أكيد – مجدي القسوس-عرضت وسيلة إعلام خدمة عامة محلية عبر صفحتها العامة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مقطعًا مصورًا من حلقة تلفزيونيّة لبرنامج تفاعلي وتناولت قضية الانتحار تحت عنوان "الانتحار... الأسباب والحلول"، وأجرى فيه مقدّم البرنامج لقاءً مع مواطنٍ حاول الانتحار كحالة ضمن الحلقة، وتحدّث فيه عن تجربته ودوافع إقدامه على ذلك.
وتُعدّ حوادث الانتحار من القضايا الحسَّاسة في مهنة الصحافة من ناحية وجوب تغطيتها باعتبارها قضية تهم الرأي العام، صاحب الحق في المعرفة أو الامتناع عن التَّغطية؛ لوجود مخاوف من مساهمة الإعلام في التَّشجيع على الانتحار وأشكاله والإساءة دون قصد للشَّخص الذي قرَّر أو حاول الانتحار وتعريضه لخطاب الكراهية والتَّنمر عليه ووصمه أيَّامًا طويلة خاصة مع بقاء هذه المادة في الأرشيف لسنوات قادمة.
وتابع مرصد مصداقيّة الإعلام الأردني "أكيد" اللقاء مع المواطن، والذي ظهر وجهه بالكامل لجمهور المتلقين دون تغطيته، وفي هذا مخالفة مهنيّة صارخة وجسيمة لأداء وسيلة الإعلام، تمثّلت بعدم الحِفاظ على حقِّ الشَّخص في احترام حياته الشَّخصية، حتى وإن توافرت الموافقة الضمنيّة على الظهور والمتمثّلة بحضور الشَّخص إلى مكان تصوير البرنامج وقبوله الظهور أمام الكاميرات، فإنَّ الدور هنا يقع على وسيلة الإعلام من خلال التزامها باحترام خصوصيّة الشَّخص والحِفاظ على سريّة أموره بعيدًا عن الحصول على اعجاب أو رفع نسب المشاهدة لوسيلة الإعلام فالأهم لوسيلة الإعلام هو تقديم محتوى مفيد لجمهور المتلقين.
وبدأ المواطن حديثه لمقدّم البرنامج عن مشاكل نَصْبٍ واحتيال تعرَّض لها خلال حياته، ودخل على إثرها السجن، وأنها كانت سببًا بتخطيطه وإقدامه على الانتحار، عارضًا الآلية التي لجأ إليها بقوله "جبت كاز وشربت كاز عشان انتحر وما زبطت معي"، وهي مخالفة أيضًا متمثّلة بإعطائه مساحة ترويج وسائل الانتحار التي لجأ إليها، ومن شأنها أن تعرّف جمهور المتلقين على اختلاف فئاتهم بهذه السلوكيات والتي قد يقتدي بها بعض منهم.
وكرّر المحاوِر سؤاله حول تخطيط المواطن؛ لارتكابه جريمة الانتحار بالسؤال "هل، وكيف خططت" وكأنَّه ينتظر إجابة تحمِل معلومات مفصلة عن طريقة الانتحار أو المكان الذي حدث فيه الانتحار، وتحديد الوسائل المستخدمة، والطَّريقة التي استخدمها الشَّخص في الانتحار.
تقول الأكاديمية ريم الزعبي، المختصّة بالتربية الإعلامية والمعلوماتية، إنَّه كان من الأجدر عدم السَّماح للمواطن قبل ظهوره أن يُدرج أساليب استخدمها للانتحار، والاكتفاء بعرض حالات فكَّرت بالانتحار، ولكنَّها نجحت في العودة لحياتها الطبيعية، والنَّجاح والنَّدم على التفكير بالانتحار من أصله.
وأضافت: إنَّ ما تكرَّر في هذا المقطع هو أمر واحد يتعلق بالأيتام من خلال الربط بين مصطلح "مجهول النسب" وفكرة الانتحار وكأنها تلميح أو إشارة غير مباشرة إلى أنَّ الأيتام عُرضة للتفكير بالانتحار أكثر من غيرهم بسبب الحالة النَّفسية التي يمرون بها، وهو ربط غير سليم، مشيرةً إلى ضرورة الابتعاد عن ربط أسباب الانتحار بظروف المجتمع، كتفسير حالة انتحار ما على أنَّها جاءت نتيجة حالة اجتماعيّة معينة.
