مؤشر السَّعادة 2022: تناقضات متعدِّدة وغياب الإعلام النَّقدي وتبرير دون تحليل وتدقيق

  • 2022-03-26
  • 12

أكيد-27 آذار - 2022-غابت الرؤية النقدية عن تناول الإعلام، لترتيب الأردن على مؤشر السَّعادة العالمي لعام 2022، والذي حمل العديد من التَّناقضات، وجاء صادمًا لفئات واسعة من قادة الرَّأي والمتابعين.

وأوضح رصد أجراه مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد)، أنَّ وسائل الإعلام الأردنية، اكتفت بعرض إخباري لنتائج التَّقرير، أو بتقديم تعليقات أو مواد إخبارية  تحليلية تُبرِّر ما جاء به التَّقرير من نتائج وتدعمه وغاب الإعلام النَّقدي الذي ينشر الوعي بين جمهور المتلقين.

وكان التقرير العاشر لمؤشر السَّعادة والذي تُعدُّه مجموعة خبراء مستقلين، وبرعاية  منظمة حلول التنمية، وهي إحدى منظمات الأمم المَّتحدة الحديثة وقد صدر بمناسبة اليوم العالمي للسَّعادة يوم 18 من شهر آذار/مارس الجاري، وجاء الأردن في الترتيب رقم 134 من أصل 145 دولة شملها المؤشر، وحلَّ بالمرتبة الثانية عربيًا بين أقل الدّول العربية على مؤشر السَّعادة، ليكون ثاني أتعس الدول العربية بعد لبنان.

وبينما تَقَدَّم ترتيب دول عربية واجنبية على سلم مؤشر السَّعادة تعاني مجتمعاتها من ظروف اقتصادية وسياسية وأمنية ونزاعات قاسية واحتلال وموت جماعي يومي على الأردن، مثل اليمن والذي حلَّ بالمرتبة 132، وليبيا بالمرتبة 86، وفلسطين بالمرتبة 122، ودول أجنبية مثل بنغلاديش بالمرتبة 94ن وأوغندا بالمرتبة 117، وغانا بالمرتبة 111 وغيرها، وهو الأمر الذي أثار نقاشات واسعة على منصَّات التَّواصل الاجتماعي؛ واتخذت اتجاهات متعددة منها، اضفاء المزيد من السَّلبية على الحياة العامة أو عدم تصديق النتيجة والتَّندر بها، في الوقت الذي لم يسعَ الإعلام الى طرح الاسئلة المفترضة في محاولة تحليل التَّقرير وتقديم رؤية نقدية حوله باعتباره مُنتج بشري قابل للتحليل والنَّقد والمراجعة.

وعلى هذا الأساس، يشتمل رصد (أكيد) في هذا التقرير على الاجابة عن سؤالين أساسين وهما:

  • كيف تناولت وسائل الإعلام الأردنية تقرير "مؤشر السَّعادة العالمي للعام 2022" وتحديدًا ترتيب الأردن عليه؟
  • ما هي الاسئلة التي كان من المفترض أن يطرحها الإعلام الأردني في تقديم وتحليل ترتيب الأردن على هذا المؤشر؟

التغطية الإعلامية: سرد إخباري وتبريري

 تم تصميم عينة للرصد حسب الوسائل الإعلامية وتكونت من الصِّحافة اليومية الأردنية وشملت 6 صحف يومية، 4 منها تصدر باللغة العربية، وصحيفتين باللغة الانجليزية، والمواقع الاخبارية تم رصد 59 موقعًا إخباريًا، و6 قنوات تلفزيونية أردنية و3 محطات اذاعية تبث من عمَّان، أمَّا العينة الزَّمنية فامتدت على مدى 7 أيَّام خلال الفترة من 18 – 24 آذار الجاري.

وتحدَّدت مهمة الرَّصد في معرفة حجم اهتمام وسائل الإعلام الأردنية بالموضوع الأردني في مؤشر السَّعادة العالمي، في كلٍّ من المواد الاخبارية ومواد الرأي، والكشف عن أنماط التغطية والمعالجة الإعلامية لهذه المسألة، وتم تقسيم التَّصنيف إلى ثلاث فئات هي، (التغطية الأخبارية، والتغطية التحليلية التبريرية، والتغطية التحليلية النقدية) مع ملاحظة أنَّ التغطيات الاخبارية التي اتسمت بالتوزان بين الجانب النقدي والجانب التبريري قد صُنِّفت ضمن الفئة الأولى.

