أولا، لغة تقريرية:
للغة في الصحافة، والكلام هنا عن الأخبار، وظيفة محددة هي نقل المعلومة، وليس من بين أهدافها ما تخرج إليه اللغة الأدبية التي تسعى إلى الإمتاع، والتأثير عاطفيا في المتلقّي. إنها لغة “تقريرية”، بمعنى أنها لغة عملية، تُستخدم لتؤدي دورها الوظيفي. وهيلكي لتفعل ذلك، يجب أن يتحقق فيها شرطان أساسيان، “التكثيف”، واستخدام ألفاظ وعبارات لكل منها معنى محدد، لا يقبل تأويلات يمكن أن تختلف باختلاف القرّاء.
ويتحقق الشرط الأول، وهو “التكثيف”،في تجنب الصحافي الحشو والإطالة التي تنتج من تكرار الأفكار ذاتها بعبارات مختلفة، وتجنبّه الإغراق في الأوصاف، واستخدام الصور والتعبيرات الأدبية. إنه يستخدم من الكلمات ما يكفي لنقل المعلومة، ويطبق القاعدة الذهبية التي مفادها “لا تقل في كلمتين ما تستطيع أن تقوله في كلمة”.
لكن الصحافي في سعيه لذلك يكون مدركا لحقيقة أن “التكثيف” لا يعني “الاختصار المخل”، بل يعني أن يتضمن الخبر كل المعلومات الأساسية المتعلقة بالحدث موضوع التغطية، واللازمة لفهمه، من دون زيادة أو نقصان.
الشرط الثاني، هو استخدام ألفاظ محدّدة المعنى، تتسم، من ناحية، بالفعالية، فتؤدي وظيفتها في إيصال المعنى المقصود، ولا تحمل، من ناحية ثانية، إمكانية التأويل وتعدّد القراءات.
في ما يتعلق بلغة التحقق، فإن عملية التحقق من مصداقية خبر ما، تتمخض عن إطلاق حكم عليه، ومن هنا تنبع أهمية اختيار ألفاظ محددة التعريف، يتحقق من خلالها شرط التوصيف الدقيق لحالة مصداقية الخبر، وستكون وفق ما يأتي:
أ- خبر خاطئ: إذا كانت جميع المعلومات الواردة فيه لا أصل لها من الصحة.
ب- خبر يشتمل على خطأ: يجمع معلومات خاطئة مع أخرى صحيحة.
ت- خبر ناقص: أغفل معلومات أساسية كانت ضرورية لفهمه.
ث- خبر منحاز: يتبنى أو يميل إلى وجهة نظر طرف في القصة على حساب آخر، فلا يكون هناك توازن في عدد المصادر الممثلة لكل طرف، أو المساحة المخصصة لكل منها، أو كليهما معا. ومؤشر آخر على انحياز الخبر، هو استخدام لغة متحيزة، سيأتي شرحها في الحديث عن اللغة المحايدة.
ج- خبر مضلل: مع الأخذ في الاعتبار أن أي خبر خاطئ أو منحاز أو ناقص …إلخ، هو، في المحصلة، خبر مضلل، لكن الوصف سيطلق على الخبر الذي يورد معلومات صحيحة، ولكنها موظفة في سياق خاطئ، أو الخبر القديم المنشور على أنه حديث، أو الخبر الذي “تلاعب” كاتبه بالتسلسل الزمني للأحداث، كما سيطلق على العنوان الذي لا يتناسب مع محتوى الخبر.
ح- خبر مبهم: هو الذي لا يكون مضمونه مفهوما للقارئ، وقد يكون ذلك لإخلال بالترتيب المنطقي للمعلومات أو الأحداث الواردة في الخبر، أو لخلل في صياغة العبارات، من تعقيد، أو كسر لقواعد الكتابة بما يؤثر على المعنى.
ويمكن أن يأتي الإبهام، أيضا، من استخدام ألفاظ غير مفهومة للعامة، إما لأنها ألفاظ غريبة، وخارج استخدام الحياة اليومية، أو لأنها مصطلحات ومفاهيم متخصصة، وهذا واضح في التغطيات الشؤون الاقتصادية والقانونية والعلمية.
خ- خبر تحريضي: المادة الخبرية المشتملة على تحريض هي التي تؤدي إلى استثارة مشاعر الكراهية ضد أي جماعة أو فئة في المجتمع على أساس ديني أو عرقي أو طائفي أو سياسي.
