غياب الحكومة وتضارب معلوماتها حول حفرية عجلون تضليل رسمي:

  • 2014-10-07
  • 12

أكيد  ممدوح ابو الغنم وصالح الدعجة

 حسمت الحكومة الأردنية، من طرفها،  قضية حفرية عجلون، أو ما عُرف بقضية ( ذهب عجلون)، التي تحولت إلى قضية رأي عام كبيرة خلال الأسبوعين الماضيين، وذلك بتقديم الرواية الرسمية الرابعة المختلفة تماما عن الروايات الرسمية السابقة؛ ومفادها الإعلان في مؤتمر صحفي، من قبل رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور، ووزير الداخلية حسين المجالي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول الركن مشعل الزبن، أن الحادثة أمنية، ترتبط بـ"إزالة أجهزة تجسس زرعتها إسرائيل في عام 1969، وتمت العملية بوجود خبراء إسرائيليين، وتحت اشراف القوات المسلحة الأردنية".

في هذا التقرير يحاول مرصد مصداقية الإعلام الأردني ”أكيد”، متابعة وتقييم التغطية الإعلامية لهذه القضية، من منظور مصداقية وسائل الإعلام، ويؤكد المرصد إنه لا يهدف إلى إثبات أو نفي رواية الحكومة الأخيرة ؛ فهذه مهمة منوطة بوسائل الإعلام، وبمدى تماسك هذه الرواية، علما بأن القضية ما تزال نامية.

وفق هذا المنظور يطرح ”أكيد” مجموعة من الأسئلة، التي تعنى بحق المجتمع الأردني بمعرفة ما حدث بدقة ونزاهة وموضوعية، وتعنى بمراجعة أداء وسائل الإعلام في هذه القضية:

  • كيف تعاملت وسائل الإعلام مع المحتوى الذي أنتجه المستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي في هذه القضية؟
  • كيف وقعت المواقع الإلكترونية في فخ السرعة والاستسهال بعيدا عن الدقة والتحقق؟
  • كيف اختلطت المعلومات والإشاعات والتصريحات المتناقضة والخيال الشعبي، ونمت حتى أصبح الأمر قضية رأي عام كبيرة؟
  • لماذا غابت نسبيا الجهود الاستقصائية، والصحافة المتعمقة، عن عمل الصحف اليومية والإذاعات؟
  • كيف وقعت الجهات الرسمية في فخ ثقافة التستر والتضليل؟
  • هل كان بإمكان الحكومة أن تبدو أكثر مصداقية؟
  • هل تصمد الرواية الرسمية الأخيرة؟
  • كيف يمكن أن نتعلم أهمية الحق بالوصول إلى المعلومات، ودرس الحاجة إلى إعلام الخدمة العامة المستقل.

اكتشاف الذهب من قبل الإعلام الاجتماعي والمواقع والإلكترونية.

انشغل الشارع الأردني، بمختلف أطيافه، منذ صباح يوم الجمعة 19 أيلول، بخبر العثور على كنوز ذهبية في محافظة عجلون. بداية الخبر ارتبطت بإغلاق طريق ارحابا أمام حركة السير، مساء يوم الخميس حتى الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة، ما آثار شكوكاً لدى المواطنين عن سبب الإغلاق، بخاصة أن هناك وجودا أمنيا، وإغلاقا تاما للمنطقة .لم يصاحب ذلك أي بيان رسمي يوضح سبب الإغلاق، أو يحذر المواطنين، علما بأن الطريق يخدم، بشكل مباشر، أكثر من 180  ألف مواطن.

رصد أكيد جحم الإغراق الإعلامي حول حادثة حفرية عجلون، حيث بلغ عدد الاخبار التقريبي في المواقع الالكتروني عن الموضوع من تاريخ 19 وحتى30 أيلول2014 نحو3200مادة إخبارية، بينما نشرت الصحف اليومية نحو60 مادة إخبارية، وكُتب 28 مقال رأي في الصحف اليومية.

