اللاجئون في الشرق الأوسط: عبء علينا أم إخوة لنا؟

اللاجئون في الشرق الأوسط: عبء علينا أم إخوة لنا؟

  • 2016-06-28
  • 12

نشرت كلية الحقوق في جامعة أكسفورد، تقريراً متخصصاً بعنوان: "عبءٌ أم إخْوَةٌ"، حلل محتوى الخطاب الإعلامي الذي يتناول قضايا وشؤون اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط- وسائل الإعلام اللبنانية نموذجاً. وهو من إعداد الصحفية والباحثة المصرية (*) نوران البحيري، وفيما يلي ترجمة بتصرف لأبرز ما جاء فيه:

جاءت الكثير من الأبحاث التي تحلل أسلوب تغطية وسائل الإعلام لشؤون اللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، من مجتمعات غربية، وركزت على طالبي اللجوء السياسي والمهاجرين واللاجئين القادمين إلى تلك المجتمعات. وهناك ثلاثة محاور رئيسية، تلخص الخطابات الإعلامية القائمة حول اللاجئين في وسائل الإعلام الغربية، وبالتحديد في أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا، وهي: "الجماهير لا صوت لها"، "الفرص الوهمية" و "تهديدات كبيرة للأمن الوطني والهوية". وعلى الرغم من وجود بعض الطروحات الإيجابية في الخطاب الإعلامي، إلا أن وسائل الإعلام تميل إلى التركيز على الصورة السلبية للاجئين بوصفهم (الآخر)، ورسم خط فاصل بين (نحن) و(هم).

يشير المختصون إلى أن إقليم "الشرق الأوسط"، أو بشكل أكثر تحديداً العالم العربي، لديه قواعد مختلفة فيما يتعلق بقضايا اللاجئين. وأن هذه الدول لديها تاريخ مشترك من الروابط الدينية والثقافية، وهي قبل كل شيء تشترك في مفهوم (القومية العربية). وهذه الروابط مجتمعة، توفر رافعة لقيم (الأُخُوَّة)، التي تستخدم هنا في محاولة لتأطير مفهوم تقليدي للأخوة بين الشعوب العربية، ومعرفة كيف استقبلت الحكومات اللاجئين ورحبت بهم وعالجت قضاياهم العالقة، وهو ما كان يفترض أن ينعكس في الخطاب الإعلامي المحلي في الشرق الأوسط أو العالم العربي، عند الحديث عن قضايا وشؤون اللاجئين.

على أية حال، فإن تحليل التغطية الإعلامية الخاصة بشؤون اللاجئين السوريين في لبنان، أثمر نتائج مختلفة إلى حد ما،  وفي هذه المدونة التي أدرجها للنشر، فإنني أعرض نتائج هذا التحليل، وذلك لمقارنتها بنماذج مشابهة في وسائل الإعلام الغربية.

دراسة حالة: السوريون في لبنان

نظراً لسياسة الحدود المفتوحة مع سورية، عبر أكثر من مليون لاجئ سوري إلى لبنان منذ 2011. وهذه الأرقام تعكس فقط أعداد اللاجئين المسجلين رسمياً لدى مفوضية شؤون اللاجئين، يضاف إليهم نصف مليون لاجئ فلسطيني استقروا بالفعل في لبنان، وهو ما جعل هذا البلد الصغير القابع على حوض البحر المتوسط (لبنان)، يستضيف أعلى نسبة –عالمياً- من اللاجئين للفرد الواحد في عام 2014.

يكشف تحليل مضمون التغطية الإعلامية الخاصة بشؤون اللاجئين السوريين في اثنتين من كبريات الصحف الورقية اللبنانية (النهار، السفير)، الكثير من أوجه التشابه في كيفية تمثيل هذه المجموعة في وسائل الإعلام في الدول العربية، حيث يتم الإشارة إلى اللاجئين في وسائل الإعلام اللبنانية على أنهم (خطر) و(عبء)، وفي الوقت ذاته، فقد تركوا دون أن يسمع صوتهم، في ظل ندرة المقابلات التي يجريها الصحفيون معهم، فيما آثر بعض الصحفيين تصوير اللاجئين على أنهم (جماهير)، و(أرقام وإحصاءات)، وهو ما جعل التغطية الصحفية تنصب على تكاليف استضافة اللاجئين.

