اللاجئون السوريون في الصحافة المحلية.. اختلال الأداء المهني يتواصل

اللاجئون السوريون في الصحافة المحلية.. اختلال الأداء المهني يتواصل

  • 2015-12-19
  • 12

أكيد – دلال سلامه

قبل عام تقريبا، نشرنا في "أكيد" تقريرا تفصيلياً رصد التغطية الصحفية المحلية لقضية اللجوء السوري خلال 3 سنوات، منذ بداية الأزمة السورية إلى نهايات العام الماضي. وتتبع التقرير وقتها الموضوعات التي ركّزت عليها هذه التغطية، والصورة التي قدّمتها للاجئين السوريين، والأصوات التي نقلتها، وحضور الفئات المستضعفة وغيرها.

هذا التقرير يرصد الأمر نفسه، لكن من خلال محتوى إخباري ليوم واحد، هو يوم الأربعاء 16 كانون الأول (ديسمبر)، حيث لاحظنا كثافة الأخبار حول القضية ذاتها، وذلك بهدف المقارنة بنتائج التقرير السابق.

بالطبع، لا يمكن لرصد يعتمد المحتوى الإخباري ليوم واحد أن يقدّم صورة شاملة للواقع الحالي، فهو لا يعكس الأداء الكلّي لا لصحيفة بعينها، ولا للمشهد بشكل عام. لكنه رغم ذلك، يوفر، مع تقارير سابقة لـ"أكيد"، مؤشرا أوليا، عن تحوّلات الخطاب الإعلامي تجاه اللاجئين السوريين.

نشرت صحف "الدستور" و"الرأي" و"الغد" والسبيل" في اليوم المذكور 21 مادة إخبارية كانت قضية اللجوء السوري محورها الأساسي، أو جزءا منها. وتراوح حجم هذه المواد بين 45 و1400 كلمة. 9 منها نُشرت في "الرأي"، و8 في "الغد"، في حين نشرت "الدستور" و"السبيل" 3 موادّ لكلّ منها.

اللاجئون ما زالوا بلا وجوه أو أصوات:

أحد أبرز إشكاليات تغطية اللجوء السوري التي كشف عنها التقرير الفتصيلي المشار إليه والمنشور سابقاً، هو أن اللاجئين السوريين كانوا "بلا وجوه وأصوات". فالتغطية لم "تؤنسن" مأساتهم، ولم تتعامل معهم بوصفهم كيانات فردية، أي بشرا بملامح إنسانية واضحة. لقد عرض ما نسبته 7% فقط من المواد الصحفية، في التغطية السابقة، تفاصيل إنسانية من حياة هؤلاء اللاجئين. في حين أن 68% من التغطية اختزلتهم في كلمة واحدة "لاجئون". وفي الـ25% المتبقية، كان هناك نوع من التحديد الذي يكشف الفئة التي ينتمي إليها اللاجئون، فيُقال "أطفال" أو "نساء"، لكن هذا كان أيضا شكلا من أشكال التذويب في جماعة غير محدّدة الملامح.

في عينة اليوم الواحد الحالية، كان هناك من بين الـ21 مادة صحفية، مادة واحدة، بنسبة 5% تقريبا، عرضت ملامح إنسانية محدّدة، هي تقرير "جمعيات لجأت إلى الآبار التجميعية لمساعدة المواطنين واللاجئين"، الذي نُشر في "الرأي"، وعرض شهادات شخصية للاجئين سوريين، نقلت تفاصيل حيّة من معاناتهم مع شحّ المياه.

في 4 مواد، بنسبة 19%، كان هناك شكل أوّليّ من التحديد، فتحدّثت هذه التقارير عن "الأطفال" و"الطلبة السوريين". وفي المقابل كان هناك ما نسبته 76% من المواد الصحفية اختزلت اللاجئين في كتلة مبهمة غير محددة الملامح، واختصرتهم بكلمة "لاجئون".

في السياق نفسه، كان أحد المآخذ على التغطية التي كشف عنها التقرير التفصيلي، هو أن التغطية، في عرضها لضحايا اللجوء، من لاجئين وأبناء مجتمعات محلية مستضيفة، كانت بشكل أساسي تتحدث "عن" الضحايا ولا تسمع "من" الضحايا". لقد حضر صوت اللاجئين السوريين في ما نسبته 9% من تلك التغطية. وحضر صوت أبناء المجتمعات المحلية المستضيفة في ما نسبته 5% فقط. وفي المقابل خُصّصت الأغلبية الساحقة من التغطية لنقل أصوات المسؤولين الحكوميين، محليين وأجانب، ومسؤولي المنظمات العاملة في مجال الإغاثة.

