اقتحام المؤسسات العامة.. تغطية وسائل الإعلام تشجع الاستقواء على القانون

اقتحام المؤسسات العامة.. تغطية وسائل الإعلام تشجع الاستقواء على القانون

  • 2015-06-30
  • 12

يوم 20 حزيران (يونيو) الجاري تناقلت صحف ومواقع إخبارية خبر مهاجمة مواطنين في مدينة عنجرة، مبنى البلدية وإغلاق مدخله بالطوب احتجاجا على ما نقلت أنه "تردي الخدمات" وسوء توزيعها في البلدة التابعة لمحافظة عجلون، وهي الخدمات المتعلقة بالتحديد بالنظافة، والبنية التحتية للشوارع. ونقلت هذه الوسائل عن المحتجين أنهم سيشكلون "لجانا شعبية" تدير الخدمات، بدلا من مجلس البلدية الذي سيطلبون من أعضائه تقديم استقالاتهم.

وبعد أقل من يوم على بثّ الخبر، نقلت وسائل إعلام أن مبنى البلدية أُعيد فتحه، بعد مباحثات قادها محافظ عجلون مع رئيس البلدية، ووجهاء المدينة والمحتجين، أسفرت عن "تشكيل لجان لدراسة واقع الخدمات المقدمة [و] التأكد من توزيع خدمات البلدية بكل عدل وإنصاف".

من خلال التغطيات السابقة لخبر اقتحام مبنى البلدية وإغلاقه،  نلاحظ عدم وجود أي إشارة إلى أن فعل اقتحام هذا المرفق العام، وإغلاقه، ومنع موظفيه من دخوله، يشكل انتهاكا للقانون. كما لم تشر التغطيات إلى أن إجراءات قانونية اتُخذت أو ستتخذ بحق المهاجمين. بل على العكس من ذلك، غطّت فعل الاقتحام بطريقة تميل إلى "تسويغه" أكثر من إدانته، وذلك عندما ركّزت على رواية المحتجين، وأغفلت تغطية رواية الطرف الآخر، وهو رئيس البلدية وأعضائها. ورغم أنها دعمت شكوى المحتجين بتصريحات لوزير البلديات، أطلقها في زيارة سابقة للمنطقة وأقر فيها بتردي خدمات النظافة والبنية التحتية للشوارع، ووعد بتحسينها. لكنها تصريحات دعمت جزءا من رواية المحتجين، وهو الجزء المتعلق بسوء الخدمات، وبقي جزء أساسي يتعلق بالاتهام بعدم عدالة توزيعها كان بحاجة إلى ردّ من البلدية.

كما تعاملت هذه التغطيات مع فعل الاقتحام كما لو أنه فعل احتجاج مشروع، فنشرت صور مقتحمي المبنى بوجوههم المشكوفة، كما تفعل في العادة مع صور الاعتصامات السلمية. حيث إن هناك فرقا قانونيا بين اقتحام المؤسسات بالقوة والاعتصامات السلمية التي هي حق قد كفله القانون، إذ تشير اللوائح القانونية إلى أن الاحتجاج هو " وسيلة الضعفاء للتأثير في السلطة الحاكمة. وهو يكمل وسائل أخرى للتأثير، مثل الأحزاب، والمرافعة القضائية في المحاكم، وغيرها"[1]، وكذلك فإن للمواطن الحق في التعبير عن مطالبه من خلال الاعتصام، وهو " إضراب أو احتجاج، يجلس الأشخاص أثناءه  في مكان معين، ويرفضون مغادرته إلا عندما تتحقق مطالبهم"[2]. وقد تتطور حالات الاحتجاج إلى ما هو أكبر من ذلك، فيقوم المواطنون بالعصيان المدني، وهو " رفض الانصياع إلى أوامر حكومية، باستخدام وسائل سلمية، تكون في العادة جماعية، وذلك لحمل الحكومة على تقديم تنازلات"[3]. وكل تلك الأعمال المشروعة لا تسمح باستخدام القوة في اقتحام مؤسسات عامة والاستيلاء عليها، ومنع موظفيها من العمل.

