"أكيد" يقترح دليل التغطية المهنيّة لموضوعات "الوفيّات"

"أكيد" يقترح دليل التغطية المهنيّة لموضوعات "الوفيّات"

  • 2020-04-16
  • 12

 

أكيد – مجدي القسوس 

تُعدّ الكتابة عن الوفيّات من أصعب أنواع الكتابة التي يتناولها الصحفيّون، كما يُعدّ إجراء المقابلات مع ذوي المتوفَّى والأشخاص المحزونين جزءًا صعبًا وضروريًا في آن.

سنتناول في هذا التقرير أبرز الممارسات الفُضلى التي تساعد الصحفيّين على القيام بدورهم في هذا المجال بطريقة مهنيّة صحيحة.

الوفيات والإنسانيّة

أوّلاً وقبل كلّ شيء، ينبغي التأكيد أنّ الكتابة عن "الوفيّات" عمليّة مهمّة وذات مغزى، يتداخل فيها عمل الصحافة المهنيّة وتكريس الإنسانيّة، وهي الآن أكثر أهميّة من أيّ وقت مضى.

إنّ اهتمام الناس بقراءة القصص الإخبارية يُعدّ سبباً رئيساً لزيادة أعداد المشاهدات، وبالتالي تحقيق الأرباح للوسيلة الإعلامية، لذا تعتمد الكثير من تلك الوسائل الإثارة والتهويل في تغطية قصص الضحايا والمتوفين، أو الناجين من حوادث شتّى.

ويتطلّب تكريس الإنسانيّة في العمل الصحفي أن تضع نفسك ومن تحب بطلاً في القصّة التي تكتبها، وتتخيَّل كيف سيتقبلها الناس، وما وقعها عليهم، وبالتالي يُنبّه "أكيد" إلى ضرورة الالتزام بالمعايير المهنيّة، والقانونيّة، والأخلاقيّة التي يجب على وسائل الإعلام أن تلتزم بها في مثل هذا النَّوع من التَّغطيات، والتي من أبرزها: الموضوعية، واحترام خصوصيّة الإنسان وكرامته.

أساسيّات الإعداد لقصّة إخباريّة صحفيّة

إن التوازن، والشموليّة، والوضوح، والموضوعيّة، كلّها معايير يجب تكريسها في العمل الصحفيّ بشكل خاص، مع مراعاة الأطر المرجعيّة التي تحكم تنظيم مهنة الصحافة ومبادئها المهنيّة، والقانونيّة، والأخلاقيّة.

عند إعدادك تقريراً يتضمّن قصّة أحد المتوفّين، فكّر في شخصٍ تحبُّه حقًا، وتخيّل أنَّه يموت، لا قدّر الله تعالى، وتخيَّل أيضاً أنَّ محطة تلفزيون محليّة تبثّ قصة طويلة عن هذا الشخص دون التحدُّث معك. ما هو شعورك حول استبعادك من هذه العمليّة؟ حافظ على ذلك السؤال في مخيّلتك عند إعدادك التقارير؛ لأنَّك ستقوم بذلك بشكلٍ صحيح.

يجب على المؤسّسات الإعلاميّة التي يعمل بها طلبة، أو محرّرين متدرّبين، إعداد خطّة تتضمَّن الأسئلة التالية:

من سيكتب سيرة المتوفَّى؟

من سيقوم بتحريرها والتحقُّق منها؟

هل قمتَ بإطلاع فريقك على كيفيّة التعامل مع هذه الحالات؟

هل ستتعامل مع شخص المتوفّى ومكانته سواء كان طالباً، أو عضو هيئة تدريس، أو موظَّفاً، بالطريقة ذاتها أم بشكلٍ مختلف؟

أين ستنشر هذه القصص؟ هل ستقوم بإنشاء صفحة خاصّة؟

من سيجمع الصّور وربما الصوت أو الفيديو؟

التحضير لمقابلة أقارب المتوفين

يُنوّه "أكيد" دائماً في تقاريره إلى أنَّ لا قيمة إخبارية من إجراء المقابلات مع ذوي المتوفّى أو الضحية، انطلاقاً من جوهر العمل الصحفي الذي يقوم على احترام كرامة البشر أحياء وأمواتاً، وأنَّ على وسيلة الإعلام أن تتذكّر أنّ هذه الممارسات قد تترك آثاراً نفسيّة مؤلمة عند جمهور المتلقّين، خصوصاً لدى ذوي الضحية ومعارفه.

وتذهب بعض المقابلات  إلى  التأثير على عواطف الجمهور وإثارة مشاعرهم الإنسانية، إلا أنَّ الأصل في الممارسة المهنيّة عدم استغلال حالة ذوي المتوفّى الإنسانية لأهداف إعلاميّة أو مآرب شخصيّة، وفي هذا مخالفة مهنيّة لأخلاقيات العمل الصحفيّ.