جدول رقم (1): التغطية الإعلامية لترتيب الأردن على مؤشر السَّعادة في وسائل الإعلام

  تم رصد 97 مادة إعلامية تناولت ترتيب الأردن على مؤشر السَّعادة العالمي، بواقع 65 مادة في المواقع الالكترونية، و20 مادة في الصِّحافة اليومية، و12 مادة اذاعية وتلفزيونية، جاء معظم المحتوى الإعلامي إخباري، وشكلت المواد الاخبارية في الصِّحافة 60 بالمئة وفي المواقع الاخبارية 86 بالمئة وفي الاذاعة والتلفزيون 75 بالمئة.

 

جدول رقم (2): نمط التغطية الإعلامية لترتيب الأردن على مؤشر السَّعادة

كشف الرَّصد سيطرت المواد الإعلامية التي اكتفت بالسَّرد الإخباري المباشر في وسائل الإعلام كافة، إذ شكَّلت 72 بالمئة، أمَّا المحتوى التبريري والذي حاول تقديم تبرير لما جاء في التقرير حول الأردن فقد بلغ نحو 21 بالمئة، وتراجع المحتوى الذي قدَّم رؤية نقدية لما جاء في تقرير السَّعادة إلى 7 بالمئة فقط.

وإلى جانب خطورة ضَعف الرؤية النقدية والتَّحليل لدى وسائل الإعلام الأردنية، يُلاحظ وجود تغطية تبرر ما جاء فيه دون أي تحقق وذلك  من خلال الاستناد إلى آراء لا تتسم بالدِّقة أحيانًا مثلما جاء في إحدى الصُّحف اليومية الصَّادرة باللغة الانجليزية.

أسئلة غابت عن وسائل الإعلام

كما تبين سابقًا أنَّ التَّغطية الإعلامية المكثفة في وسائل الإعلام الأردنية اتسمت بالسرد الاخباري والتبرير لما جاء به المؤشر، ولم تطرح الأسئلة المفترض أن تطرحها وسائل الإعلام، ولم تتناول معطيات المؤشر برؤية نقدية أو تقوم بالتحقق منها، كما فعلت وسائل إعلام في دول اخرى عديدة.

إنَّ المسؤولية الاجتماعية للصِّحافة ووسائل الإعلام والتزامها بالدفاع عن الحقيقة وولاءها للمواطنين يتطلب مساءلة أيَّة قضية تتصل بالشَّأن العام وحماية حقَّ المجتمع في المعرفة الدقيقة والمُنصِفة.

 لماذا لم تشرح وسائل الإعلام منهجية إعداد المؤشر وأهميته؟

اكتفت معظم وسائل الإعلام الأردنية بالاشارة إلى أنَّ المؤشر يصدر عن الامم المتحدة؛ لاضفاء المصداقية عليه، على الرغم من أنَّ المؤشر يحمل عبارة على غلافه تقول:(إنَّ التقرير من إعداد مجموعة خبراء مستقلين، وما ورد فيه لا يمثل رأي الأمم المتحدة ولا أي من وكالاتها أو منظماتها )،  أو في حين لا ينشر الموقع الرسمي للامم المتحدة تقرير السَّعادة العالمي، فهناك اشارات لمؤشر اجمالي السعادة الوطني Gross National Happiness Index والذي تم تطويره منذ السَّبعينات من القرن العشرين.

 ولم توضِّح وسائل الإعلام الأردنية أنَّ المؤشر يعتمد منهجية مركبة تقوم على معلومات مأخوذة من استطلاعات الرَّأي التي يُجريها مركز جالوب وهو شركة استشارات ودراسات استطلاعية عالمية، بالاضافة إلى ستة معايير أخرى يتم في ضوئها قراءة نتيجة الاستطلاع.

1-السؤال الرئيس في الاستطلاع الذي يعتمد المؤشر فيه على ترتيب الدول هو:

"نرجو أن تتخيل  سُلَّمًا به درجات مرقمة من 0 في الأسفل إلى 10 في الأعلى.

