من ضحايا الجرائم إلى ضحايا وسائل إعلام .. من يحمي الإنسان من الانتهاكات المهنية

  • 2022-07-02
  • 12


عمّان 3 تموز (أكيد)– شهد المجتمع الأردني مؤخرًا وقوع جرائم كان لها وقع كبير على الرأي العام محليًا،  وثارت حولها العديد من الأسئلة والتكهنات التي يغذيها فضول الجمهور وحاجته للوصول للمعلومات والتفاصيل المرتبطة بتلك الجرائم.

 الصِّحافة ووسائل الإعلام المختلفة تُعدّ الوسيلة الأكثر شيوعًا لتزويد الجمهور بالمعلومات من مصادرها الصَّحيحة بدقة وموضوعية تعبيرًا عن مسؤولياتها الاجتماعية مع الحرص على  تأكيد سيادة  القانون ومساندة العدالة فيما يتصدى له القضاء من قضايا وجرائم تماشيًا وما ورد في المادة (15) الفقرة الأولى من الدستور الأردني والتي نصت على أنه تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.

وتتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) التغطيات الإخبارية لوسائل الإعلام المحلية المختلفة لبعض هذه الجرائم، وكيف تعاملت معها من الناحية الأخلاقية والقانونية، ورصد مخالفات ارتبطت بأخلاقيات النشر وأخرى من طبيعة قانونية.

ووجد (أكيد)  أن المخالفات تركزت على نشر صور الضحايا والوقائع الجرمية والمراسلات الخاصة ونقلها دون مراعاة الخصوصية لهؤلاء الأشخاص وأسرهم ومدى وصمهم اجتماعيًا بنشر هذه الصور والمراسلات واستخدامها عبر شبكة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، خلافًا للمادة (11) من ميثاق الشرف الصحفي، والتي نصَّت على أن  يلتزم الصحفيون باحترام سمعة الأسر والعائلات أو سرية الأمور الخاصة بالمواطنين، وذلك طبقًا للمبادئ الدولية، وأخلاقيات العمل الصحفي والقوانين المعمول بها في المملكة.

وانتهكت وسائل إعلام مبدأ الكرامة الإنسانية بمقابلات مصورة نقلت خلالها مشاعر أهل الضحايا وردود أفعالهم في لحظات ضعف إنساني، وفي أماكن خاصة، كالبيت وغرف النوم، رغم أنها لا تشتمل على قيمة إخبارية أو حقوقية، ويتمّ تناقلها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتس آب، مما يجعلهم عرضةً للتشهير خلافاً للمادة (26) من قانون حماية حق المؤلف، والتي تنص على أنه لا يحق لمن قام بعمل أي صورة أن يعرض أصل الصورة أو ينشره أو يوزعه أو يعرض أو ينشر أو يوزع نسخًا منها. ويُشترط في جميع الأحوال عدم عرض أي صورة أو نشرها أو توزيعها أو تداولها إذا ترتب على ذلك مساس بشرف من  تمثله، أو تعريض بكرامته أو سمعته او وقاره أو مركزه الاجتماعي.

وأخطأت وسائل الإعلام بالتركيز على التفاصيل الجرمية والتوسع في نشر الآراء حول أسبابها ومبرراتها، ما وضع ذوي الضحايا في مواجهة مع الرأي العام، وتسليط الضوء عليهم وعلى سلوكهم بعد ارتكاب الجرائم خصوصًا في الجرائم التي تكون ضحاياها من النساء، ما يرفع نسب انتشار الإشاعات  بدلًا من تسليط الضوء على بشاعة الجرائم وأثرها على المجتمع والسلم المجتمعي وتعزيز قدرة الضحايا وذويهم على التعايش ونسيان التفاصيل المؤلمة حرصًا على صحتهم النفسية والجسدية خلافًا لقانون العقوبات  الذي نص في  المادة (131) أنه يُعاقب على نشر أنباء كاذبة أو مبالغ بها من شأنها أن توهن نفسية الأمة، ويعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات.

وأخطأت وسائل إعلام بالتوسع في ذكرتفاصيل ارتكاب الجرائم والتوصيفات الجرمية دون تقدير الفائدة من النشر، وتأثير أخبار كهذه على معدلات انتشار الجرائم خصوصًا بين القصّر والمراهقين وإمكانية محاكاة هذه الوقائع وتقليدها، ما يسهم في انتشار وشيوع السلوك الجرمي في المجتمع، منتهكين المادة (7د) من قانون المطبوعات والنشر، والتي نصت على الامتناع عن نشر كل ما من شأنه أن يثير العنف أو يدعو إلى إثارة الفرقة بين المواطنين بأي شكل من الأشكال.

وينبه مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) لحق الأفراد في مقاضاة وسائل الإعلام غير الملتزمة بحدود القانون بالإشارة إلى المادة  (348 مكررة) من قانون العقوبات، حيث يُعاقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر كل من خرق الحياة الخاصة للآخرين باستراق السمع أو البصر بأي وسيلة كانت بما في ذلك التسجيل الصوتي أو التقاط الصور أو استخدام المنظار، وتضاعف العقوبة في حال التكرار.

والأمر نفسه ينطبق على المادة (48) من القانون المدني الأردني، والتي تنص على أنه: "لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته، أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عمّا يكون قد لحقه من ضرر وهو ما يوجد علاقة سببية بين انتهاك الخصوصية بالتصوير باعتبار الحق في الصورة من الحقوق اللصيقة بالإنسان وبين الاعتداء على هذا الحق بانتهاك خصوصية الأفراد والأسر من ذوي الضحايا".

ويدعو مرصد مصداقية الإعلام الأردني مختلف وسائل الإعلام لتعزيز الثقافة القانونية للصحفيين والعمل على إنشاء أقسام متخصصة في الصحف وفقًا للقطاع الذي يغطيه الصحفي، وإكسابهم المهارات المهنية اللازمة وفق تسلسل خبراتهم، والقطاعات التي يغطّونها في المؤسسة الصحفية لوقف تكرار الأخطاء والانتهاكات.