52% منه إعادة تدوير لتقارير قديمة: تحقيق صحفي عن القطاع الصحي الحكومي يصف الحاضر بمشاهدات الماضي

52% منه إعادة تدوير لتقارير قديمة: تحقيق صحفي عن القطاع الصحي الحكومي يصف الحاضر بمشاهدات الماضي

  • 2015-09-01
  • 12

نشرت "الدستور" يوم 20 آب (أغسطس) الماضي "تحقيقا"[1] عن المستشفيات والمراكز الصحية في الشمال، أنجزه مندوبوها في إربد والرمثا وجرش. ونوّهت به الصحيفة على صدر صفحتها الأولى، فكتبت إنها "تفتح ملف المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية". لكن مطالعة التحقيق تكشف أن ما فُتح لم يكن "ملف" المؤسسات الصحية في الشمال، بل "دفاترها" العتيقة، ذلك أن أكثر من نصف التحقيق الذي أفردت له صفحتان، كان تجميعا لأجزاء من تقارير قديمة، بعضها يعود تاريخه إلى العام 2009، وكان من بينها تحقيق مشابه، أجرته صحيفة الخليج الإماراتية قبل سنتين، عن واقع المؤسسات الصحية في الإمارات العربية المتحدة.

في هذا التحقيق، استعيدت تصريحات[2]، عن مستوى الخدمات في مستشفى الرمثا، كان أدلى بها لـ"الدستور"، الدكتور محمد الغزاوي، عندما كان مديرا للمستشفى قبل ست سنوات. وقد أعاد التحقيق الجديد إيراد التصريحات ذاتها حرفيا، لكن منسوبة إلى مدير المستشفى الحالي، الدكتور يوسف الطاهات.

1
"الدستور"، 1/7/2009
"الدستور"، 20/8/2015

كما أعيد استخدام إفادات أخرى لمواطنين، أدلوا بها قبل سنوات لوسائل إعلام في تقارير مشابهة. بعض هؤلاء المواطنين احتفظ باسمه، مثل منى البطاينة وسامي دويري وعلا طلافحة[3]، الذين رووا لـ"الدستور" العام 2009 عن تجاربهم مع مستشفى الأميرة بسمة في إربد. في حين حصل البعض الآخر على أسماء جديدة، مثل فتحي البشابشة وقاسم الذيابات، اللذين وردا في تقرير[4] لـ"بترا" عن مستشفى الرمثا، العام 2012، وأصبحا في التحقيق الجديد جلال البشابشة وخلدون الذيابات.

"الدستور"، 28/6/2009
"الدستور"، 20/8/2015

في التحقيق، الذي كرر في ثلاثة مواضع منه أن المعلومات التي تضمّنها كانت حصيلة جولات ميدانية، شكّلت المادة المعاد نشرها 52% من مجمله، وقد تضمّن بعض أجزائها حقائق وأرقام، بعضها، بحسب وزارة الصحة، ليس مطابقا للواقع، أو لم يعد كذلك.

ومن ذلك ما ذكره التحقيق من أن نسبة نقص الكوادر الصحية في المستشفيات الحكومية تتراوح ما بين 30-40%. وقد وردت هذه المعلومة المنسوبة إلى "مصدر حكومي مطلّع" في فقرة منسوخة عن تقرير[5] لصحيفة "الغد"، نُشر يوم 12 شباط (فبراير) الماضي، كانت وردت هي نفسها في تحقيق[6] أجرته صحيفة الخليج الإماراتية، عن واقع المؤسسات الصحية في الإمارات، ونُشر يوم 14 آب (أغسطس) 2013.

"الخليج"، 14/8/2013
"الغد"، 12/2/2015
الدستور، 20/8/2015

وفيما لم يشر التحقيق إلى طبيعة "المصدر الحكومي المطلع"، فإن الناطق الإعلامي لوزارة الصحة، حاتم الأزرعي، نفى هذه الأرقام، ووصفها، في اتصال هاتفي مع (أكيد)، بأنها "مضللة". وقال إن نقص الكوادر الطبية في المستشفيات الحكومية هو وضع معقد ومتغير، بحيث أن اختزاله في رقم عام محدد "غير دقيق، ومضلل للناس". وفق الأزرعي فإنه إضافة إلى أن النقص يتفاوت بحسب الاختصاصات والمستشفيات والمحافظات، فإنه متغير حتى في الفترة الزمنية الواحدة، إذ قد يقابل النقص في موقع ما، زيادة في موقع آخر، فتُجرى، بحسبه، عملية تحريك للكوادر، بحسب الحاجة.