ثانيا، لغة واضحة:
عندما نقول إن مهمة الصحافة هي نقل الأحداث، فإننا يجب ألا نغفل أن هذه الأحداث تكون في كثير من الأحيان معقدة، بمعنى أنها متعددة الأطراف، ومتشابكة التفاصيل، وعلى الصحافي من خلال بحثه عن المعلومات، وتتبعه المصادر المناسبة، أن يبني خبره بطريقة تقدم تفاصيل الحدث في سياق منطقي ومفهوم.
إذن، وظيفة الصحافي، هي أن يفكك تشابك عناصرالحدث، وينقله بأكبر قدر من البساطة، وهذا يحقق جوهر الدور الذي تقوم به الصحافة وهو توفير المعرفة. المعرفة التي لا تعني فقط توفر المعلومات، ولكنها، وهذا الأهم، تعني انتظام هذه المعلومات في سياق منطقي.
فكرة التبسيط هذه، يجب أن تنعكس على اللغة، فالصحافي لا يتوجه إلى النخبة فقط، بل إلى مستويات ثقافية مختلفة ومتفاوتة، لا تملك بالضرورة ما يملكه هو أو مصادره من معرفة أو حصيلة لغوية، وهذا يستدعي أن تكون اللغة الصحافية بسيطة، وعمود هذه البساطة هو الوضوح، الذي يتحقّق بالابتعاد عن الجمل الطويلة المعقدة التركيب، والألفاظ الغريبة نادرة الاستخدام، والاعتماد، بدلا عن ذلك، على الجمل القصيرة، ومفردات لغة الحياة اليومية.
ولا يعني استخدام مفردات الحياة اليومية الانحدار نحو الركاكة والابتذال، أو حتى استخدام العامية من دون ضوابط، بل يعني أن يبتعد الصحافي عن الألفاظ المعقدة غير المألوفة، واستخدام الكلمات الشائعة المتداولة.
كما يعني التقليل، قدر المستطاع، من استخدام المصطلحات العلمية والفنية المتخصصة، أو استخدامها مع اعتماد شرح مبسط لها، فهذه المصطلحات تكون في أحيان كثيرة مفاتيح للخبر أو التقرير، ولا يمكن للقارئ استيعاب حقائق الخبر من دون إدراك ما يعنيه هذا المصطلح، وفي وسيلة إعلام تتوجه إلى عامة الناس، فإن خبرا من هذا النوع لا يحقق الهدف من نشره، وهو دعم حق الناس في المعرفة.
ثالثا، لغة محايدة:
سبق القول إن الحكم على مصداقية الخبر لا يتعلق فقط بأن يكون ما يتضمنه من معلومات صحيحا، ولكن بالطريقة التي تُقال بها هذه المعلومات، فاستخدام كلمات مشحونة بإيحاءات معينة، أو صياغة العبارات بطريقة معينة، قد يورد هذه المعلومات في سياق من التشكيك غير المبرر.
مثلا، يمكن لصحفي أن ينسب إلى المصدر ما قاله الأخير بالضبط، ولكنه قد يسبق الاقتباس بكلمات مثل “ادّعى”، أو “زعم”. إن ما تشتمل عليه هاتان الكلمتان من معاني التشكيك يهيء القارئ للشك في إفادة المصدر. وفي المقابل، فإنه عندما يستخدم كلمات مثل “أوضح” أو “أعلن” أو “أكد”، (دون أن يستدعي السياق استخدامها، كما سيرد في موضع آخر)، فإنه، على النقيض من ذلك، يهيء القارئ لتصديق ما قاله المصدر.
لقد أورد الصحافي في الحالتين السابقتين المعلومة ذاتها، ولكنه تدخّل، بطريقة استخدامه للغة، في استقبال القارئ لهذه المعلومة، وهيأ لديه في كل مرة أرضية مختلفة لاستقبال الخبر، وهو ما كان ليحدث لو أنه استخدم الفعل “قال”، وهو كلمة محايدة.
إضافة لذلك، تحمل بعض الألفاظ موقفا سياسيا أو دينيا أو أخلاقيا، وينطوي بعضها على إهانة لجماعات دينية أو عرقية أو اجتماعية، أو لفئات محددة من المجتمع. في وقت يجب أن تعكس اللغة الحياد على مستوى الجنس والدين والعرق والثقافة.
وبعض هذه الألفاظ ليس منحازا في معناه الأصلي، لكن تراكم استخدامه في سياقات معينة جعله كذلك، مثلا، أحد المعاني المعجمية لكلمة “زعم” سابقة الذكر هو “اعتقد”، لكن استخدامها في الإعلام يقتصر على معنى التشكيك، والصحافي ملزم هنا باستخدام الألفاظ وفق سياقها المتعارف عليه في مجتمعه ومهنته، كما أنه ملزمبالإشارة إلى الجماعات على أنواعها بالأسماء التي تستخدمها هي لنفسها.
