التَّغطيات الإعلامية لسُّدود المياه في الأردن .. أسئلة كثيرة دون إجابات

  • 2022-04-27
  • 12

عمَّان 27 نيسان (أكيد)- سوسن أبو السُندس وعُلا القارصلي- مع انتهاء موسم الهطول المطري، وقع جمهور المتلقين ضحية لتغطية إعلامية مكررة للعام الثاني على التَّوالي فيما يخص الطاقة الاستيعابية لسدود المياه في الأردن، فما زالت التَّغطيات الإعلامية للموسم المطري قائمة على أسلوب السرد الخبري، مكتفية بنقل كمية الهطول المطري، وكمية الأمطار التي تتغذى منها السُّدود.  

بهذا، فإن التَّغطيات الإعلامية تنقل للمواطن الأرقام بدقة، لكن دون تناول التفاصيل التي تسلط الضوء على كميات المياه المستفادة فعلاً من الموسم المطري، وتقدم تقديرًا واضحًا لطبيعة الموسم الصيفي الذي ينتظرنا، ما يعطي انطباعًا متباينًا عن حال السدود، ومثيرًا للعديد من  التساؤلات حول إذا  ما كان الوضع آمنًا أم لا؟، ذلك أنَّ عدم توفير المعطيات الرَّقمية بشكل متكامل، يعني أنَّ المعلومات منقوصة، وهذا ينطوي على احتمال قوي بتضليل المتلقين ومخالفة معيار الدقة وعدم الذَّاب بعيدًا في البحث المعمَّق، وبالنتيجة يكون الرأي العام هو الضَّحية.

أدرج تقرير الشراكة العالمية لأمن المياه والصرف الصحي GWSP)) لعام 2021، الأردن ضمن ست دول تعد فيها المياه، من أكبر المخاطر على التنمية المستدامة. هذا في حين تُعدّ السدود من أهم روافد المياه في الأردن، وأصبحت تعاني من شبح الجفاف، الذي طال 11 سدًا من أصل 14، في وقت يحتاج فيه الأردن لأي كمية إضافية من المياه لتلبية الاحتياجات الأساسية المتزايدة للسكان في ظل المعدلات المرتفعة للزيادة السكانية، وعدم إمكانية الاعتماد على معدلات الهطول المطري، لا سيما أن قضية المياه في الأردن تحولت من "خطورة الفقر المائي إلى خطورة الأمن المائي".

ظاهرةٌ بهذه الحجم، دفعت مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) لتتبع التغطية الإعلامية المرافقة للموسم المطري، وكيفية تغطية وسائل الإعلام لحال السدود وتحديدًا بعد ما أثير حول جفاف السدود العام الماضي. وعلى ذلك أجرى (أكيد) رصدًا علميًا لمعرفة أنماط التغطية الإخبارية للهطول المطري ونسب تعبئة السدود لعينة من وسائل الإعلام الأردنية شملت تسع وسائل إعلامية للفترة الممتدة بين الأول من تشرين الثاني 2021 حتى 31 آذار 2022.

 وجاء في نتيجة الرصد أن التغطية الإعلامية قائمة على أسلوب السرد الخبري بنسبة بلغت 89 بالمئة من التغطيات الإعلامية الخاصة بالهطول المطري، دون تقارير معمقة ومتخصصة.

التغطية الإعلامية:

صُمّمت عينة الرصد بحسب الوسيلة الإعلامية، وتكوّنت من عدة وسائل إعلامية، وشملت خمسة مواقع إخبارية، وصحيفتين يوميّتين، ووسيلتين مرئيّتين. وتحدَّدت مهمة الرَّصد في معرفة حجم اهتمام وسائل الإعلام الأردنية بموضوع السدود.

ويرى (أكيد) أن التغطيات الإعلامية من خلال الرصد المبين في الجدول رقم (1)، قد بلغت فيما يتعلق بتعبئة السدود ما يقارب 72 بالمئة من تغطيات الصحف اليومية، وما يقارب 58 بالمئة من تغطيات القنوات التلفزيونية، أمَّا المواقع الإخبارية، فبلغت نسبة التغطية 68 بالمئة، إلا أنَّ هذه التغطيات أغفلت التحديات المحيطة بالواقع المائي في الأردن.