أيضا، من بين "الحقائق" التي تضمنتها أجزاء منسوخة من تقارير قديمة، شكوى منقولة عن عاملين في مختبرات العيادات الخارجية لمستشفى الأميرة بسمة التعليمي في إربد، يشكون فيها من ضعف كفاءة الأجهزة قياساً بضغط المراجعين. ويذكرون أنه عند افتتاح هذه المختبرات، كانت هناك "وعود" من وزارة الصحة بتزويدها بأجهزة لكن هذه الوعود بحسب التحقيق "تبخرت".

هذه الشكوى أوردها التحقيق في فقرة منسوخة حرفيا من تحقيق[7]، كانت "الدستور" نشرته العام 2009، عن المؤسسات الصحية الحكومية في الشمال. لكن بحسب ردّ مكتوب أرسلته  وزارة الصحة لـ(أكيد)، ردّا على استفسار بخصوص هذه القضية،  فقد حُدّثت مختبرات العيادات الخارجية لمستشفى الأميرة بسمة، منذ العام 2009 بـ"العديد من الأجهزة"، التي ذكر الردّ، من بينها، أسماء 7 أجهزة.

ولأن التحقيق اكتفى باستعادة شكوى عمرها 6 سنوات، فإنه ليس واضحا للجمهور الواقع الحالي للمختبرات. ولا كفاءة إجراءات التحديث التي قامت بها وزارة الصحة، وإن كانت قد حلّت مشكلتها أم لا.

"الدستور"، 20/8/2015
"الدستور"، 28/6/2009

في السياق نفسه، أورد التحقيق مطالبة مراجعين لمستشفى الرمثا وزارة الصحة بـ"تفعيل" اتقاقية كانت وُقّعتها الوزارة مع كلية الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا، العام 2008، وتخصّ التعاون بين مستشفى الرمثا وجامعة العلوم والتكنولوجيا. هذه المطالبة تضمنتها فقرة منسوخة من تقرير[8]، نشرته "بترا" العام 2012، تحدث عن ضعف الخدمات في مستشفى الرمثا، وكان محوره الأساسي هو المطالبة بتفعيل هذه الاتفاقية، المتوقع حينها أن ترفع من سوية الخدمات. وفق ردّ وزارة الصحة السابق الذكر، فإن هذه الاتفاقية هي في واقع الحال مفعّلة، إذ يغطّي أطباء من جامعة العلوم والتكنولوجيا عيادات في مستشفى الرمثا، ويجرون بعض العمليات الجراحية. في حين يدرّس بعض أخصائيي مستشفى الرمثا طلبة الطب في "العلوم والتكنولوجيا" في المستشفى. إضافة إلى إلحاق كوادر من مستشفى الرمثا بدورات فنية وإدارية في مستشفى الملك المؤسس. وتدريب كوادر أخرى على أجهزة طبية متخصصة.

والمفارقة هي أن التحقيق نفسه، ورغم أنه نقل المطالبة بتفعيل هذه الاتفاقية، إلا أنه نقل في موضع آخر منه ما يُفهم منه أنها مفعّلة، إذ نقل عن مدير مستشفى الرمثا تنويهه بالاتفاقية التي "فعّلت أقسام المستشفى طبيّا".

ما سبق هو نماذج لمعلومات محددة، تضمنتها الأجزاء المجمعة من تقارير قديمة، وأمكن إثبات أنها لم تعد ممثلة للواقع، لكن يظل جزء كبير من المعلومات والأحكام وشكاوى الناس التي نُسخت في هذا التحقيق من تقارير قديمة، عصيّ على التحقق، بسبب عدم وجود أي طرف خيط، يمكن تتبعه للتثبت من كونها ما زالت مطابقة للواقع أم لا، فهذه الشكاوى تتحدث عن أشياء مبهمة، وهي منسوبة لمصادر مبهمة.

