في مساءلة (أكيد) لوسائل الإعلام المحلية للعام 2022

  • 2021-12-31
  • 12

عمان 27 كانون الثاني (أكيد)- سوسن أبو السُّندس- في قراءةٍ متأنيةٍ لحصاد العام 2022 وأهم ما تم التطرق له من مخالفات لوسائل الإعلام المحليّة، وفي عملية أشبه ما تكون بجرد حساب لعامٍ كان مليئًا بالأحداث كما التجاوزات، فقد تنوّعت المخالفات وتعدّدت إلا أنّها بالمجمل تركزت حول نوعين اثنين كانا الأكثر بروزًا خلال عملية الرصد، وهما تغطية الجرائم بهدف تقديم سرديات لجلب أكبرعدد من المشاهدات، وتصوير الضحايا (خصوصًا الأطفال) دون قيود.

شكلت مخالفات التصوير ونقل مقاطع الفيديو ما نسبته 32 بالمئة من المخالفات المهنيّة المرصودة خلال العام الماضي، حيث لم تأخذ بعض وسائل الإعلام الحذر الواجب في نشر صور الضحايا من الأطفال، لا سيما من كانوا في حالة من الضعف أو الاحتياج، وعمدت تلك الوسائل إلى إظهار ملامح الضحايا بطريقة واضحة يمكن التعرف عليها، الأمر الذي قد يُعرّضهم للإساءات من قبل المجتمع المحيط بهم.

وقد تعدى الأمر إلى نشر عدد من المشاهد القاسية الناتجة عن بعض الحوادث أو المشاجرات،  والتي كان لها نصيب من التغطيّة الإعلاميّة  التي غابت عنها الضوابط المهنيّة، حيث أنّ نقل المشاهد التي تحتوي على عنف قد  يترك أثرًا نفسيًّا بعيد المدى على المُصاب وذويه وعلى جمهور المتلقين.

وقد وصل بعض تلك التجاوزات حد  انتهاك حرمة الموتى وتصويرهم واختراق خصوصية ذويهم، دون مبالاة بالقواعد العامّة التي تنص على عدم جواز تصوير الجنائز أو نشر وقائعها، لأنّها تمسّ مشاعر أهل الميّت. ورغم أنّ الجنائز تجمّعات عامّة إلّا أنّها تُعامَل معاملة المناسبات الخاصّة. وفي حال كانت الجنائز لشخصيّات رسميّة أو عامّة أو من في حكمها، فيجوز نقل الوقائع لكن ضمن محاذير تحترم كرامة الميت، وعدم إظهار صورة الجثمان، أو حالات الحزن الشديد بين الحضور.

في الوقت نفسه، اتجهت 22 بالمئة من المخالفات المهنيّة المرصودة للعام 2022  إلى  مواضيع تتعلق بتغطية الجرائم، إذ تأخذ تغطية أخبار الجرائم حيزًا واسعًا من اهتمام وسائل الإعلام  المحلية لما تحققه من أعداد كبيرة من القراءات والمشاهدات، إلا أن كثيرًا من تلك التغطيات يكون على حساب المهنيّة وأخلاقيات العمل الصحفي من خلال استعراض تفاصيل الجرائم أو التهويل لاستدراج المشاهدات.

ومما لا شك فيه، فإنّ التغطية الإعلامية المهنيّة للجرائم قد تفضي إلى منافع جمة تأتي من منطلق التوعية والاستفادة حتى لا يقع المواطن فريسة سهلة أمام الجناة، إلا أنّ التغطيات الإعلامية التي لا تراعي الأبعاد المهنية والأخلاقية قد تفضي إلى نتائج عكسيّة، وتُسهم، سواء بقصد أو دون قصد، في نشر أساليب جُرمية متعددة، من خلال تقديم وصف تفصيلي للجرائم، ولأداة الجريمة، هذا عدا عن نشر المضامين التي تنطوي على أعمال وحشية أوعدوانية أوعنف جسدي.

 

ومن زاوية أخرى، قسّم مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد)، بالعودة إلى معاييره، ما تم رصده خلال العام 2022 من مخالفات مهنيّة وأخلاقيّة وقانونيّة، بالإضافة إلى رصد المحتوى غير الدقيق والتغطيات غير المعمّقة، دون إغفال رصد الممارسات الفضلى خلال العام.

 

 

تصدّرت المخالفات المهنيّة لوسائل الإعلام مجمل المخالفات، وسجّلت ما نسبته 45 بالمئة منها، وتمثّلت بتجاوزات منها: غياب التوازن والشمول، غياب الحياد والموضوعية، والتسرّع بالنشر وما يتعلق به من إصدار إحكام مُسبقة أو التشهير ببعض الشخصيات، بالإضافة إلى انتهاك الخصوصية، والمبالغة في نشر أحداث الجرائم والتصوير دون قيود.

أما النشر غير الدقيق، فقد شكلّ ما نسبته 20 بالمئة من إجمالي المخالفات المرصودة، واشتمل على محتويات غيرصحيحة، ومحتويات زائفة، ومنها ما اشتمل على محتويات مضلّلة والنقل دون تحقق.