لكن قد تظهر حالات استثنائيّة يمثّل إجراء قصص إخباريّة عنها خدمة للصّالح العام، باعتبارها شخصية عامّة، سياسيّة مثلاً، يحق للجمهور دراسة سيرتها ومعرفة المزيد عنها، وهُنا يلجأ الصحفي إلى أقارب الشخصيّة لجمع المعلومات وإجراء المقابلات، مع "مراعاة مشاعر الآخرين"، والتي هي العنوان الرئيس لكلّ صحفيّ في التعامل مع أي من الحالات الإنسانية.

وفي ظل حظر التجوّل الذي تفرضه الكثير من الدول نتيجة انتشار فيروس "كورونا"، فإنّ الكثير من الأعمال تتمّ عن بعد، وبخاصّة المقابلات الصحفية، وهو أمرٌ صعب، لا سيّما مع غياب لغة الجسد والتواصل الفعليّ مع ذوي المتوفّى، وقد لا تكون "كورونا" سبباً وحيداً، إلا أنها فتحت باباً جديداً في عالم الصحافة، ونمطاً حديثاً يتمثّل في إجراء المقابلات عن بعد.

لذلك، رتّب مكانًا لمكالمة هاتفية أو عبر التطبيقات مثل؛ Facetime أو Zoom أو Google Hangout، أو استخدم تطبيقاً من التطبيقات التكنولوجيّة التي تشعر بالراحة في التعامل معها، وتأكّد من إمكانيّة استخدام الطرف الآخر لها.

شجّع مصدرك على تمرير الهاتف/الجهاز حوله والتحدث إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص ذوي العلاقة مع المتوفّى، إذا كان هناك العديد من الأشخاص في المنزل، أمّا إذا لم يكونوا في المكان نفسه، فحاول جمع أكبر قدر من الأسماء والأرقام من مصدرك الأول للتواصل معها لاحقاً؛ لأنّ هذا يجعل القصّة غنيّة ومكتملة.

لا تعتمد على النصوص أو رسائل البريد الإلكترونيّ لهذه القصص، إن أمكن، حاول الاتصال الشخصيّ، حتى لو كان افتراضيًا.

من أين نبدأ؟

إنَّ أفضل مصادر القصص عن المتوفّين هي الأسرة المباشرة؛ الأزواج، والأبناء، والآباء. ابدأ من هنا، وانتقل إلى الخارج نحو الأشقاء، والأصدقاء، وأبناء العم، وزملاء العمل.

اتّصل بمكان العزاء، لربما هناك شخص مسؤول سيفتح لك المجال للتواصل مع أفراد العائلة، لأنَّ الكثير منهم يعرف أهميّة الصحافة في تغطية أخبار الحِداد، بينما البعض الآخر يجهل ذلك، ولا تخشَ من ذلك في كلا الحالتين.

ماذا نسأل؟

قُم بالبحث المسبق عن بيانات مهمّة في السيرة الذاتيّة للمتوفّى والعائلة، كمكان الولادة، والسكن، والتعليم، والعمل، وأسماء أفراد العائلة كالزوج أو الأبناء، واسأل أيضاً  عن الهوايات أو الاهتمامات اللامنهجيّة، أو إن شارك مثلاً في عملٍ تطوعيّ. وتأكد أَّنَّه كلما زادت الأسئلة المتعلقة بحياتهم، كانت المقابلة  أكثر سلاسة.

عُد إلى بعض المصادر الوثائقية، إن وُجدت، عن الشخصيّة؛ لتتحقّق من جوانب القصّة التي تجمعها أكثر.

لا تنسَ الصور!

يُفضَّل عند إجراء القصّة، أن تطلب من أفراد العائلة ومصادرك صوراً بدلاً من التقاطها، واطلب إذناً لاستخدام صور وجدتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يقول خبراء إنّ نشر صورة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعني أنها لا تخضع لقواعد الملكيّة، ولا يحقّ لك نسخها واستخدامها، أو نشرها دون طلب إذن من أصحابها.

التحقُّق من الأسلوب والدّقة!

تُركّز قصص الوفيّات، عادةً، على الزوايا الإيجابيّة في حياة الشخص، وهذا جيّد بشكل عام، وضع في اعتبارك أنَّ هذا المشروع هو عمل تاريخيّ مهم قد تحتفظ به الأسرة لأجيالٍ قادمة.