بدأ انتشار المعلومات على مواقع الإعلام الاجتماعي من قبل ناشطين محليين، تحديدا من خلال حسابات فاعلة على موقع فيس بوك، وسرعان ما انتقلت هذه الأخبار إلى مواقع الصحافة الإلكترونية، وباتت العديد من المواقع تنشر أخباراً نقلاً عن مواطنين، بأن الإغلاق كان لاستخراج كنوز، ونشرت العديد من المواقع الإلكترونية صوراً وأخباراً عن استخراج كنز، قدرته بعضها بـ”عشرة مليارات دينار”، يحتوي على تماثيل ذهبية، وبأنها تعود لهرقل الروم، وبعضها زعم أن تلك ”الكنوز” تعود إلى الإسكندر المقدوني، ونشرت صوراً لبعض تلك الكنوز والدفائن، تظهر تماثيل ذهبية، ومنحوتات أثرية، وجرار فخارية، اعتبرتها تلك المواقع تحوي تلك الكنوز.

وقام فريق ”أكيد” بالتحقق من تلك الصور، وتبين أنها منشورة سابقاً على شبكة الإنترنت، ووجد كذلك أن صورة الجرافة وبجانبها الجرار الفخارية، هي صورة نشرت سابقاً على مواقع إلكترونية سعودية تحت عنوان "يمني يعثر على ذهب قارون في محافظة الباحة السعودية".

اتسمت الرواية التي نقلتها مواقع الصحافة الإلكترونية، بغياب المصادر الواضحة للمعلومات، والعزو في أغلب الروايات إلى مصادر جماعية، مثل ( قال مواطنون، روى شهود عيان ..) وغياب المصدر المعرف الهوية.

استندت تغطية مواقع الصحافة الإلكترونية إلى معلومات وإشاعات وصور منشورة على عشرات المواقع الإلكترونية العربية، يعود بعضها إلى نحو عشرة أعوام، أهمها الروايات التي تتحدث عن اكتشاف ما يسمى ”كنوز قارون”، أو ”كنوز الإسكندر المقدوني”، إذ رصد ”أكيد” نحو 19 قصة تتحدث عن هذه الكنوز، معظمها مرفقة بالصور، منها اكتشاف كنوز قارون في السعودية في منطقة الباحة، واكتشاف كنوز الإسكندر المقدوني في الفيوم في مصر، واكتشاف كنوز الإسكندر المقدوني في منطقة الجزيرة في سورية، وصولا إلى اكتشاف هذه الكنوز في بلغاريا،  فشكلت تلك الروايات المادة الأساسية، التي أمدّت بعض المواقع الإلكترونية بالتفاصيل والصور، التي استخدمت في الحادثة الأردنية المزعومة.

وساهم نشر تلك الصور وتلك المعلومات في تعزيز الرواية الشعبية، التي تناقلها المواطنون في وقت تبين أن الرواية الرسمية لم تكن متماسكة، ما ساهم في تعميق فجوة عدم الثقة بما تقوله الحكومة.

كيف انتقلنا من الإشاعة إلى  قضية رأي عام كبيرة

بدأت القصة بنشر أخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما تناقلتها مواقع الكترونية. كان أول خبر نشر يتحدث عن إغلاق طريق، ونقل عن مصدر أمني أن إغلاق رجال الأمن، الطريق الرابط بين محافظتي إربد وعجلون، عصر الخميس18 أيلول، بسبب وجود انهيارات في الطريق خلال عمل كوادر وزارة الأشغال العامة، نافياً المعلومات التي تداولها مواطنون عن العثور على كميات من الذهب.

لكن العديد من المواقع تناقلت ما تداوله مواطنون من معلومات تفيد بأن إغلاق رجال الأمن لطريق إربد –عجلون، جاء بعد العثور على كميات كبيرة من الذهب، بالقرب من مثلث بلدة ارحابا مقابل جامعة عجلون.

 لقد كان السبب الرئيسي لنمو الإشاعات وتداولها غياب الرواية الرسمية، ثم تناقضها وعدم تماسكها، وكان اعتماد تلك المواقع الإلكترونية على ما يتناقله المواطنون من أخبار وصور، منذ الثامن عشر من أيلول الحالي، حتى تاريخ إعداد التقرير.

انتقلت القصة إلى البرلمان، حيث وجهت لجنة النزاهة والشفافية أسئلة إلى الحكومة لتبيان الحقيقة. وتحولت القصة بعدها إلى قضية ناقشها العديد من كتاب المقالات في الصحف اليومية، وفي برامج تلفزيونية مثل نبض البلد على قناة رؤيا، وبرنامج الملف في التلفزيون الأردني، كما عملت بعض الصحف على كتابة تقارير وأخبار عن الموضوع.