الجدول (1): تغطية وسائل إعلام لنسبة تعبئة السدود والموسم المطري:

وللوقوف على نمط التغطية الإعلامية، جرى تصنيف المواد الإخبارية إلى قسمين، هما: تغطية معمّقة، وتغطية بصيغة سرد إخباري، وعكست نتائج الرصد تواضعاً شديداً في حجم التغطية الصحفية المعمقة.

الجدول (2): نمط التغطية الإعلامية لنسبة تعبئة السدود والهطول المطري:

ماذا غاب عن التغطيات الإعلامية؟

يرى (أكيد) أن التغطيات الإعلامية خالفت معيار الدقة الذي يتطلب عدم تقديم محتوى بمعلومات ناقصة، يؤدي نقص المعلومات إلى تشويه الوقائع. كما أن القارئ بحاجة إلى أن يتلقى من الصحفي تفسيرًا واضحًا لكيفية احتساب كمية المياه في السدود. ومن المفترض في وسائل الإعلام أن تسهم في تقديم المعلومات الكاملة عن أحوال السدود وطاقتها الاستيعابية، وما تتطلبه من عمليات صيانة وتنظيف، والتعريج على قضايا التبخر، ومشاكل التغير المناخي. وعند ذكر الرافد المائي لا بد من ذكر الفاقد منه سعيًا وراء الدقة، وحرصًا على بناء تصور واضح عن كمية المياه الحقيقية المستفادة منها.

وينوه (أكيد) إلى أن تقديم تقارير معمقة توفر إضاءة مهمة لتقييم الأهداف البيئية والتنموية المرجوة من إنشاء مشاريع السدود، لذلك كان لا بد للصحفيين من العودة إلى الخطط الاستراتيجية  في المحافظة على ديمومة السدود التابعة لوزارة المياه والري، والتي تلتزم بها الوزارة ضمن المشاريع التي تقوم بها في صيانة وتنظيف السدود من الرسوبيات والطمي والتي تمنع تآكل بعض معدّات الضخ، ومتابعة تطبيق تلك المشاريع ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة.

يشير (أكيد) إلى أهمية الوظيفة الرقابية التي يجب على الصحافة عدم الاستغناء عنها، ونقل جميع القضايا المتعلقة بالمشاريع والإستثمارات الخاصة بالسدود ومتابعة تطبيقها، وبالنظر إلى الخطة الوطنية التي تنفذها وزارة المياه والري التي تهدف إلى زيادة السعة التخزينية للسدود من 325 مليون متر مكعب عام 2014 إلى 400 مليون متر مكعب عام 2025، فيما يحتاج تنفيذ تلك الخطط إلى حزمة من المشاريع والاستثمارات المالية الكبيرة التي لا تجد لها حضورًا كافيًا في التقارير.

وتوقف (أكيد) لدى العودة إلى تقرير حالة البلاد، أمام مشروع تأسيس آلية مالية لدعم مشاريع الحصاد المائي بتكلفة إجمالية قدرها 964 مليون دولار ضمن مشاريع الخطة التنفيذية الوطنية للنمو الأخضر بين عامي (2021-2025) التي تشمل ست خطط  تنفيذية في قطاعات المياه وغيرها، إضافة إلى العديد من مشاريع المصادر المائية مثل مشروع آبار حسبان، ومشروع مياه الأزرق، ومشروع مياه شرق العاقب، وهنا يأتي دور الإعلام في تتبع تلك الأموال والاستثمارات وتقييم مدى فاعليتها على أرض الواقع.

ويشير(أكيد) في الوقت ذاته إلى أهمية خلق صحافة مائية متخصصة كخطوة مفتاحية لطرح حلول تساعد على التقليل من أزمة المياه، وهو ما يعرف اليوم بصحافة الحلول التي تلقي الضوء على تجارب خلاّقة، وتقدم بالتعاون مع الخبراء والعاملين في المجال مقترحات لسدّ بعض الثغرات.

