير، بل تم تأريخه بشكل خاطئ وخلطه بذكرى وفاة الملك حسين رحمه الله، والادّعاء باعتقال شيوخ عشائر أردنية، عدا عن تقديم  آراء شخصيّة لمحررّ التقرير كما لو أنها حقائق ووقائع، مثل ضعف الإقبال على المنتدى الاقتصادي العالمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي أقيم في منطقة البحر الميت، من دون إقران ذلك بأرقام ومعلومات كافية، وهو ما حدَثَ كذلك في ما يتعلق بالدعم الأميركي للأردن.

ما سبق، يشي بحجم المخالفات المهنية التي ورَدَت في مادة "ذا إيكونوميست" والمتمثلة بجملة من المغالطات التاريخية، وعلى رأسها التعليق استباقياً على مناسبة لم تحدث حتى لحظة نشر التقرير، بالإضافة للاستناد لصور نمطية وانطباعات وأقاويل لم يتم التحقق منها، والانتقائية في التناول وعدم الدقة، ودمج الرأي بالمعلومات، والاعتماد على مصادر مجهولة في بناء مادة صحافية مغرقة في الانطباعات.

مضامين  التقرير

تقول المادة، المنشورة بتاريخ السادس من يونيو 2019، إن الأردن كان حليفاً للغرب في وقت اتجهت فيه دول عربية للاتحاد السوفيتي، كما كانت منفذاً لإسرائيل في وقت لم تكن فيه كذلك دول عربية أخرى، كما استخدمتها أميركا كنقطة انطلاق لقوات خاصة نحو العراق، بالإضافة لدورها كمنسق لقوى المعارضة في الأزمة السورية، وهي النتائج التي يعدّ بعضها صحيحاً، فيما جزء منها يندرج تحت بند الصور النمطية والأقاويل المتداولة أكثر من كونها معلومات وحقائق مستندة لتواريخ وأرقام وتصريحات مسؤولين.

وقد تمّ الاستناد في متن المادة لتصريح مجهول المصدر، نُعِتَ بأنه يعود لمسؤول أردني سابق، يقول فيه إن الحكم في الأردن بات يخسر مكانته. ويقول كاتب المادة إن دولاً أخرى استندت للنفط، فيما الأردن استندَ لموقعه الاستراتيجي، ما جعل العالم الغربي يحرص على استقراره.

ويكمل كاتب المادة، التي تعنوَنَت بعنوانين: "أصدقاء أقل، مشاكل أكثر" و"الملك عبدالله يخشى تخلّي الحلفاء عنه"، بقول إن دور الأردن ما عاد مهماً؛ إذ باتت كثير من الدول تتعامل مع إسرائيل بشكل مباشر، عدا عن كونها ليست راضية عن عدم انسجام الأردن مع مواقفها، كما ظَهَر في إبقائها العلاقات مع قطر برغم القطيعة بين هذه الدولة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب تسامحها مع حركة الإخوان المسلمين برغم اعتبارها إرهابية في دول أخرى مثل دول الخليج ومصر، وعدم حماستها للمشاركة في الحرب على اليمن والتي تتزعّمها كل من السعودية والإمارات، عدا عن مصافحة الملك للرئيس الإيراني حسن روحاني، برغم العداء بين بلاد الأخير وبين دول عربية. 

وتحدّث التقرير عن خشية الأردن من انتزاع الوصاية الدينية التي لطالما تحلّى بها الحكم في الأردن في ما يتعلق بالقدس، كما أوردَ كاتب المادة أن الملك عبدالله يشكو من تجاهل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب له في التسوية المزمعة للقضية الفلسطينية، مع البرهنة على أن الأردن يتلقّى عقاباً على عدم اتباعه السياسات الخليجية، يتمثّل بوقف الدعم المادي الذي كان يحظى به من دول الخليج، كما حدَث مع السعودية في العام 2017، بالإضافة لقول الملك إنه يتعرّض لضغوطات جرّاء انتقاده نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلّة والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل.

ويورِد كاتب المادة الأرقام حول مؤشريّ الفقر والبطالة في الأردن، مردفاً أن الإعلان عن وظيفة سكرتير في السفارة الأميركية في عمّان قد أفضى لفراغ المحال والمقاهي من روّادها.