نقلت وسائل الإعلام الرسمية تصريحات وزير الداخلية، حسين المجالي، خلال لقاء لجنة النزاهة والشفافية النيابية، التي أكد فيها أن ما تم يوم الخميس من أعمال حفر وإنشاءات، كان عبارة عن إجراءات عسكرية خاصة، لغاية إنشاء منظومة اتصالات ورادارات وإنذار مبكر، تربط القيادة العامة للقوات المسلحة بالمنطقة العسكرية الشمالية.

وأُعيد نشر فيديو يعود إلى عام 2013، عن ”صائد الآثار” الفرنسي، الذي يتكلم عن وجود كنوز الإسكندر المقدوني في الأردن، ما زاد حدة الإشاعات والأخبار المتضاربة، وأشعل الخيال الشعبي، وعلى الرغم من أن هذا الشخص نفى، في حسابه على الإنترنت، أن يكون لما حدث في عجلون علاقة بالكنز الذي يبحث عنه، إلا أن إعادة تقديم الصور التي نشرها قبل عام، زاد من حدة الإشاعات والانشغال الشعبي، في هذا الوقت تداعت مجموعات من المواطنين في عجلون إلى الاجتماع، والذهاب إلى الأرض لحفرها بحثا عن الحقيقة.

هكذا أدى غياب المعلومات الرسمية والشفافية إلى تحويل هذا الأمر إلى قضية رأي عام من الدرجة الأولى، وأصبحت العنوان الرئيسي على الأجندة الشعبية، والشغل الشاغل للمواطنين ولوسائل الإعلام،  في الوقت الذي تدخل فيه البلاد حربا غير معلومة المصير ضد التنظيمات المتطرفة في العراق وسورية، وفي الوقت الذي من المفترض أن يناقش فيه البرلمان حزمة من أخطر التشريعات المؤثرة في حياة المواطنين، منها قانون ضريبة الدخل، وقبل ذلك قانون استقلال القضاء.

 

 

 

غياب الحكومة  وتضارب معلوماتها: تضليل رسمي

اعترف رئيس الوزراء، الدكتور عبدالله النسور، في المؤتمر الصحفي المنعقد الثلاثاء 30/9/ 2014، أن الحكومة كانت غائبة عما جرى في عجلون ليلة ويوم 18-19/ 9 /2014، فيما أوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة، الفريق الركن مشعل الزبن، أنه هو من طلب من الحكومة القول” إن ما تم هو عملية زرع كيبلات عسكرية، حرصا على سرية المعلومات”

تضارب التصريحات الحكومية حول حفرية  عجلون كان واضحا منذ اليوم الأول، فقد ذكرت بعض المواقع الإلكترونية أن مصدرا أمنيا صرح أن ”سبب الإغلاق جاء نتيجة حدوث انهيارات على جانب الطريق، ما يشكل خطرا على سلامة المواطنين وسالكي الطريق"، لكن نائب محافظ عجلون رضوان العتوم وصف ذلك بأن ”عمل خاص بالقوات المسلحة، ولأسباب تتعلق بتنفيذ إنشاءات، وليس كما تداوله البعض؛ بسبب العثور على ذهب."

فيما قال وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد المومني إن ”إغلاق طريق إربد - عجلون، عند إشارة ارحابا إلى إشارة صخرة، كان عبارة عن معالجة أمنية لانهيارات أرضية في تلك المنطقة".

هذه التصريحات قادت لجنة النزاهة النيابية إلى زيارة المنطقة، معتبرةً في بيان حصل ”أكيد” على نسخة منه، أن التصريحات الحكومية ”متضاربة”، وأشارت في البيان إلى غياب ممثل رسمي عن القوات المسلحة للاجتماع ”رغم ارتباط الأحداث بهم، ولم يتم توضيح العنصر الأمني في القضية بشكل كاف و مقنع”.

وكان مجلس النواب قد قرر عقد جلسة غير رسمية مع الحكومة، يوم الأربعاء 24/9/2014، لكنه قرر إلغاء الجلسة، والاكتفاء بما جاء في لقاء يوم الاثنين 22/9/2014، الذي نفي فيه وزير الداخلية حسين المجالي، الروايات التي تداولها المجتمع عن وجود أي دفائن ذهبية أو كنوز أو تماثيل ثمينة في منطقة «خربة هرقلة”، قرب جامعة عجلون الوطنية، مضيفا أن ”عمليات الحفر التي جرت في المنطقة، تتعلق بعمليات خاصة بالقوات المسلحة، وأنها عملية فنية بحته تتعلق بكوابل اتصالات خاصة بالجيش، ولها علاقة بعمل الرادارات والشيفرات والبث العسكري".

