صايل الطَّراونة ينشر خبر طالبين متفوقين بالكرك دون أن يرتكب أيَّ خطأ مهني

  • 12

 عمَّان 21 آب (أكيد)- بعنوان بسيط وبشرح مجزأ بجمل قصيرة، كتب المواطن صايل الطَّراونة من محافظة الكرك جنوب الأردن، منشورًا على صفحته على مواقع التَّواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ينقل به قصَّة تفوق طالبين بامتحان الثَّانوية العامة، واحتفال والدهما برفع العلم الأردني على بيتهم الذي هو عبارة عن خيمة بالصَّحراء تنقصها كثير من الخدمات، وتدل على ظروف الأسرة وما لحق بها من فقر وعَوز.

حلَّل مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) لغة الخطاب التي استخدمها الطَّراونة في منشوره، والتزامه بالمعايير المهنية التي تحكم عملية النَّشر الإعلامي ولا تنطبق على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، وتبين أنَّه خرج بمحتوى إخباري إعلامي دون أن يرتكب أيَّ خطأ مهني أو إنساني، وتسبَّب بنقل المعاناة والاستفادة من منصَّة التَّواصل الاجتماعي بشكل مفيد ونبيل ويخدم المهمَّشين.

قام الطَّراونة بدور كان من الواجب أن تقوم به وسائل الإعلام، والتي اكتفت بالسَّهل القريب، وهو تغطية احتفالات من مرّوا بنجاح أو استضافة المتفوقين الأوائل، لكنَّها في غالبية الأحيان تنسى مناطق الأطراف البعيدة عن العاصمة عمَّان، ولم تبحث في كشوفات النَّاجحين ومعدلاتهم ومناطقهم وربطها بظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.

لم يتضمن منشور الطَّراونة مقابلة مصورة مع والد أو والدة الأبناء حرصًا منه على عدم بيانهما بحالة الضَّعف التي يعيشونها اقتصاديًا وصحيًا، بل أبقى على صورتهم الجميلة بأنَّهم يحتفلون بنجاح إبنيهما وتفوقهما. ونشر حديثًا مع الأب بعيدًا عن الصور، واكتفى بنشر أسباب تفوق الأبناء في هذه الظروف، وتصوير الكُتب وحالتها والهاتف قليل المواصفات وحالة المنزل الذي يعيشون به غرب مدينة الكرك.

وتبين لـ (أكيد) أنَّ مصدر المادة الخبرية ألزم كل من نقلها بالاكتفاء بما تحتويه من معلومات وصور وهي اللحظة الأولى لانتشار الخبر، وبالتَّالي فإنَّ أيَّ نشر بعده لن يكون عظيم التَّأثير، وعليه فقد تبنَّت منصَّات التَّواصل الاجتماعي وتحديدًا فيسبوك وتويتر القصَّة وتشكَّل رأي عام ضاغط على الجهات المسؤولة وعلى من يملكون السِّعة المالية لتأمين بيت ووظيفة وعلاج للعائلة ومنحة دراسية للأبناء في الجامعات الأردنية وهو ما حصل فعلًا.

الطَّراونة لم ينشر فقط بمهنية، لكنَّ (أكيد) رصد على صفحته بعد ساعات من نشر القصَّة وتصدرها حديث الرَّأي العام الأردني وتأمين حلٍّ للطَّالبين والأسرة، أن الطراونة قد أعلن عن حذفه المنشور الذي تبنَّى به القصَّة باعتبار أنه لم يعد من داعٍ لبقائه على صفحته، وهذه ممارسة إنسانية فضلى وكبيرة تخدم كرامة الإنسان الذي كان محور حديث المادة الإخبارية.

وسائل الإعلام المحلية لم يكن لها دور كبير في هذه القصة سوى أنَّها نقلت الحادثة عبر صفحاتها ومنصَّاتها، وأسهمت بتوليد مزيد من الرَّأي العام الضَّاغط، على الرغم من أنَّ غرف التَّحرير والاجتماعات اليومية التي تدور في غرف الأخبار وإنجاز خطط إعداد المواد الصَّحفية يجب أن تحتوي على تغطيات لحالات كهذه، وسبر نتائج الثانوية والبحث عن المتفوقين في ظروف صعبة اقتصاديًا واجتماعيًا، وفي المقابل عن طلبة لم يحالفهم الحظ بسبب ظروفهم الاجتماعية، وكتابة القصص الإخبارية التي تهم العامة وجمهور المتلقين.

وتميَّز محتوى منشور الطَّراونة بخصائص الخبر الإعلامي الصَّحفي المتكامل والجاذب والمشوّق، إذ إنَّه كان جديدًا، ونادرًا، ويدخل بالعمق في هموم النَّاس، وجديدًا زمانيًا، وقريبًا مكانيًا، وبعيدًا عن التكلف والتصنع، واستخدم مفردات بسيطة، ولغة مختزلة، والتزم أدبيات النَّشر، وحافظ على كرامة النَّاس، وذكر عفتهم وأنَّهم لا يبحثون عن مال بل بمنحة لأبنائهم.

وانتقل المحتوى الإخباري للطَّراونة إلى وسائل إعلام خارجية عديدة، وتصدّرت عناوين المنصَّات الإخبارية، بعناوين مختلفة كلها تصب في قصة تفوق نادرة في الثانوية العامة الأردنية، وهذا فتح الباب أمام نقاشات جديدة على منصَّات التَّواصل حول المسؤولية الحكومية في رعاية هؤلاء، وعدم انتظار النَّشر عنها، وهذا ما يجب أن تقوم به وسائل الإعلام.

وبحسب رصد (أكيد)، فإنَّ منصَّات التَّواصل الاجتماعي قامت بدور كبير، وحقَّقت هدفًا نبيلًا لصالح المجتمع والرَّأي العام، وهذا مؤشر يدل على أنَّ لهذه المنصَّات تأثيرًا كبيرًا لو تمَّ استغلال وجودها لخدمة الهدف النَّبيل الذي تقوم عليه الصِّحافة والابتعاد عن نشر الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية بشكل يومي.   

ويرى (أكيد) انَّ منشور الطَّراونة نموذج يستحق أن يُدرَّس في الصِّحافة والإعلام ولكلِّ من يرغب بالنَّشر على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، دون أن يكون جزءًا من الأخبار الزائفة، وانتهاك كرامة الإنسان، والإساءة للآخرين بالتَّنمر والكراهية، والابتعاد عن الشَّعبويات والبحث عن الاعجاب وزيادة المشاهدات على حساب القضايا العامة الإنسانية، والبحث عن نقل الواقع لا زيادة المعجبين.