مثلا، ينقل التحقيق شكوى "أحد أطباء الاختصاص" من أنه يعاين يوميا 120 مريضا. ولا يستطيع بذلك أن يخصص لكل مريض أكثر من ثلاث دقائق. لكن التحقيق لم يذكر في أي عيادة اختصاص، وفي أي مستشفى، أو حتى محافظة، يحدث ذلك. ليمكن التأكد من مطابقة المعلومة للواقع الحالي. علما بأن هذه الشكوى تتضمنها فقرة منقولة عن تقرير[9] لـ"الغد"، نُشر العام 2010، يتحدث عن الاكتظاظ ونقص الكوادر الطبية في مستشفى الزرقاء. لكن تحقيق "الدستور"، حذف اسم المستشفى.

مثال آخر، ينقل التقرير شكوى من"نقص حاد بأدوية الأمراض المزمنة"، وأن "بعض المرضى" ينتظرون منذ شهر وصول هذه الأدوية إلى الصيدليات، هذه الشكوى المنسوبة إلى مصدر مبهم هو "مراجعون"، لا تحدد، لا الأمراض المزمنة التي انقطعت أدويتها، ولا أسماء هذه الأدوية، ولا المستشفيات والمراكز الصحية التي انقطعت منها، ليمكن تتبّع المعلومة. علما بأن التقرير الأصلي[10] الذي نُسخت منه هذه الشكوى، ونشره موقع"المقر" قبل ثمانية أشهر، حدد أسماء لمؤسسات صحية وأمراض قال إن أدويتها انقطعت، لكن تحقيق "الدستور" حذفها أيضا.

لقد ناقش تقرير سابق لـ(أكيد) ممارسة إعادة نشر الصحفيين لتغطيات قديمة، وتصديرها إلى الجمهور بوصفها تغطيات جديدة، ولفت إلى أن هذه الممارسة تنطوي على  تضليل للجمهور، لأن المادة الصحفية التي أُنجزت في زمان ومكان ومعينين، تنقل صورة الواقع في ذلك الزمان والمكان، وإعادة نشرها بوصفها تغطية جديدة، هو تزييف لوعي الجمهور بهذا الواقع، وإخلال بأحد أدوار الإعلام وهو أن يكون ناقلا صادقا لحركة المجتمع، وأداة مراقبة وكشف ومحاسبة لأداء المؤسسات في هذا المجتمع.

للاطلاع على تفاصيل التي استند إليها تقريرنا، الرجاء زيارة الرابط التالي: (اضغط هنا)
[1] "اكتظاظ بالمراجعين ونقص في الكوادر الطبية والأدوية في المستشفيات والمراكز الحكومية"، "الدستور"، 20/8/2015.
[2] "شكاوى حول تردي الأوضاع داخل مستشفى الرمثا"، "الدستور"، 1/7/2009.
[3] "مستشفيات إقليم الشمال.. ضغط بالمراجعين ونقص في الأطباء وأجهزة لا تناسب حجم العمل"، "الدستور"، 28/6/2009.
[4] "أبناء الرمثا يطالبون برفع مستوى الخدمات في مستشفى الرمثا"، "بترا"، 14/5/2012.
[5] "مصدر: 40% نقص الأطباء في المستشفيات الحكومية"، "الغد"، 12/2/2015.
[6] "نقص الكوادر الطبية في المنشآت الصحية مشكلة تحتاج إلى حل"، "الخليج"، 14/8/2013.
[7] "مستشفيات إقليم الشمال.. ضغط بالمراجعين ونقص في الأطباء وأجهزة لا تناسب العمل"، "الدستور"، 28/6/2009.
[8] "أبناء الرمثا يطالبون برفع مستوى الخدمات في مستشفى الرمثا"، "بترا"، 14/5/2012.
[9] "مستشفى الزرقاء الحكومي: اكتظاظ بالمراجعين ونقص في الكوادر الطبية"، "الغد"، 30/10/2010. رابط التقرير يقود إلى نسخة إلكترونية منشورة في موقع "زاد الأردن"، إذ لم يمكن العثور على التقرير في الموقع الإلكتروني للغد.
[10] "مراجعون للمقر: نقص حاد بأدوية الأمراض المزمنة في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة"، 19/1/2015.