وجاءت تصريحات وزير الداخلية تلك مختلفة عن تصريحات وزير الدولة لشؤون الإعلام ومحافظة عجلون، فبدا أن الحكومة تمارس تضليلا رسميا للرأي العام، قاد إلى حالة إغراق في الإشاعات.

 

الثقة العامة هي الذهب الحقيقي

 يقول وزير الإعلام الأسبق، طاهر العدوان، الذي تحدث لـ”أكيد”، قبل المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء، ورئيس هيئة الأركان، أن ”مشكلة الذهب المتداولة هي مثال على عدم الثقة، لأن كل ما قدمته الحكومة من ردود تم نقضها على الأرض، فما قاله وزير الداخلية دليل على أن من يصرح لا يعرف حقيقة ما جرى".

وأشار العدوان إلى أن الإشاعة هي ”وسيلة الناس دائماً للخوض في مسألة تهم المجتمع، ولا يجدون صدى لها على المنابر السياسية"، مضيفاً أن ”الإشاعة تكون صحيحة إذا لم تدعم بمعلومات ووثائق مقنعة للناس، معتمدين على مبدأ لا دخان من غير نار".

لكن العدوان يعيد كل ذلك إلى أزمة الثقة بين المواطن والحكومة، التي ستؤثر بشكل مباشر في الوضع العام، مشيراً إلى أن ”انعدام الثقة بالمسؤولين سيؤثر على النظام والدولة، وهؤلاء هم من سيخسر من انعدام الثقة".

أما مدير دائرة الآثار الأسبق، الدكتور زياد السعد، فقد عدّ أن موضوع الذهب تضمن الكثير من الوهم والخرافة، قائلاً ”الذهب معدن نادر في العصور القديمة، وكان يقتصر على المجوهرات والعملة، مبيناً أن الأردن بلد يتميز بتعاقب الحضارات عليه، ويمكن أن يكون فيه آثار أهم من الذهب بكثير.

وأضاف السعد ”خلال عملي في الحفريات وفي التنقيب، لم نجد كنوزاً ذهبية، كنا نعثر على بعض القطع النقدية وبعض المصاغ الذهبي بكميات محدودة".

وأشار السعد إلى أن تضارب الأنباء والأخبار حول ما جرى في عجلون "أثار شكوك الناس، خصوصاً أن الرواية الرسمية كانت متضاربة"، محذراً من أن هذا التضارب قد يؤثر سلباً على مواقع أثرية في الأردن، ”فالناس باتت تعتقد أن الذهب تحت أقدامهم وهذا غير صحيح".

واستغرب السعد من أن يتناول الناس القصة بوصفها عملية محاصصة، مؤكداً أن هناك اعتقاد أن الآثار والذهب، التي يُعثر عليها تكون للبيع، في حين أن الآثار هي ثروة وطنية وعالمية.

وبيّن السعد أن في عجلون أكثر من موقع أثري مهم، مثل القلعة ومار إلياس، لكن موقع "هيرقلا" ليس على قدر أهمية تلك المواقع، كما أنه لا يحتوي على معالم بارزة على السطح، تؤشر على وجود آثار ما.

وأشار إلى أن عجلون شهدت كل الحضارات والفترات التاريخية التي شهدتها المملكة، وفيها تسلسل حضاري تدل عليها الشواهد التاريخية، بمعنى أن عجلون لم تنقطع عن جميع الفترات والحقب التاريخية، التي شهدتها المنطقة، نظرا لوفرة المياه فيها.

وفي ما يتعلق برواية الخبير الفرنسي، قال السعد إن في ما قاله الخبير عدم انسجام، متسائلا ”اذا كان قد دخل الموقع ،والتقط الصور كما يقول، لماذا إذاً جرت التفجيرات في الموقع كما تحدث أهالي عجلون؟ كما أن الموقع الذي عرضه في الفيديو لا يتطابق مع موقع ارحابا في عجلون”، وبين السعد أن هذا الخبير الفرنسي ”هو شخص مثير للجدل والتساؤلات، وهو متهم بالعديد من القضايا في فرنسا، كما أنه وكما قرأت عنه لا يحمل أي صفة علمية، وهذا يسقط كل ما قاله عن وجود ذهب في الأردن".