أما عينة اليوم الواحد، فتضمنت في مادة واحدة، بنسبة 5% تقريبا، صوتا للاجئين، في حين تضمنت في 6 مواد، بما نسبته 29% تقريبا، صوتا لأبناء المجتمع المحلي، 5 منها كانت تصريحات لرؤساء بلديات المناطق المتضررة من اللجوء.

واكتفت في المقابل بقية التغطية بتصريحات المسؤولين الحكوميين المحليين والأجانب، ومسؤولي منظمات الإغاثة، مع ملاحظة أن التغطية في التقرير السابق، وفي عينة اليوم الواحد اشتركتا، في أن صوت منظمات الإغاثة نقله رؤساؤها وناطقوها الإعلاميون، لا عاملي الإغاثة الذين هم على تماس مباشر مع اللاجئين.

اللاجئون عبء لا ضحية

لاحظ التقرير التفصيلي السابق تراجع نبرة التعاطف في الخطاب الإعلامي تجاه اللاجئين السوريين، ففي النصف الأول من الرصد الذي شمل ثلاث سنوات ونصف تقريبا من عمر الأزمة السورية، عرضت 58% من المواد الصحفية اللاجئين بوصفهم ضحايا، لكن النسبة انخفضت في النصف الثاني من فترة الرصد إلى 44%.

وقد سجلت عينة اليوم الواحد مزيدا من التراجع في التعاطف مع اللاجئين، فقد تعامل ما نسبته 57% من المواد الصحفية مع اللاجئين بوصفهم محض عبء اقتصادي. في حين تعامل ما نسبته 38% من التغطية معهم بحياد، إذ عرضت هذه المواد تقديم الخدمة إليهم، لكن من دون أنسنة تثير التعاطف معهم بوصفهم ضحايا، لكنها في الوقت نفسه، لم "تشيطنهم" بتصويرهم محض عبء على المجتمع. وكان هناك مادة صحفية واحدة، بنسبة 5%، عرضت الأعباء المترتبة على لجوئهم، لكنها في الوقت نفسه، أثارت التعاطف معهم بوصفهم ضحايا، عندما عرضت قصصهم الشخصية.

تهميش الانعكاسات الاجتماعية والنفسية للجوء

لاحظ التقرير التفصيلي السابق أن الأغلبية الساحقة من تغطية اللجوء انحصرت في تغطية قضايا التعليم، والخدمات المادية مثل الصحة والمياه والسكن والبنية التحتية ومستلزمات المعيشة، وهُمّشت في المقابل تغطية جانبين أساسين للأزمة، هما الاجتماعي والنفسي، اللذين لم يحظيا في التغطية بأكثر من 2% لكليهما، حتى في النصف الثاني من عمر الأزمة، عندما افتُرِض أن الانعكاسات الاجتماعية والنفسية للجوء قد ظهرت إلى السطح، وبدأت تلفت انتباه الإعلام.

في عينة اليوم الواحد، كان هناك مادة واحدة، بنسبة 5%، عرضت لمسألة تقديم الدعم النفسي لأطفال اللاجئين، في حين اقتسمت بقية التغطية قضايا التعليم والبنية التحتية وأخبار عبور اللاجئين إلى المملكة.

شبه غياب للفئات المستضعفة

سجّلت التغطية في التقرير التفصيلي السابق تدني حضور -وفي بعض الحالات شبه غياب- الفئات المستضعفة، من أطفال ومعاقين وكبار سن ونساء. لقد حضر الأطفال في تلك التغطية في 14% تقريبا من المواد الصحفية، تلتهم النساء اللواتي حضرن في 7% تقريبا من التغطيات. أما المعاقين وكبار السن فكانون الأقل حظّا، إذ حضرت الفئتان في ما نسبة أقل من 1% لكلّ منهما في مجمل التغطية.

وقد أشار التقرير السابق إلى أن ضعف حضور الفئات المستضعفة في تغطية اللجوء السوري، ينطوي على تهميش مزدوج، فاللجوء يضع الفرد، أيّا كان، في دائرة الضعف والتهميش، فإذا  كان اللاجئ ينتمي إلى واحدة من الفئات المستضعفة أصلا، ، فإن هذا يعني أنه سيعاني تهميشا مركّبا، يحتّم أن يكون له مكانة خاصة في أي تغطية.

في عينة اليوم الواحد، لم يكن الحال أفضل من السابق، فقد حضر الأطفال في مادتين، بنسبة 10% تقريبا، في حين حضرت النساء في مادة واحدة، بنسبة 5%. ولم يُسجل أي حضور لمسنين أو معاقين.