الآتي هو قائمة بألفاظ “منحازة” مع بدائل مقترحة لبعضها، مع تأكيدأن وضع قائمة بالألفاظ غير المحايدة لا يعني حصرها، فالاستخدام ونوع السياق، هو ما ينقل في أحيان كثيرة لفظا أو عبارة ما من حالة الحياد إلى نقيضها، مثلا،
هناك فرق بين استخدام “حوادث شغب” بدلا عن مظاهرة، أو “حوادث قتل” بدلا عن “تطهير عرقي”، أو “إسلامي” و”أصولي”، وبهذا المعنى فإن هناك عددا لا متناهيا من الألفاظ والتعابير المرشحة لأن تكون منحازة.
القائمة الآتية مفتوحة، وهي خاضعة باستمرار للتعديل والحذف والزيادة:
غجر، نَوَر: بنو مرة
شاذ جنسيا: مثلي الجنس
عبد، زنجي: أسود البشرة
معاق: ذو إعاقة
أخرس، أصم، أبكم، أعمى: ذو إعاقة سمعية، بصرية .. إلخ
زبال: عامل نظافة، عامل وطن
خادمة، خادم: عاملة، عامل منزل
منغولي: مصاب بمتلازمة داون
الوافدون غير الشرعيين، العمالة غير الشرعية: العمالة غير المرخصة، أو غير القانونية، غير الشرعي في ثقافتنا يحمل إيحاءات سلبية.
الأطفال غير الشرعيين: مجهولي النسب.
الحشاشون: أبناء الطائفة الإسماعيلية.
الرافضة: الشيعة.
الصليبيون: المسيحيون
إرهابي
متمرد
فدائي
كافر
رابعا، لغة قوية ولكن هادئة:
من المهم للغة في التحقق بشكل خاص، أن تكون قوية وهادئة، فتستخدم ألفاظا قادرة على إيصال المقصود بوضوح، ولكن دون استفزاز، فلا يستخدم المتحقّق لغة فوقية توحي بأنه يجعل من نفسه سلطة تأمر وتنهى، ذلك أن عملية التحقق هي عملية في اتجاهين، من المتحقق إلى الصحافي والجمهور، والعكس. وحكم المتحقق على مصداقية خبر ما هو رأي يحتمل الخطأ والصواب، وهو زاوية للنظر قد تكون قد أغفلت زوايا أخرى، ومن هنا جاء مبدأ انفتاح المرصد على حق الصحافيين والجمهور في الرد، وتصحيح ما يعتقدون أنه جانب الصواب في تناول المواد الخبرية.
من هنا، فإن الألفاظ يجب أن تنتقى بحيث يصل للكاتب ووسيلة الإعلام أننا في جبهة واحدة، لا جبهتين مقابلتين، وأننا نسعى إلى الوصول إلى هدف واحد: إعلام ينهض بمسؤوليته في تأمين حق الجمهور في المعرفة.
من هذا المنطلق، نستخدم في عملية التحقق لفظ “خاطئ” لوصف خبر ما، وليس “مفبرك”، لأن الأخير يوحي بتقصّد الخطأ، في حين أنه قد لا يكون مقصودا.
ولا نقول أيضا خبر “كاذب”، لأن الكذب ينطوي على حكم أخلاقي يمس الكاتب والوسيلة الإعلامية، في حين أن الخطأ وارد حتى لدى صحفيين معروفين بالمهنية والنزاهة، وينطبق الأمر ذاته على وسائل الإعلام.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الحكم يجب أن يقتصر على المادة الخبرية، ولا يتجاوزها إلى الصحافي والوسيلة الإعلامية التي نشرتها، فلا يُوصف أي منهما بتدني المهنية، أو الانحياز، أو التضليل، ذلك أن قصر الحكم على الخبر، لا على الكاتب، يحافظ على موضوعية النقاش، في حين أن الحكم على الكاتب يشخصنه. وعندما يكون الخبر هو فقط موضوع الانتقاد سيكون الكاتب ووسيلة الإعلام أكثر انفتاحا على النقد، وأكثر استعدادا للإصلاح، في وقتيولّد الانتقاص من الذات الشعور بالإهانة، الذي يولد بدوره رد فعل دفاعي، أكثر مما يولد رغبة في التغيير.
Enter your email to get notified about our new solutions
One of the projects of the Jordan Media Institute was established with the support of the King Abdullah II Fund for Development, and it is a tool for media accountability, which works within a scientific methodology in following up the credibility of what is published on the Jordanian media according to declared standards.
Enter your email to get notified about our new solutions
© 2024 جميع الحقوق محفوظة Akeed