حين يتحول استعراض التفاصيل الدقيقة للوقائع الجرمية إلى وسيلة لاستدراج المشاهدات

  • 2022-12-10
  • 12

عمّان 11 كانون الأول (أكيد)– تنشر وسيلة إعلام محلية أخبارًا يلجأ معدّها إلى تقديمها  كفيديوهات وبثّها عبر موقع تيك توك، وينقل خلالها قصصًا مستمدّة مباشرة من قرارات قضائية صدرت بحق متّهمين، وتحمل سردًا لتفاصيل وتوصيفات وأساليب جرمية ارتبطت بهذه القضايا، ويمكن الاستدلال من خلالها على المتّهمين والضحايا في المحيط القريب منهم، دون مراعاة أن من واجب الصحفي الابتعاد عن الإثارة في نشر الجرائم والفضائح والالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع.

تروّج المقاطع المصورة المعروضة لما تنشره الوسيلة الإعلامية المرصودة، وتتناقله وسائل إعلام أخرى، على أنه "محتوى إعلامي يهدف للتوعية والإرشاد"، ويتناول "قضايا مجتمعية واقعية نظرتها محاكم مختلفة في المملكة".

تابع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) المحتوى الذي يُقدّم عبر عدد من هذه الفيديوهات، ويسجّل بصدد المخالفات الأخلاقية والمهنية فيها الملاحظات التالية:

أولًا: إن تقديم المحتوى المعروض على أنه "قضايا مجتمعية واقعية"، هو وصف مضلّل لأن الأمر يتعلق بسرد قضايا جرمية محدّدة نظرتها المحاكم لا أكثر ولا أقل، لا بل تتميز هذه القضايا بأن أكثرها تكرارًا ذات محتوى جنسي؛ مرة اغتصاب، ومرة هتك عرض، ومرة مداعبة منافية للحياء، وهكذا، وهي لا تمثل شكلًا من القراءات أو من التحليل الاجتماعي أو النفسي أو حتى الأمني لعناوين القضايا المعروضة.

ثانيًا: إن وصف المحتوى المقدّم بأنه "توعوي" يفتقر للدقة تمامًا وحتى وإن اختُتِمت بعض الحلقات أحيانًا بدعوة الناس للحذر. ففي جناية هتك عرض لطفلة جاء في الحلقة أنها عشقت زوج خالتها، اختتم المقدّم الحلقة بقوله "بدها ديرة بال".

وفي جناية هتك عرض أخرى لفتاة عشرينية من قبل معلمها للدروس الخصوصية، ينصح مقدم الحلقة الأهل بعدم ترك الفتاة لوحدها معه وحضور والدها أو والدتها معه. وفاته على الأقل أن يشيد بشجاعة البنت التي أخبرنا أنها نهضت وقالت للمعلم "اطلع برّا" بعد أن مدّ يده على جسدها، وأخبرت والدتها بما حصل معها، ثم أخبرت خطيبها بذلك، وهكذا تمت الشكوى والملاحقة، ونال المتحرش جزاءه.

ولئن كان هذا هو حدود التوعية الذي تُبشّر بها هذه الحلقات، فكأنما تعترف الأخيرة ضمنًا بالفضل للمجرم الذي  وفّر هذه السرديات لوقائع جرمية يُعاقب فاعلها بتنفيذ أحكام قضائية، لأنها إخراج للحالة الجرمية الراشحة من قرارات المحاكم، وتعير كل اهتمامها لـ "الواقعة الجرمية والأسلوب الجرمي"، في حين أن الصحفيين مطالبون بموجب ميثاق الشرف الصحفي بعدم نشر الأعمال التي تثير نزعة الشهوانية أو تشجع على الرذيلة أو الجريمة أو إثارة المشاعر المريضة التي يكون نشرها مخالفًا لقيم المجتمع وأخلاقياته.

ثالثًا: وفيما يتعلق بـ "الإرشاد"، أظهرت المواد المنشورة والمتناقلة خلو المحتوى من الإرشاد الإيجابي والاقتصار على الإرشاد نحو الأساليب الجرمية المتبعة في تنفيذ الجرائم، بذكر تفاصيل ترتبط بالجنس والإناث والسلوكات ذات الطابع العدواني والشهواني ما يدغدغ مشاعر ذوي النفوس الضعيفة الذين قد يتّجهون نحو تقليد هذه الأفعال كوسيلة لإثبات الوجود. 

ويرى (أكيد) أنه كان من الأجدر بالوسيلة الإعلامية استغلال وجود قوالب صحفية تنقل من خلالها مادة توعوية إرشادية مفيدة بتفاصيل جذابة لا تجعل من استثمار وقائع العنف والجنس والتحرش هدفًا قائمًا بحد ذاتها لجذب المشاهدات، وتوعية الجمهور من خلال الشواهد الإيجابية في القصص، خصوصًا أن وسائل إعلام محلية وعربية تنقل ما يرد في هذه القصص نقلًا حرفيًا دون تدقيق أو مراجعة للمحتوى.