ورداً على سؤال عن ما إذا كان قد سبق أن دخلت إلى خزينة الدولة آثار، قال السعد إن هناك خلطا في القصة، فالآثار بصرف النظر عن شكلها ونوعها تسجل على أنها للملك العام في الخزينة، تحت بند (خزينة/آثار)، وهي ليست قابلة للبيع أو التسييل، بل تبقى للأجيال قيمة وطنية وارثا إنسانيا وعالميا.

وعن هرقل، قال السعد، إن ثمة أكثر من شخصية تاريخية حملت هذا الاسم، فهناك هرقل ملك الروم، وكذلك هيرلكوليز، الذي حكم في الفترة البيزنطية، مجدداً التأكيد أن الفترات التي يجري الحديث عنها، لم يكن فيها الذهب متوفراً بكميات كبيرة كما يشاع.

ما الذي غاب عن الصحافة والإعلام؟

حالة الاغراق في الإشاعات التي شهدتها المملكة، تعود أولا إلى غياب المعلومات الرسمية، ثم إلى تناقض المعلومات الرسمية، التي توفرت لاحقا، وعدم تماسكها والإخلال بحق المجتمع في الحصول على المعلومات،  وتعود ثانيا، إلى عدم الالتزام بالقواعد المهنية، واستسهال السرعة على حساب الدقة، وعدم التحقق من الأخبار والمعلومات والصور، تحديدا من قبل صحافة المواقع الإلكترونية وبعض الصحف الأسبوعية، فيما التزمت الصحف اليومية بدرجة أعلى من المهنية، والتمهل والابتعاد عن الخوض في القضية.

 رصد ”أكيد” أهم  ما فات التغطية الإعلامية  لـ"حفرية عجلون"، وهو ضعف التحقق من المعلومات، وعدم التحقق من صدقية الصور التي نشرتها العديد من المواقع، ثم تبين أنها منشورة سابقا في مواقع عديدة، خصوصا صور القطع  والمنحوتات الذهبية. كذلك فاتها التحقق من التضارب في الروايات، واعتماد الرواية الشعبية مصدراً أساسياً.

كما لم تهتم التغطية أو تشر إلى غياب رأي القوات المسلحة، إلى جانب عدم التحقق من المعلومات التي ينتجها المستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت.

إن عدم التزام المواقع الإلكترونية بالمعايير الصحفية في التحقق من الأخبار والصور، أخلّ بحق الناس في المعرفة، وأضر بمعايير المصداقية والدقة والتكامل والشمولية، وأحد الأمثلة على ذلك، هو التناقض والتردد في النشر الذي صاحب رواية النائب مصطفى العماوي، الذي قال إنه كان موجودا وقت الحادثة.

 فقد نشرت صحيفة الشاهد الأسبوعية مقابلة مع العماوي، كان موقع رم الإلكتروني، قد نشر سابقا مقتطفات منها، يوم الاثنين 29/9/2014، أي قبل موعد صدور الصحيفة بيومين. (موقع رم الإلكتروني وصحيفة الشاهد يتبعان للشركة النموذجية للصحافة).

وفق المقتطفات التي نشرها "رمّ"، قال العماوي إنه كان شاهد عيان على "حفريات"، في الموقع المذكور، قادها، بحسبه، ثلاثة أشخاص بينهم امرأة، ولم يكن هؤلاء عسكريين، أو تابعين لأي جهة أمنية. أما السيدة، فقال العماوي، إنها كانت متوسطة العمر، يميل شعرها إلى الأشقر، ولكنه لم يستطع الجزم إن كانت أجنبية أم لا.

وعن طبيعة ما أُخذ من المكان، أكّد العماوي أن ”الفريق حمل أنواعا من التماثيل المختلفة الأشكال والأطوال، بعناية تامة، وتحت إشراف الثلاثة المذكورين، وبتعليمات منهم في كيفية استخراجها وتغليفها وتحميلها بالسيارات، واستخرجت على مراحل طيلة ساعات ليل الخميس إلى صبيحة يوم الجمعة”، مشيرا أنه كان قريبا من المكان، لكونه من أبناء المنطقة.

لكن صحيفة الشاهد التي صدرت يوم الأربعاء 1/10/2014، نشرت المقابلة مع النائب العماوي، لكن دون الجزء المتعلق بـ”ذهب عجلون"، بل جاءت حول مواضيع مختلفة منها نيابية وإقليمية.