وفي تغطيتها اللقاءات التي أجريت مع المحتجين، وأسفرت عن إعادة فتح مبنى البلدية لم تثر أي تساؤلات بخصوص مشروعية هذه "المفاوضات". بل إن إحدى التغطيات وصفت هذه اللقاءات بأنها تعبير عن "استخدام لغة الحوار بين جميع الأطراف". وفي المحصلة كان هناك رسالة  جعلت العنف يبدو وسيلة فعالة لنيل الحقوق.

لم تكن الحادثة السابقة حادثة التعدي الأولى على مرفق عام في سياق الاحتجاج، ولم يكن "التطبيع" الذي مارسته التغطيات السابقة مع هذا الفعل استثناء.  لقد غطّت وسائل الإعلام حوادث مشابهة، تعامل الإعلام مع بعضها بالطريقة ذاتها.

ففي عجلون نفسها، نقلت وسائل إعلام قبل ثلاث سنوات، حادثة مطابقة، أغلق فيها عمال وطن في بلدية كفرنجة، كانوا عينوا خارج إطار الموازنة، مدخل المبنى بالطوب "بعد أن أخرجوا الموظفين ومنعوا المراجعين من دخولها احتجاجا على عدم تثبيتهم في وظائفهم". ونُقل عنهم تهديدهم بـ"إحراق البلدية وإتلاف ما فيها إذا لم تستجب الوزارة لمطالبهم"، وهي تهديدات اضطرت، كما قالت إحدى التغطيات، مسؤولي البلدية إلى "إغلاق مبنى البلدية والسماح للموظفين بمغادرتها، حرصا على سلامتهم، وحفاظا على محتويات البلدية من ملفات وسجلات". بل إن إحدى التغطيات، التي نشرت صورا  لهؤلاء العمال أثناء قيامهم بإغلاق مدخل البلدية، قالت إنهم حاولوا فعلا إحراقها.

وكما في حادثة بلدية عنجرة، لم يكن هناك أي إشارة إلى أن إجراءات قانونية ستُتخذ، ولم تنقل تغطيات لاحقة أن إجراءات قانونية اتُخذت. ولم يثر الإعلام تساؤلات بخصوص عدم اتخاذ إجراءات قانونية. بل على النقيض من ذلك، أشارت إحدى التغطيات إلى محاولة لإنهاء الأزمة خارج إطار القانون من قبل، فأشارت إلى محاولة "عدد من وجهاء البلدة بطلب من متصرف لواء كفرنجة (...) التدخل لثني العاملين عن الاستمرار بإغلاق البلدية إلا أن العاملين رفضوا الاستجابة لحين تلبية جميع مطالبهم".

في السياق نفسه، نقلت وسائل إعلام الأسبوع الماضي، خبر "اقتحام" مزارعين مبنى وزارة الزراعة احتجاجا على أسس جديدة أقرتها الوزارة، وقننت بموجبها منح تصاريح العمالة الوافدة، في خطوة تهدف، بحسب الوزارة، إلى الحدّ من ظاهرة تجارة تصاريح العمال الزراعيين الذين يتسربون إلى قطاعات عمل أخرى.

هذه الواقعة غطّتها بعض الوسائل بوصفها اعتصاما، وحققت نوعا من التوازن في عرض وجهتي النظر. لكن أغلبية وسائل الإعلام التي تناولت الحادثة، وصفتها بـ"الاقتحام"، وهو الوصف الذي تثبت دقته عند النظر في الصور المرفقة بالتغطيات، وتظهر إحداها المحتجين يتدافعون على درج داخلي في مبنى الوزارة، وتظهرهم أخرى يحاولون الدخول إلى أحد المكاتب، في حين يمنعهم رجل أمن من ذلك.