ولنفترض أننا نقول إنَّ الجزء العلوي من السُّلم يمثل أفضل حياة ممكنة لك، وأنَّ قاع السُّلم يمثل أسوأ حياة ممكنة بالنسبة لك.

في أيَّة خطوة من السُّلم (من 0 إلى 10) قد تقول إنَّك تشعر شخصيًا بأنك تقف في هذا الوقت، على افتراض أنه كلما ارتفعت الخطوة كلَّما تحسن شعورك حيال حياتك، وكلما انخفضت خطوة شعرت بالسوء.

 ما هي الخطوة الأقرب إلى ما تشعر به؟ "

  حجم العينة من كل بلد هي ألف شخص، وتوضح شركة  جالوب أنها تختار المستجيبين عشوائيًا في كل بلد، لكنَّها تحرص على ضمان أن تكون المجموعة ممثلة جغرافيًا وديموغرافيًا لجميع السكان الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا أو أكثر.

الاجابة على هذا السؤال يُعد أساس التصنيف الذي يظهر في الشكل 2.1 من تقرير السَّعادة العالمي 2022، توضح الأشرطة الفرعية في الشكل 2.1 المدى المقدَّر لكل من العوامل الستة، (مستويات الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط ​​العمر المتوقع، والكرم، والدَّعم الاجتماعي، والحرية، والفساد)، أي أنَّ مؤلفي التقرير يفسرون اجابات العينة في ضوء المؤشرات السابقة، واضيف الى هذه المعايير في تقرير هذا العام احتساب المشاعر في تغريدات مواقع التواصل، بما تنطوي عليه من  بعض المعايير السلبية مثل الغضب والحزن والشعور بالضغط.

هذه المنهجية أثارت انتقادات علمية ومهنية واسعة في العالم منذ السنوات الاولى لإصدار المؤشر، ومقارنة منهجية هذا المؤشر بمؤشرات أخرى قريبة في سياق قياس التنمية البشرية، ومنها قياس الرفاهية البشرية، والتقدم ، والهشاشة وغيرها، ونال مؤشر السعادة النقد حتى من خبراء برنامج الامم المتحدة للتنمية، وأبرز هذه الانتقادات أن السَّعادة والرَّفاه الانساني لهما بعدان؛ الأول عاطفي يرتبط بالشعور والاخر مادي يعبر عنه بالامكانات المادية والقدرة على اشباعها، وفي حين أنَّ الجانب الاول يصعب قياسه فإنَّ الاجابة على  السؤال عنه يرتبط بالحالة المزاجية للافراد وهي حالة متغيرة بين وقت وآخر، وفيما لا يمكن أن تُشترى السَّعادة بالمال ، فانَّ تقدير السعادة والاحساس بها يختلف من ثقافة وأخرى ومن سياق اجتماعي وآخر، وفي الستينيات من القرن الماضي ذهب السيناتور الامريكي روبرت كينيدي الى القول في مرافعة تاريخية: "بأنَّ الناتج المحلي الإجمالي وحصة الفرد منه لا يقيس ذكائنا ولا شجاعتنا؛ ولا سعادتنا ولا حكمتنا ولا تعاطفنا ولا حبنا لبلدنا".

في العموم لاحظت معظم الدراسات التي اجريت لتحليل نتائج المؤشر في السنوات العشر أنَّ الدول التي تقع تحت خط المنتصف تعاني من أكثر من مشكلة مزمنة كبرى مثل  الفقر أو الهشاشة الأمنية وانهيار النظام او الفساد المستشري، وهو الأمر الذي يجعل من حالة الأردن شاذة.