فريق ”أكيد” اتصل مع العماوي الذي تمسك بروايته، وقال إن ما جاء في المؤتمر الصحفي الأخير لرئيس الحكومة يُعدّ تعزيزاً لها، مضيفا ”كنت أحاول أن أبعد الجيش عن الموضوع، والحكومة اعترفت أن ما تم كانت تحت إشرافها، وعلى لسان رئيس هيئة الأركان الرواية صحيحة، والحكومة اعترفت أنهم يهود، وأنا رأيت هؤلاء الثلاثة".

وعمّا استُخرج من الموقع قال العماوي ”تم إخراج شيء من الموقع، لكن لا أستطيع أن أحدد ما هو، أنا لم أقل كنز، ولم أتفوه بذلك، وسأطلب ممن أجرى المقابلة معي إيضاحاً حول ما تم نشره على لساني".

كما أجرى فريق ”أكيد” اتصالاً هاتفيا آخر مع رئيسة تحرير صحيفة الشاهد نظيرة السيد، حول عدم نشر الصحيفة ما يتعلق بـ"ذهب عجلون”، رغم نشرها في موقع رم الإلكتروني، وأوضحت ”السيد” أن ”رئيس التحرير له صلاحيات الشطب، وقد وجدت أن رواية النائب ليس فيها أي شيء جديد، وليس فيها حقائق وغير موثقة، وهي رواية عامة، وموقع رم الإلكتروني رأى أن ينشر ذلك الجزء من المقابلة، لكن في صحيفة الشاهد رأيت عدم النشر".

 

 

هل تصمد الرواية الرسمية الرابعة ؟

  من الواضح أن المجتمع الأردني يتعامل بثقة أكبر مع المؤسسة العسكرية، وهو ما أشارت إليه استطلاعات الرأي العام مؤخرا، ولا شك في وجود شعور عام بصدقية الرواية العسكرية، خصوصا مع ما رافقها من صور وأدلة ومعطيات.

ما يعني أن المعلومات غير مكتملة إلى هذا الوقت، ويحتاج الرأي العام إجابة على العديد من الأسئلة، أهمها:

  • ما هي القيمة الفعلية للتعامل بسرية مع هذا الحدث الذي دفع الجهات الرسمية إلى التستر عليه، وإرباك البلاد مدة أسبوعين.
  • ما هي طبيعة أجهزة التجسس التي كشفت؟ وما هي مصادر الطاقة التي كانت تغذيها؟ وهل لدى إسرائيل قبل اربعة عقود إمكانية تغذية هذه الأجهزة بالطاقة ذاتيا؟
  • هل هذه الأجهزة مرتبطة بتكنولوجيا إشعاعية، أي هل كانت الأجهزة تغذى من بطاريات نووية؟
  • هل هناك أضرار محتملة لحقت بالمجتمعات المحلية المحيطة؟
  • ما حجم وطبيعة وأهمية الأسرار التي حصلت عليها إسرائيل خلال السنوات والعقود الماضية؟

للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مطلوب من القوات المسلحة الأردنية أن تصدر تقريرا مفصلا للرأي العام الأردني، الذي يثق بروايتها كي تحافظ على هذه الثقة.

إسرائيل، من جانبها، لم تعلق رسميا على الموضوع، ”أكيد” تابع وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال اليومين الماضيين، حيث نشرت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية أخبار المؤتمر الصحفي الأردني، من دون أي تعليق مباشر، سوى أن بعضها تساءلت إلى متى ستبقى إسرائيل تتجسس على الأردن؟

ماذا نتعلم من هذا  الدرس؟

  • الحاجة إلى إعلام الخدمة العامة المستقل.
  • الحاجة إلى تمكين المجتمع ووسائل الإعلام من الحق بالحصول على المعلومات.

تعلمنا حادثة ”حفرية عجلون” أهمية تمتين الحق في الحصول على المعلومات، وأن المجتمعات التي تهيمن عليها ثقافة التستر، ستبقى فريسة للإشاعات التي تدمرها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ون هذه الحادثة يجب أن تشكل درسا مهما للدولة الأردنية في معالجة موضوع المعلومات العامة، بوصفها حقا للمجتمع بعيدا عن التضليل، والحاجة إلى تطوير الإعلام الرسمي، ليكون إعلام خدمة عامة يتحدث باسم الدولة والمجتمع معا.