حسب تحليل المضمون، هناك ثلاثة محاور رئيسية، تلخص نمط تمثيل وتغطية شؤون اللاجئين السوريين في الصحافة اللبنانية:

المحور الأول: فكرة أن "لبنان لا يمكن أن يكون وحيداً"، وتسليط الضوء على العبء الذي جلبه هؤلاء اللاجئون على لبنان بشكل عام، وعلى الاقتصاد بشكل خاص، مع تصوير اللاجئ السوري على أنه سرق فرصة عمل اللبناني، وكان سبباً في زيادة الإنفاق الحكومي، ودفع الشعب اللبناني إلى براثن الفقر، في ظل بنية تحتية هشة وعاجزة. كما ركزت التغطيات على إظهار لبنان كبلد يحتاج المساعدة الدولية ليتمكن من تقاسم عبء استضافة اللاجئين، من خلال تقديم الأموال أو استضافة بعض اللاجئين في دول أخرى. وفي هذا الإطار، تم توجيه اللوم والانتقاد إلى المجتمع الدولي الذي لم يكن موقفه يعكس حجم التحدي الذي يعانيه المجتمع اللبناني.

المحور الثاني هو ترويج فكرة: أن "اللاجئين سيتسببون بانهيار لبنان"، وهنا يتم تمثيل اللاجئين السوريين بأنهم "قنبلة موقوتة" وتهديد للأمن اللبناني من خلال التهديدات الإرهابية. وأظهرت بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية، اللاجئين السوريين، على أنهم أداة لإعادة اشعال فتيل الحرب الأهلية اللبنانية، عن طريق تصوير قصتهم على أنها خطر أكبر من خطر اللجوء الفلسطيني في لبنان، والأهم من ذلك، أن وسائل الإعلام اللبنانية، ركزت كذلك على إثارة قضية "خلل التوازن الديمغرافي" والطائفي في البلاد، وهو ما قد يشكل وسيلة لتغيير الوضع السياسي في البلد التي ترتكز مؤسساتها السياسية على التمثيل الطائفي إلى حد كبير.

المحور الأخير، الذي ركزت عليه التغطية الإعلامية، هو موضوع: "الشراكة في البؤس"، بمعنى أن اللبنانيين واللاجئين السوريين يعيشون في ظروف بائسة، إلا أن اللاجئين السوريين يحصلون على مساعدات مادية وعينية من المنظمات الدولية، وهو ما يجعل السوريين يعيشون بشكل أفضل من نظرائهم اللبنانيين. وعلى الرغم من أن لبنان ليس دولة رفاه، فإن وصف من يأتون من سورية باللاجئين كان ولا يزال ينظر إليه على أنه وصف وهمي، وهو ما حدا ببعض وسائل الإعلام إلى القول بأن السوريين الذين قدموا إلى لبنان من مناطق آمنة داخل سورية، جاءوا بهدف الاستفادة من جهود المساعدات من المنظمات الدولية، وبالتالي اتهام اللاجئين السوريين، بالتسبب في إجهاد الاقتصاد اللبناني واستنزاف موارده. وحتى على بعد بضعة كيلومترات من الحدود السورية، فإن اللاجئ السوري لا يزال يجري التعامل معه في وسائل الإعلام بوصفه (الآخر)، والقومية العربية والتاريخ المشترك لم يغيرا مخرجات وسائل الإعلام في تصويرها وتغطيتها لقضايا اللجوء.

التقنيات ذاتها، الدوافع مختلفة:

تعزو العديد من الدراسات الأكاديمية التغطية السلبية لشؤون الأقليات عموما في وسائل الإعلام إلى تأثير العامل السياسي، معتبرة أن المصالح السياسية غالباً ما تشجع تصاعد الخوف من اللاجئين، خاصة في إطار الجهود التي يبذلها السياسيون لتوحيد المواقف قبل الانتخابات بما يخدم مصالحهم، عن طريق تكريس الحديث عن خطر اللاجئين وإظهارهم على أنهم خطر محدق، وتجريدهم من إنسانيتهم، وتقديمهم كمخالفين للأنظمة والقوانين. وعلى سبيل المثال يمكن فهم ذلك من خلال تقرير (تهديد غير محدق.. دور وسائل الإعلام في تجريد المهاجرين واللاجئين من إنسانيتهم)، ويمكن أيضاً قراءة تقرير (كان يمكن أن تكون مقبولة لو جاءوا من خلال القنوات المناسبة.. تصورات ومواقف المجتمع تجاه طالبي اللجوء في أستراليا).