ورصد أكيد سؤال مقدّم البرنامج خلال حديثه مع المواطن بالقول: "عدم وجود أهل وأقارب، إلى أيِّ حدٍّ يؤثر عليك؟"، وهذا سؤال يحمل في طيّاته تأثيرات سلبية من شأنها أن تثير مشاكل نفسية بالغة التعقيد كان قد تعدّاها الشَّخص، وقد تعزّز من دوافعه نحو الانتحار، وبخاصّة بعد أن جاءت إجابة المواطن على النَّحو "والله إنت إجيت على الوجع"، على الرغم من قيام بعض الضيوف بتذكير المتحدّث أن لديه عائلة وأطفال وأنَّه من الضروري أن يتخلّى عن فكرة الانتحار لأجلهم.
وتشير الزعبي إلى أنَّ الرَّبط بين ما حصل مع الرَّجل عند وقوعه ضحية للنصب وفقدان الأب أو الأم هو ربط غير منطقي، والأفضل الحديث عن المشاكل التي ذكرها وهي "عدم معرفته القراءة والكتابة"، وهي مشكلة كان الأجدر التركيز عليها بما يخصّ الأيتام وخريّجي دور الرعاية بدلاً من التركيز على الظروف النفسية التي تعيشها الحالة وعائلتها نتيجة فقدان الأهل والأقارب.
وأثار المقطع الذي نشرته وسيلة الإعلام ردود فعل متابعين عبر موقع فيسبوك، وخاصّة عندما أرفقت معه الوسيلة عبارة "أسبوعين وأنا أخطط للانتحار شربت الكاز وحاولت القفز من شُرفة البيت من الطَّابق الرابع"، أحدهم طالب بأن تكون المقابلة عبر الهاتف فقط وتجنب إظهار صورته أو صوته الحقيقي، وآخر وصف الأسئلة التي تم توجيهها للرجل بأنها "قاسية"، فيما رأى آخرون أنَّ المقطّع ولّد قضايا أهم كان الأجدر التركيز عليها كقضية تأهيل المنتسبين لدور الرعاية وبرامج التعليم التي يتلقونها، ليتمكنوا من مجابهة الحياة بعد تخرّجهم منها.
وتحدث عدد من جمهور المتلقين عن استخدام الوسيلة لمصطلح "مجهولي النَّسب" الثقيل والقاسي على الأب والعائلة والأبناء وذوي المواطن، وكان بامكان الوسيلة استخدام مصطلح فاقدي السَّند الأسري أو عدم الإشارة إلى ذلك، خاصة وأنَّ هناك عملية تبادل للمنشور والمقطع المصور على صفحات المشتركين على موقع التَّواصل الاجتماعي..
ويشير "أكيد" إلى أنَّ الطريقة التي تغطي بها وسائل الإعلام قضايا الانتحار يجب أن تخضع لمجموعة من الإرشادات الأخلاقية في التعامل معها، أساس تلك الإرشادات هو احترام احترام كرامة الإنسان، كإنسان أولاً وأخيرًا، واحترام قيمة الحياة الإنسانية، ونذكر من تلك الإرشادات: تجنب الأسلوب الدرامي في التقارير، والحد من نطاق التغطية وتجنب الإثارة وعدم ذكر أي معلومات مفصلة عن طريقة الانتحار أو ردّ سبب الانتحار إلى مشاكل مجتمعيّة من شأنه أن يشجع على نسخ السلوك نفسه في محاولات الآخرين.
Enter your email to get notified about our new solutions
One of the projects of the Jordan Media Institute was established with the support of the King Abdullah II Fund for Development, and it is a tool for media accountability, which works within a scientific methodology in following up the credibility of what is published on the Jordanian media according to declared standards.
Enter your email to get notified about our new solutions
© 2025 جميع الحقوق محفوظة Akeed