المغالطات المهنية بحسب رصد "أكيد"

أولاً: لم يفرّق كاتب التقرير ومحرّره بين ذكرى وفاة الملك حسين 7/ شباط  وبين الاحتفال الرسمي والشعبي  بمرور عشرين عاماً على الجلوس الملكي في 9 / حزيران. وفي وقت لا تعدّ فيه ذكرى وفاة الملك حسين حدثاً جماهيرياً، فإن الجلوس الملكي قد شهِد احتفالات غير مسبوقة هذا العام، من خلال سلسلة احتفالات جماهيرية  ومنها  احتفال أقامته أمانة العاصمة وأمّه ما يزيد على عشرة آلاف شخص من العامّة، بالإضافة للاحتفالات التي شهدتها المحافظات.

وكان أن وصف التقرير هذه الاحتفالات قبل حدوثها بأنها لم تشهد حضوراً، كما أوردَ تاريخها بشكل مغلوط، وذهب لسرد تفاصيل منها في وقت لم تكن قد حدثت فيه بعد.

ثانياً: الاستناد لصور نمطية تقليدية تروج وسط مجموعة من الأيديولوجيين العرب ويستثمرها الإعلام الإقليمي الذي يُعبّر عن المحاور الإقليمية، من قبيل الدور الوظيفي للأردن.

ثالثاً: سوق أمثلة شعبوية غير دقيقة خلال الحديث عن البطالة والفقر، ولعل أبرز هذه الأمثلة وظيفة سكرتير السفارة الأميركية التي أُعلِن عنها ففرغت المقاهي والمحال من الروّاد، بما في هذا المثال من استخدام للغة مجافية للمهنية، وبشكل يصلح للتندّر أكثر من كونه ذِكر لواقعة ما ضمن تقرير يزعم المهنية.

رابعاً: محاولة تقديم المواقف الأردنية الداعمة لمدينة القدس والوصاية الدينية في سياق يُظهِر الأردن كما لو كانت طرفاً ضعيفاً، رغم كون هذه المواقف مصدر لقوة النظام السياسي مؤخراً، كما أن هذه المواقف أعادت بناء التوافق الوطني بين مكوّنات المجتمع وقواه السياسية، بالإضافة لتقديم التقرير المواقف الأردنية كأنها مواقف جديدة ولا يقرّ بها الأردن ويعلنها.

خامساً: الاعتماد في معظم ما جاء في التقرير على مصادر مجهولة أو مُجهّلة لمجموعة من الآراء التي تم تقديمها على شكل وقائع ومعلومات، ما يتناقض وأبجديات الصحافة التي تحدّد الظروف التي يلجأ فيها الصحافي لتجهيل المصادر. بينما اكتفت المجلة باللجوء للطريق الأسهل، وهو نسبة كثير مما وردَ في المادة لمصادر مجهولة من دون إيراد سبب إخفائها، رغم كون المادة تزعم أن هذا هو المزاج الشعبي السائد حالياً.

سادساً: الانتقائية في عرض بعض الوقائع والمعلومات والتركيز على إبراز وجه واحد للحقيقة والوقائع، كما في الحديث عن العلاقات الأميركية الأردنية التي يقول الكاتب إنها تمرّ بمرحلة صعبة، من دون أن يلتفت لكون هذا العام شهِدَ أكبر قدر من المساعدات الأميركية للأردن، بحسب ما يرِد عبر موقع السفارة الأميركية في عمّان، وفي ما يلي نصّه "تعهدت مذكرة التفاهم بتقديم 1.275 مليار دولار سنوياً من المساعدات الخارجية الثنائية من 2018 إلى 2022 – أي ما مجموعه 6.375 مليار دولار. زاد الكونغرس الأمريكي في عام ٢٠١٨ من المساعدات المتعهد بها إلى 1.525 مليار دولار. يشمل هذا التمويل 1.08 مليار دولار في المساعدات الاقتصادية وكذلك دعم بقيمة 425 مليون دولار للجيش الأردني".

مجلة "ذا إيكونوميست" العريقة، والتي تأسست في العام 1843، كانت تشتهر بخط تحريري صارم، لكن في هذا التقرير كانت بمهنية أقل وأخطاء أكثر.