2- كيف تمَّ تطبيق معايير المؤشر على الحالة الأردنية؟

اعتمد مؤشر السعادة العالمي على ستة معايير هي:

  • نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي: ويتم الحصول على هذه البيانات من مؤشرات التنمية العالمية التابعة للبنك الدولي.
  • متوسط العمر الصحي المتوقع عند الولادة: وتُستقى هذه المعلومات من منظمة الصِّحة العالمية.
  • الدعم الاجتماعي : ويتم قياسه بناء على إجابات العينة المنتقاة على سؤال: لو وقعت في مشكلة فهل لديك من الأصدقاء والأقارب من تعتمد عليه في أيِّ وقت؟
  • حرية الاختيار: ويتم قياسه بالإجابة بنعم =1 أو لا=0 على سؤال: هل أنت راض عن حريتك في اختيار ما ترغب به في الحياة؟.
  • الكرم: يتم قياسه بناء على سؤال: هل تبرعت لجمعية خيرية في الشهر الماضي؟
  •  الفساد: ويُقاس بناء على سؤالين: هل الفساد منتشر في  جميع أطراف حكومة بلدك؟ وهل الفساد منتشر في شركات بلدك؟ إن لم يتواجد فساد حكومي يتم التركيز على الفساد التجاري .

 لا يتضمن التقرير أيَّ توصيف للواقع الأردني بناء على المعايير الستة، حيث لم يتم إفراد أيَّة دولة بالحديث عن بياناتها تفصيلياً، بل اكتفى التقرير بتقديم رسم بياني بصورة شرائط يوضح القيم الستة لكل بلد فقط، كما لم يتم تقديم رسوم بيانية خاصة بالدول بشكل مستقل ومنفرد كما يحدث في العديد من المؤشرات العالمية الأخرى، ولكن احتوى التقرير على بعض الرسوم التي تناولت مناطق بأكملها لا دولاً منفردة.

غاب عن وسائل الإعلام الأردنية في هذا السياق ان تطرح الاسئلة حول مدى دقة البيانات التي اعتمد عليها المؤشر، وهذه البيانات متوفرة في أغلبها،  وفي الواقع أنَّ أغلبها تتناقض مع النتيجة التي توصل اليها التقرير ومنها على سبيل المثال:

  • نصيب الفرد من الناتج الاجمالي الوطني والبالغ 4,283 حسب البنك الدولي يقع ترتيب الأردن في المرتبة الثامنة عربيا  بعد الدول النفطية ، ويتقدم على كل من مصر والسودان واليمن وفلسطين والجزائر وليبيا والصومال والمغرب وتونس والمغرب وجيبوتي.
  • متوسط عمر الانسان عند الولادة: يبلغ متوسط عمر الانساني الأردني حسب منظمة الصحة العالمية لعام 2020 ذكورًا: 72.8سنة/ وإناثًا "74.2 سنة"، والمتوسط العام 73.3 وفي الترتيب السادس عربيًا ومتجاوز 16 دولة عربية.
  • الكرم والدعم الاجتماعي: خضع قياس هذه المواضيع إلى اسئلة مباشرة تعكس الحالة العاطفية أو المزاجية للعينة المبحوثة، مقابل اغفال حقائق مادية تعكس قيم الكرم والترابط الاجتماعي الذي يشهدهما بلد مثل الأردن استقبل اكبر عدد من اللاجئين عبر مائة عام من تاريخه السياسي، ويعد البلد الثاني في العالم في استقبال اللاجئين وفي تقاسم موارده معهم، في وقت تتراجع فيه معدلات الجريمة عٍن معظم الدول المجاورة ، ويزدهر فيه العمل التطوعي والقطاع غير الربحي.

3- لماذا لا نقارن مؤشر السعادة مع المؤشرات العالمية المُعتَد بها والقريبة منه؟

هناك العديد من المؤشرات العالمية التي لها تاريخ من المصداقية والموثوقية، وتقترب بشكل أو اخر مع عناصر دراسات السَّعادة والرَّفاه البشري المعاصرة، والسؤال هنا بأنَّ وسائل الإعلام كان من المفترض أن تقدم مواد تحليلية تقارن بين هذه المؤشرات وما جاء به مؤشر السعادة ومنها:  

  • مؤشر الهشاشة العالمي:

جاء ترتيب الأردن على مؤشر الهشاشة العالمي في مرتبة فوق متوسطة عالميًا على مدى 15 عامًا وفي عام 2020 جاء في الترتيب العاشر عربيًا، بينما ُصنفت اربع دول عربية في قائمة الدول العربية الاكثر هشاشة وهي اليمن و الصومال وسوريا والسودان، والمفارقة أنَّ بعض هذه الدول الاكثر هشاشة في العالم تتمتع شعوبها بالسَّعادة اكثر من الأردن وفق مؤشر السَّعادة .