كما في الحوادث السابقة، لم تتضمن تغطيات "الاقتحام" أي إشارة إلى أن هذا الفعل يشكل انتهاكا للقانون، ولا إشارة إلى إجراءات قانونية اتُخذت. بل تضمنت ما يفيد بفعالية هذا الأسلوب في تحقيق المطالب، ورخاوة في ردة الفعل علية، إذ نقلت تغطية عن وزير الزراعة "عتبه على المزارعين لاقتحامهم مبنى الوزارة"، ووعده "دراسة إمكانية تأجيل تنفيذ الأسس حتى انتهاء شهر رمضان". ونقلت تغطية أخرى عن الوزير وعده المزارعين "إعادة النظر في بعض نقاط القرار". ونقلت تغطية ثالثة أن "المحتجين أنهوا اعتصامهم أمام مبنى الوزارة بعد أن قام وزير الزراعة بالتراجع عن قراره السابق". وقد تضمنت بعض العناوين هذه الرسالة، إذ جاء عنوان إحدى التغطيات بالقول: "الزراعة تعيد دراسة منح تصاريح العمل بعد اقتحام مزارعين لمبناها"، و"محتجون على العمالة الوافدة يقتحمون مبنى وزارة الزراعة في عمان ويغلقون طريق الجامعة والدرك يتدخل والوزير يتراجع"، و"نواب يتدخلون لتهدئة مزارعي المفرق الذين اقتحموا وزارة الزراعة".

وقد شهد الشهر الماضي حوادث مشابهة، عندما اقتحم موظفو جامعتين، هما البلقاء التطبيقية ومؤتة، مكتبي الرئاسة فيهما، على خلفية مطالبات عمالية، ونقلت وسائل إعلام خبر اقتحام مكتب الرئاسة في جامعة آل البيت للدافع ذاته، لكن الجامعة نفت أن يكون ما جرى اقتحاما.

الأخبار الثلاثة تناقلتها وسائل الإعلام خلال 48 ساعة، والتعاطي الإعلامي معها كان متفاوتا، ففي حين قدّمت وسائل إعلام تغطيات بحدّ أدنى من التوازن، عرضت وجهتي نظر الطرفين، الموظفين والجامعات، وطرحت من خلال ذلك وجهة النظر التي تجرم الاحتجاج العنيف، وأشارت إلى إجراءات قانونية اتُخذت للتعامل مع مرتكبيه، فإن تغطيات أخرى، اتبعت أسلوب الترويج لهذا الأسلوب من الاحتجاج، من أمثلتها تغطيات نطقت بلسان المحتجين وحدهم، ونقلت اتهاماتهم للجامعات من دون أن تنقل ردّا عليها. وهناك التغطيات التي تضمنت تبريرا لفعل الاقتحام، كأن يُقال "دفعت الظروف المعيشية الصعبة، والمطالبة بتحسينها، لدى موظفي 3 جامعات حكومية، باقتحام مباني رئاساتهم خلال 48 ساعة".

الاختلال الأساسي في هذه التغطيات يتمثل في أن الإعلام يلعب دورا في تحفيز استقواء الأفراد على القانون، ويبرر لهم انتهاكه، وهو أمر يقود إلى فوضى، يدفعون هم ثمنها، بدلا من أن يعمل على تعزيز مبدأ سيادة القانون، بوصفه الضامن الحقيقي بعيد المدى لمصالح الناس، وبدلا من توعيتهم بأساليب الاحتجاج السلمية القانونية، وبآليات تنظيم جماعي تتيح لهم استثمار هذه الأساليب بفعالية.

[1] http://www.google.jo/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&uact=8&ved=0CCEQFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.adalah.org%2Fuploads%2Foldfiles%2Fnewsletter%2Fara%2Foct04%2Fsadi.doc&ei=uFKSVa7MBYWhgwSu8Y_wCg&usg=AFQjCNGVBPuO5Ip_uxW3fQOfQwGlUkaoww&bvm=bv.96783405,d.cWw

[2] http://www.merriam-webster.com/dictionary/sit-in

[3] http://www.merriam-webster.com/dictionary/civil%20disobedience