وعلى صعيد آخر، رصد (أكيد) تصريح سابق لرئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن، عدنان خدام  ذكر فيه أن جفاف السدود قد طال  ستة سدود من أصل 17 سداً، وهي "الوالة، الموجب، وادي الكرك، التنور، وادي شعيب، وسد زقلاب".

ويرى (أكيد) أن موضوع جفاف السدود فتح المجال أمام التغطيات الإعلامية لتقديم معلومات مجهّلة المصادر، تشتمل على تحذيرات وتنبيهات، مستخدمين كلمة خبراء وباحثين مجهولين، حيث اكتفت بعض المواقع بذكر عناوين مثل  خبراء يحذرون من جفاف ثلاثة سدود كبيرة في الأردن.

بالرّغم من أنّ المصادر التي استندت إليها التّقارير قدّمت معلومات، لم تعبّر عن آراء أو وجهات نظر شخصيّة، إلا أنها ممارسات تُضعِف مصداقيّة الأخبار، واكتفت الوسائل الإعلامية بالتالي بضخ مواد تبين خطر الجفاف، وتنقل تحذيرات مرفقة بصور تبين خطورة الموقف، لكن دون تقديم تصور واضح عن تلك الظاهرة، الأمر الذي دفع بالرأي العام إلى تكوين تحليلات خاصة عن تفريغ السدود وربطها بقضايا سياسية، عوضًا عن التركيز على مساءلة المسؤولين.

الأبعاد السِّياسية في التغطيات الإعلامية:

إن المادة الصحفية التي تتسم بالمصداقية العالية يفترض أن تقدم للمتلقي تفسيرًا واضحًا لجميع الأسباب التي يتعذر معها الاستفادة المطلقة من مياه السدود، وفي حال أغفل الصحفي بندًا بسبب قلة المعلومات أو لعدم قدرته على الحصول على المعلومات، تعدّ المادة الصحفية مخالفة لمعيار الشمولية، ناهيك عن الوقوع في فخ التسييس. ويتسم تناول قضايا نزاعات المياه في أغلب التقارير الصحفية بالجمود الذي يخلق حالة من التجهيل.

عاد (أكيد) إلى تقرير حالة البلاد الذي يبين أثر الظروف الإقليمية على كميات المياه المستغلة، والتي لا تقتصر على الهجرة القسرية فقط بل تتعّداه للتأثير على كميات المياه المشتركة للأردن مع كّل من سوريا وإسرائيل وحتى السعودية.

ويشير التقرير إلى أن سوريا والأردن تتشاركان بمياه حوض اليرموك التي تمتد في الجانب الشمالي للمملكة والجنوبي لسوريا وتتمثل في ما بعد بنهر اليرموك بين البلدين، وصولًا إلى نقطة التقائه بنهر الأردن، وللعمل على تنظيم عملية الاستفادة من المياه المشتركة، عُقدت اتفاقية بين البلدين، إلا أن تلك الخطوات لم تفلح في تأمين حقوق الأردن المائية، بل أبقت على حالة الانتقاص من الحقوق الأردنية من مياه اليرموك المشتركة.

أما العلاقة المائية مع إسرائيل، فقد تم تنظيمها في اتفاقية وادي عربة عام 1994 والتي أتاحت للأردن الحصول على بعض حقوقه من نهر الأردن، ورغم أن اتفاقية وادي عربة سمحت للأردن بتخزين فائض مياه اليرموك في فصل الشتاء في بحيرة طبريا، وإعادة استخدامها صيفًا، إّلا أن تناقص مستوى المياه في نهر اليرموك نتيجة تدني تدفقه معظم السنوات، والاستغلال الجائر، جعل مستوى التخزين لحاجات الأردن سنويًا أقّل من المعدل المتَفق عليه.

وفي الخلاصة وبحسب معايير (أكيد) المنشورة على موقعه الإلكتروني يجب أن تكون المادة الاخبارية شاملة ومكتملة وغير مجتزئة او انتقائية وتضمن تتبع الخبر من نشأته حتى نهايته، وبحث العناصر المكملة له، سواء عن طريق المصادر الأصلية أو أقسام المعلومات.