جدول (3) ترتيب الأردن على مؤشِّر الهشاشة العالمي:

 

ويُعد مؤشر الدول الهشة (FSI) والذي يصدره  صندوق السلام (FFP) أداة مهمة في تسليط الضوء ليس فقط على الضغوط العادية التي تواجهها الدول والمجتمعات، ولكن أيضًا في تحديد متى تفوق هذه الضغوط قدرة الدول على الاستمرار وتوفير الحد الأدنى من القدرات لجعل حياة الافراد ممكنة، وتوضح بالتفصيل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسِّياسية والامنية القائمة التي تواجهها كل دولة من الدول الـ 178 التي يتم تحليلها.

  • مؤشر مدركات الفساد العالمي:

يصدر مؤشر الفساد العالمي عن منظمة الشفافية العالمية وجاء ترتيب الأردن على المؤشر لعام 2021 في ترتيب 58 عالميًا من أصل 180 دولة وجاءت الدانمارك، وفنلندا، وسويسرا، والنرويج، وسنغافورة في الترتيب من الأول الى الخامس، وحصل الأردن على تقييم 49/100، وتقدم بذلك بذلك على 15 دولة عربية وجاء في الترتيب الخامس عربيًا، وفي قراءة اخرى نجد أنَّ الأردن وفق أعرق مؤشر للفساد قد تجاوز نحو 40 دولة صُنِّفت في مؤشر السَّعادة أنَّها تتقدم على الأردن.

جدول (4) ترتيب الأردن على مؤشر مدركات الفساد العالمي:

 مؤشرات الحريات العامة:

حافظ الأردن على أوضاع متشابهة على مؤشرات الحريات العامة المتعددة، وجاءت في الأغلب في  منطقة متوسطة عالميًا،  وأبرزها مؤشرات الحريات العامة وحالة الديمقراطية، والحرية الدينية، وحرية التعبير والصحافة.

على مؤشر الحرية لمؤسسة بيت الحرية حافظ الأردن على تصنيف (حر جزئيًا ) حتى عام 2020 وبواقع 37/ 100 وفي عام 2021 صُنِّفت على انَّها (دولة غير حرة) بواقع 37 /100، وبُرِّر هذا التراجع الى الاجراءات المتشددة المتخذة في مواجهة جائحة كورونا والاجراءات التي اتخذت ضد نقابة المعلمين.

 في عام 2019 كان ترتيب الأردن 37/ 100 وفي عام 2018 كان التَّرتيب 73/100 وفي عام 2017 كان 37/100 ، وفي المتوسط حافظ الأردن خلال سنوات العقد الماضي على تصنيف ضمن الثمانية الاوائل في الشرق الاوسط وشمال افريقيا في معظم مؤشرات الحريات العامة، وهذه المؤشرات التي تُعد مدخلًا أساسيًا لمؤشر السَّعادة.

4- هل يوجد تاريخ من المصداقية لمؤشر السعادة العالمي ؟

على الرغم من حداثة هذا المؤشر إلا أنَّه تعرَّض لانتقادات واسعة من قِبل أكاديمين وخبراء ووسائل إعلام في العديد من انحاء دول العالم، وبعض هذه الانتقادات جاءت على شكل سُخرية من التناقضات التي ذهبت اليها نتائج المؤشر،  حتى في فنلندا والتي احتلت الترتيب الأول عالميًا باعتبارها البلد الاكثر سعادة على مدى خمس سنوات انتقدت وسائل الإعلام وقادة رأي هذه النتيجة كما جاء في صحيفة (نيويورك تايمز 20/4/2021 ) والتي نقلت اراء بعض الكتاب الفنلنديين بقولهم: "أربع مرات متتالية هذا  أكثر من اللازم،  يكفي إن الطقس لدينا  مثل أسوأ يوم في لندن، كل يوم" ، إنَّنا نعاني من التباعد الاجتماعي قبل الجائحة بكثير"، علاوة على ارتفاع نسب الانتحار والاغتراب والاكتئاب في الدول الاسكندنافية كافة والتي حازت على المراتب الأولى.

