"مقطع مصور لطالب يحمل سكينًا" ..انتهاك مهنيّ قانونيّ صارخ

  • 2021-11-28
  • 12

أكيد-نشرت وسيلة إعلام مرئية مقطعًا مصورًا لطالب يحمل سكينًا في مدرسة ويحاول الهجوم على معلمه، وقام المعلم بأخذ الأداة الحادة من يده لكن رافق ذلك عدد من السلوكيات العنيفة والتي من بينها شد الطفل وجرّه والتعامل معه بقسوة والسَّماح بتصويره من قبل شخص مجهول خلف الكاميرا.
وتتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) المحتوى المصور وتبين أنَّ الوسيلة قالت إنَّ المقطع هو دلالة على (ظاهرة) في المدارس حيث قامت بالتعميم، ولم تقم بمعالجة أيَّ جوانب تربوية أو قانونية أو حقوقي في المقطع وإنما اكتفت بشيء من الإثارة والترويج، واجتذاب اهتمام القراء لشدة غرابة المقطع واستنكار النَّفس لما فيه من عنف.
الدكتورة نهلا المومني قالت لـ (أكيد) إن إظهار صورة وصوت الطفل بطريقة دالة على هويته خاصة خلال قيامه بالتهجم على أحد الأشخاص البالغين وما تبع ذلك من قيام الاخير بالإمساك به واقتياده بطريقة تفتقر لمقتضيات الكرامة الانسانية يشكل مخالفة صريحة لمواثيق الشرف الصحفي والإعلامي،  والتي تؤكد على أن يلتزم الصحفيون والاعلاميون بالدفاع عن قضايا الطفولة المتمثلة بالحماية والرعاية ويراعون عدم إظهار صورهم أو نشر ما يسيء لهم أو لعائلاتهم، وكذلك عدم نشر ما يؤثر سلبا في نموهم النفسي  والعقلي والاجتماعي ويشكل وصمة عار مجتمعية تلاحقهم على المدى البعيد.
وأضافت المومني أن مواثيق الشرف الصحفي أكدت على التفريق بين نشر الخبر العام الذي يهم الجمهور والحقيقة الخاصة التي لا تهم الرأي العام، ناهيك على انطواء الفيديو على انتهاك لاتفاقية حقوق الطفل والتي أكدت على وجوب مراعاة جميع الجهات مبدأ مصلحة الطفل الفضلى قبل اتخاذ أي إجراء يخصه.
وبينت أنَّ تداول هذا الفيديو من قبل وسائل الإعلام لم يتم وضعه في سياق التدليل على الإشكاليات التربوية والاجتماعية التي يعاني منها الاطفال، وضرورة توفير الحماية والرعاية للأطفال، ولم تقم وسائل الإعلام عامة بالبحث ابتداء ومن خلال مصادر متعددة عن الأسباب التي أدت بالطفل إلى انتهاج هذا السلوك، وإنما تم التركيز على عنصر التشويق والإثارة لجذب الجمهور على الاطلاع ومشاهدة الفيديو  دون مراعاة القاعدة المهنية الهامة والمتمثلة في أنَّ الحقيقة أولى من الاثارة.
الأستاذة نادين النمري، الصحفية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان قالت إن ما ورد في المقطع هو انتهاك صارخ لحقوق الطفل وكذلك للقوانين والتشريعات الاردنية وقد تجاوز مرحلة المخالفة الأخلاقية إلى ما هو أكبر، حيث إنَّ قضايا الأحداث تخضع للحماية والسرية وفقا لقانون الأحداث الأردني القائم على العدالة الإصلاحية، فنحن ننظر دومًا للأطفال الأحداث على اعتبارهم ضحايا للظروف المحيطة بهم، وهم قابلين للإصلاح.
وبينت أنَّ النشر بهذه الطريقة هو تشهير ووصم وإساءة للطفل، ويحمل معنى التجريم المجتمعي بغض النظر عن الملاحقة الجزائية، التي تتبع الطفل فوق 12 سنة وفق القانون الأردني، وكما يبدو واضحًا في المقطع فالطفل أقل من هذا العمر، رغم وجوب التعامل مع قضايا الأحداث تحت 18 سنة بسرية عمومًا.
ودعت النمري الصحفيين إلى توخي الحذر فيما يكتبون وينشرون، ووضع أنفسهم مكان الضحية وأهله للحكم على مدى مناسبة النشر إجتماعيا ومردوده النفسي عليهم.

 وأكدت بأنَّه يحق لأهل الطفل ملاحقة الصحفي الذي قام بنشر هذا المقطع جزائيًا، إضافة للمخالفة الأخلاقية ومجانبة الأسلوب الذي حددته منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف حول كيفية تغطية قضايا الأطفال والتي تعتمد بشكل أساسي على مبدأ إلحاق الأذى او الضرر وتحقيق المصلحة الفضلى للطفل، ومنع وصم الأطفال والحفاظ على خصوصيتهم وهويتهم.
وبالعودة لمعايير مهنة الصحافة وأخلاقياتها يتبين وقوع الوسيلة في مخالفات مهنية وقانونية جسيمة، ومنها:
أولاً: إظهار هوية الطفل والمعلم، مع أنَّ المقطع يحتوي على اعتداء وعنف وقضية جنائية جزائية لا بد من التعامل مع من فيها من أشخاص بسريّة تامة طالما لم تأذن الجهات الأمنية والرسمية بالنشر.
ثانيًا: نشر مقطع يحتوي على مشاهد عنف مع ادعاء تكرار الأمر في المدارس ووصفه (بالظاهرة الخطيرة)، وهذا تعميم وترويج لظاهرة قد تدفع فئة من الأطفال والشباب للمحاكاة والتقليد ولم تقدِّم أرقامًا موثوقة ودراسات علمية دالة على حجم الظاهرة.
ثالثاً: تجاوز حقوق الطفل وإظهاره في لحظات ضعف وانتهاك وتعدّي من قبل معلمه من خلال شده وجرّه والتعامل معه بعنف، والإيحاء بأنه يستحق التعرض لهذا التعامل مع تناسي حقيقة أنه طفل يقع ضحية لظروف تحيط به.
رابعاً: اهتمت الوسيلة في جذب القراء والترويج للخبر ولم تطرح القضية من أيِّ جانب تربوي أو حقوقي أو قانوني، وهو دورها الأساسي المطلوب، من خلال طرح الموضوع عبر برنامج حواري او لقاء مع مختصين مختلفين حقوقيين أو قانونيين للتعليق على الأمر وتوجيه المربين في المدارس للكيفية الفضلى عند التعامل مع هذه الأحداث.