وبلغت نسبة المخالفات الأخلاقيّة 15 بالمئة، حيث احتوت على خطاب كراهية أو تحريص على العنف، إضافة إلى نشر صور نمطيّة وتنمّر إلكتروني. أمّا المخالفات القانونيّة، فقد بلغت 8 بالمئة، وتمثلت بـالتحريض على أفعال مُجرّمة بالقانون، وعدم الالتزام بحظر النشر، وفي بعض الأحيان قامت وسائل إعلام بإدانة متهم أو إعلان براءته دون صدور حكم قضائي واضح، إضافة إلى نشر وثائق سريّة، والتغاضي عن نشر إعلانات تنطوي على مخالفة قانونيّة.

رافق مرصد (أكيد) وسائل الإعلام في التغطيات التي شغلت الرأي العام وكانت نتيجة الرصد تتجه إلى غياب التغطيات المعمّقة التي تقدم  مواد توعوية  أو تجيب عن الأسئلة الضرورية، وقد شكل غياب التغطيات المعمقة ما نسبته 6 بالمئة من المخالفات السنويّة المرصودة.

وفي هذا الإطار، حري بنا أن ننوه إلى أنّ مرصد (أكيد) يسعى لتحقيق أكبر قدر من المصداقيّة ورفع درجة المهنيّة الصحافية للممارسين والمهتمين بالشأن الصحافي، إذ إن وجود المخالفات في بعض القضايا لا ينفي قيام عدد من وسائل الإعلام بدورها بشكل إيجابي عن طريق حوكمة ما يصدر عنها من معلومات منقولة للجمهور، وتفنيد المعلومات الخاطئة والزَّائفة، وتقديم الصحيح منها، إضافة إلى احترام حق الرد، وأحيانًا تقديم اعتذار لجمهور المتلقين إن لزم الأمر، وتصحيح معلومات مغلوطة.

خلاصات حول أداء وسائل الإعلام للعام 2022:

  • اتجهت وسائل الإعلام لإظهار آراء القوى الفاعلة في تغطيتها لبعض المواضيع بشكل بارز، ويقصد بالقوى الفاعلة الأشخاص والمؤسسات الذين يتبنّون سياسات أو مواقف معينّة ويُفسح لهم المجال واسعًا عبر وسائل الإعلام لإبراز آرائهم وسياسات مؤسساتهم، وعلى ذك يحتل أصوات السِّياسيين الفضاء الإعلامي على حساب صوت أصحاب المصلحة والخبراء في القضايا المجتمعية، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على معياري الشمول والتعددية خلال التغطيات المعمقة.
  • الخلط بين الأخبار التي تهم المجتمع، والآراء التي تمثل رأي أصحابها، وقد تكون تلك الآراء التي تُنقل على أنها أخبار، هي مجرد دعاية سياسية مضللة يسعى أصحابها لزيادة شعبيتهم أو لكسب القبول بين جمهور المتلقين، وفي بعض الأحيان تكون الأخبار عبارة عن دعاية استثمارية تضلل الجمهور لغايات ربحية.
  • غياب الرؤية النقدية، والذي اتّضح  من خلال إعادة إنتاج تقارير إخبارية تستند إلى نتائج دراسات وأبحاث أو توقعات لبعض الخبراء، حيث تقدم تلك التقارير للجمهور دون أي تحقق أو تثبت من قابلية تطبيقها على القضية محل الدراسة أو البحث، ودون إلقاء الضوء على حقيقة الأمر، كي يتسنى لجمهور المتلقين فهم  أبعاد تلك النتائج.
  • سمحت بعض وسائل الإعلام عبر منصاتها بتمريرمحتوى غير لائق، ولا يراعي قيم الأسرة لدى جمهور المتلقين، إضافة إلى تمرير بعض المعلومات دون تحقق، خصوصًا تلك التي تتعلق بقضايا العوز والحاجة، ما أدى إلى ابتعاد تلك الوسائل عن دورها المفترض في تقديم المعلومات الحقيقية.
  • انحياز في التغطيات الإعلامية لمواضيع على حساب أخرى قد تهم الجمهور مثل المواضيع العلمية والثَّقافية، فقد لوحظ انحيازلأخبارالغناء (على سبيل المثال) وضعف شديد في تغطية باقي الفنون، كما لوحظ أنّ هناك انحيازًا واضحًا في تغطية أخبار بعض الأحزاب السياسية على حساب غيرها.
  • اتجهت بعض وسائل الإعلام إلى تغطيات سطحيّة لمواضيع مهمة، بحيث اكتفت بنشر أخبار أوليّة، دون تغطيات معمّقة تشتمل على عناصر التوعية والمتابعة للأحداث،   الأمر الذي يعدّ تقصيرًا في قضايا الشؤون العامة، علاوة على قلة نشر التَّحقيقات الاستقصائية، وقد يعود ذلك إلى غياب التخصص الصحافي الدقيق.