يُقدّم مركز "دارت" للصحافة، التابع لكليّة الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، نشرة إرشاديّة لتغطية الأخبار العاجلة، ومقابلة الضحايا والناجين، جاء فيها:

  • كُن حذِراً وهادئاً عند الاقتراب من المصادر. حدّد من أنت، وما هي المنظمة التي تمثّلها، وماذا سيحدث بالمعلومات التي تجمعها من المقابلة، وكيف يمكن استخدامها ومتى ستظهر.
  • أخبرهم لماذا تريد التحدّث معهم.
  • إذا كان الظرف مناسباً لإجراء المقابلة، فافعل ذلك، وإن لم يكن كذلك فاترك معلومات الاتّصال الخاصة بك معهم، واطلب منهم الاتصال بك في أيّ وقت إذا كانوا يرغبون في التحدث.
  • إذا لم يكونوا على استعداد للتحدُّث إليك، عليكَ التفكير  بمصدر آخر.
  • كُن صادقاً عند مقابلة الناجين.
  • لا تسأل "كيف تشعر؟".
  • لا تقل "أعرف كيف تشعر" أو "أفهم تمامًا" لأنه في معظم الحالات لا أحد يعرف حقًا ما يمر به شخص آخر.
  • كن متعاطفًا في المقابلات.
  • تابع كلام مصادركَ جيّداً، وأظهر اهتمامك وانتباهك ورعايتك لرواية قصتهم.
  • امنح وقتًا كافيًا لإجراء المقابلة؛ قد تحتاج إلى وقت أطول ممّا خطّطتَ له.
  • سجّل المقابلات حتى تتمكّن من الاستماع إليها لاحقاً في حال فاتكَ شيء ممّا كتبت.
  • لا تأخذ الأمور بشكل شخصيّ. في بعض الأحيان قد تمرّ المصادر بردود فعل شخصيّة إثرَ الصدمة، وقد لا تُظهر لكَ تفاعلاً مع الرواية.
  • الأطر المرجعيّة في تغطية القصّة الإخبارية:

تستند الأطر المرجعيّة لمهنة الصحافة إلى التشريعات والاتفاقيات الدولية الناظمة لمهنة الإعلام عالميّاً وإقليميّاً، وخصوصاً  الالتزامات التي وقّعتها المملكة الأردنية الهاشمية، بالإضافة إلى القوانين والانظمة والتعليمات الناظمة للإعلام والصحافة، بما فيها مواثيق الشرف الصحافي ومدونات السلوك المهني التي نظمتها المؤسّسات الإعلامية والصحفية، والهيئات الإعلامية الرسمية والأهلية، والتزم بها منتسبو هذه المؤسّسات والهيئات.

كما تُعدّ الممارسات المهنيّة والأخلاقيّات الناظمة لمهنة الصحافة التي استقرت عليها الهيئات والمؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية في العالم، مرتكزات أساسيّة تنطلق منها العملية الصحفية.

وعليه، يذكّر "أكيد" ببعض المواد، والممارسات التي تحكم العمل المهنيّ في تغطية القصة الإخبارية:

أولّاً: تذكر المادة (5) من ميثاق الشرف الصحفي أن يلتزم الصحفيون تأكيد الوحدة الوطنيّة والدعوة الى التضامن الاجتماعي وتجنّب الإشارة المؤذية والمسيئة لعرق الشخص، أو لونه، أو دينه، أو جنسه، أو أصله، أو أي مرض جسدي أو عقلي أو إعاقة يعاني منها، على أنه يمكن ذكر (التمييز) فقط في حال كان ذلك يحقّق مصلحة وطنيّة.

ثانياً: تلزم المادة (10) من ميثاق الشرف الصحفي عدم المبالغة في التغطية أو تحريف البيانات، بغرض الإثارة.

ثالثاً: تلزم المادة (11) من ميثاق الشرف الصحفيّ احترام سمعة الأُسَر والعائلات والأفراد وسرية الأمور الخاصة بالمواطنين، وذلك طبقا للمبادئ الدولية، وأخلاقيّات العمل الصحفي والقوانين المعمول بها في المملكة.

نصيحة أخيرة!

إنّ التعامل مع قضايا الوفيّات وتغطية قصصهم قد يُثير مشاعرك ويؤثر عليك، فلا تؤلم نفسك كثيراً، تحدَّث مع أصدقائك، وعائلتك، أو رئيس تحرير صحيفتك، عبّر عمّا تشعر به تجاه الرواية، ولا تكتم مشاعركَ بصورة تؤذي بها نفسيّتك.

كما يجب توخّي الدقة في نقل المعلومات وبخاصّة عندما تتعلق الأخبار بوفاة الأشخاص في الحوادث المختلفة تجنّباً لإثارة القلق عند عائلات الضحايا.

المصادر:

akeed.jo

https://www.poynter.org/

- ميثاق الشرف الصحفي