يوحي لي تحليل التغطية الإعلامية في لبنان أيضاً، بأن وسائل الإعلام المختلفة في ظل ولاءاتها الحزبية، استخدمت خطاباً خاصاً حول اللاجئين، بهدف استثماره في إدارة الصراعات السياسية. كما أن هناك دافعاً سياسياً آخر لهذا النوع من التغطية الإعلامية، دفع وسائل الإعلام اللبنانية والنخب السياسية، لكي تلقي باللوم على الحكومة وتحميلها المسؤولية عن المشاكل التي يعاني منها السكان حالياً.

الحكومة اللبنانية، وإلى اليوم، لم توقع على اتفاقية جنيف لعام 1951، الخاصة باللاجئين، وهو ما يعني من الناحية العملية، أن الدولة اللبنانية ليس عليها سوى التزام محدود تجاه اللاجئين، وبالتالي يجب وضع هذه القضية في أيدي المجتمع الدولي، لكي يتحمل مسؤوليتها. وهو ما يتردد على ألسنة النخب السياسية ووسائل الإعلام اللبنانية. وهذا هو الموقف الذي تعتمده العديد من الدول النامية عند تعاطيها مع قضايا اللاجئين.

على سبيل المثال، يلحظ أن اتفاقاً ضمنياً هشاً بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، ينص على أن الأخيرة يقع عليها واجب استضافة اللاجئين، في حين أن الأولى تقدم مساعدات مالية ولوجستية. على أية حال، عندما يتحول اهتمام الوسائل الإعلامية، في البلد المضيف، تثار المخاوف من أن الدعم المالي تراجع، وأن الدول المتقدمة والغنية تركت الدولة المضيفة وحيدة تتعامل مع أزمة اللاجئين، وهذا هو ملخص التغطية الإعلامية في لبنان، مزيج من التعاطف والخوف في محاولة لجذب الاهتمام وضمان استمرار وتدفق المساعدات.

ماذا يجب أن نفعل حيال ذلك؟

نادراً ما يمتلك أفراد الجمهور الفرصة للتفاعل المباشر مع اللاجئين، لأن غالبيتهم يعيشون في مخيمات خارج حدود المدن، وفي ظل هذه الظروف، فإن لوسائل الإعلام دوراً هاماً لتلعبه، ولتطلع من خلاله الجمهور على المخاطر التي قد تترتب على استمرار تكريس صورة اللاجئين في وسائل الإعلام بطرق خاطئة، وإذا ما استمر الأمر على هذا المنوال، فمن الممكن أن يتفاقم الخطر نتيجة حجم التضليل الذي تمارسه وسائل الإعلام، خاصة ما يتعلق بالموارد الشحيحة وغيرها. لذلك تحتاج الوسائل الإعلامية إلى إعادة النظر في خطابها ورسالتها ومضامينها بشكل واضح، كما أنه في سياق حركة اللاجئين وتشرد الأشخاص لفترات طويلة، فإنه تبرز الحاجة إلى إيجاد حلول دائمة للحصول على معلومات أكثر توازناً ودقة، ليتم تصويرها في وسائل الإعلام.

عند الإعلاميين المحترفين، الجواب بسيط: هو تفحص محتوى السياق الإعلامي، فالمركز الدولي حول قضايا اللجوء واللاجئين، يوفر مجموعة من القواعد الخاصة التي تشمل توفير معلومات أساسية عن اللاجئين، من مصادر مختلفة، وهي معلومات تساعد الصحفي على تجنب التعميمات الخاطئة التي قد تؤدي إلى الوقوع في فخ التحريض.

وللقراء، الجواب هو: الوعي. ينبغي أن يكون القراء على بينة من الأجندات السياسية التي تستخدم في وسائل الإعلام لتصوير أوضاع اللاجئين، أو تأطيرها في إطار أو نمط موجه، يحرض على الكراهية والعداء ضد الآخر.

(*) نوران البحيري، صحفية وباحثة مهتمة بالدراسات الإعلامية وقضايا اللاجئين، نالت مؤخراً درجة الماجستير المشتركة في الصحافة، من جامعة هامبورغ في ألمانيا، وجامعة آرهوس في الدنمارك. ركزت رسالتها على التغطية الإعلامية بشقها الإنساني لقضايا اللاجئين في العالم العربي.

البحيري تحمل درجة البكالوريوس في الاتصال الجماهيري من جامعة القاهرة في مصر، وسبق لها أن تطوعت للعمل مع اللاجئين السوريين في وادي البقاع في لبنان عام 2014، وحالياً تساهم في جهود دمج اللاجئين السوريين الذين يصلون إلى ألمانيا، ومساعدتهم على تسوية أمورهم.