 وتعرَّض المؤشر عام 2018  لانتقادات واسعة على سبيل المثال ما كتبه ماركوس كورهونين المحلل السياسي والاستاذ بجامعة ستيلينبوش  على موقع تدقيق الحقائق check Africa في معرض تناول التناقضات التي انطوى عليها ترتيب الدول الافريقية: "كيف تتفوق ليبيا التي مزقتها النزاعات على جنوب إفريقيا ونيجيريا، وتأتي تنزانيا في المرتبة 153، ورواندا في المرتبة 151، وبوتسوانا في المرتبة 146، جميعها بالقرب من أسفل القائمة باعتبارها أقل البلدان سعادة، بينما تحتل العديد من الدول التي تخوض حروبًا مستمرة أو صراعات عسكرية مرتبة أعلى، كانت ليبيا في حالة صراع مستمر منذ أحداث شباط فبراير عام 2011 ، لكنها تحتل المرتبة السبعين بشكل مريح في النصف الأول من الترتيب، وتأتي الصومال والتي تخوض حربا أهلية منذ عام 1991 في المرتبة 98،  وبالمقارنة ، فإنَّ جنوب إفريقيا المستقرة نسبيًا تحتل المرتبة 105، ونيجيريا في المرتبة 91 ، وكينيا في المرتبة 124).

وتصدى مرصد تدقيق الحقائق لصحيفة (U.S Today) للنقاش الذي دار على وسائل التواصل الاجتماعي  في عام 2021 حول من الأحق في أن يحتل المرتبة الأولى في السَّعادة الدانمارك أو فنلندا، حيث بيَّن وجود خطأ جزئيا في بعض معطيات الحالة الخاصة بالدانمارك.

لذا فإنَّ النتائج الشاذة تنُثير تساؤلات حول التصنيف، والذي يستحق مزيدًا من التَّدقيق، وفقًا لما قاله البروفيسور تشارلز جي ويلان، كبير المحاضرين في كلية دارتموث ومؤلف كتاب Naked Statistics ل check Africa ، مؤكدًا أنَّ السَّعادة لا يمكن قياسها احصائيًا، ويصف كيلي سميث في صحيفة ( نيويورك بوست)  تقرير السَّعادة بأنَّه: "مجرد هُراء لا يمكن الاعتماد عليه".

وآخر الامثلة ما جاء به الباحث الهندي مانيزشكرفارتي  في تعليقه على مؤشر السَّعادة العالمي لعام 2017:

السؤال الأهم هو: ما مدى موثوقية التقرير؟

حسنًا ، جميع المؤلفين اقتصاديين بارزين.

ولكن هذا يشبه إلى حد ما وصف مارك أنتوني في خطابه  قتلة قيصر بالرجال الشرفاء، في حين أنَّ الهند في الترتيب  140، وباكستان تحتل المرتبة 67.

حقًا؟

 بلد به حركة طالبان يغرق في فوضى وفيه انفجار كل اسبوع، دولة مفلسة ؟ أسعد من الهند؟ ثغرة أكبر، وهي أنَّ فنزويلا تحتل المرتبة 108.

ذلك البلد الذي يفرُّ منه الناس بمئات الآلاف، بلد به تضخم مرتفع، أمة تتأرجح على شفا حرب أهلية، وأسعد من الهند؟

بعد ذلك، ليس من المستغرب على الإطلاق رؤية الأراضي الفلسطينية، التي توصف أحيانًا بأنها أكبر سجن مفتوح في العالم، حيث تقصف إسرائيل بها  كما تشاء، تاتي بالمرتبة  110.

الخلاصة:

 اخفقت وسائل الإعلام الأردنية في طرح الأسئلة الموضوعية التي تُحلِّل وتقدِّم هذا التقرير للجمهور الأردني، وفي المقابل أسهمت وسائل إعلام باضفاء الشرعية وتقديم التبريرات على ما جاء به التقرير على الرغم مما ينطوي عليه من تنقاضات ومفارقات.

 لا أحد في الأردن يدَّعي أنَّ الحياة وردية، وفي المقابل فالحياة ليست بالسوء الذي وصفه تقرير مؤشر السَّعادة العالمي.