أكيد – آية الخوالدة
خلال ساعات طويلة من مساء وليل الأحد/ الاثنين، سادت حالة من "الفلتان الإعلامي" في تغطيات أخبار وتفاصيل الحادث الإرهابي في مدينة الكرك (في قلعة الكرك تحديداً)، واستمرت بعض مظاهر "الفلتان" هذه سائدة حتى بعد الإعلان عن انتهاء العملية من زاوية أمنية.
مرصد "أكيد" تتبع التغطيات الإعلامية من مصادرها المختلفة، حيث أظهرت اتجاهات الرأي العام –كما عكستها شبكات الإعلام الاجتماعي- حالة من الفوضى والإرباك في تلقي المعلومات وإعادة إنتاجها وتوزيعها، إلى جانب حالة إحباط ونقد قاس لأداء الإعلام الرسمي.
المواطنون يقودون المشهد الإعلامي
في هذه الأثناء كان "المواطنون/ الصحفيون" هم القادة الحقيقيين للمشهد الإعلامي، وعن طريقهم نقلت وسائل الإعلام المحترفة! محلياً وخارجياً، لقد كانت الكاميرات الصغيرة لهواتف المواطنين هي الناقل الرئيسي للأحداث، مثلما كانت حسابات الأشخاص على الفيسبوك، المصدرَ الرئيسي للمعلومات الأكثر انتشارا، وهو ما فتح المجال واسعاً أمام حجم استثنائي من التضليل والخلط والأخطاء والإشاعات، وهو ما قاد بالمحصلة إلى حجم استثنائي أيضاً في المخالفات والانتهاكات المهنية، وفي المقابل كشف هذا الواقع مدى التقصير في الرواية الرسمية وفي أداء وسائل الإعلام العامة، ووصل الإرباك والارتجال الإعلامي لوسائل إعلام القطاع الخاص.
لقد اشتملت أخطاء المعلومات على مسائل أساسية من بينها على سبيل المثال:
- الرويات المتعددة والمربكة حول مسار العملية الإرهابية وتطورها حيث لم يكن واضحا في الساعات الأولى وحتى ساعة الإعلان عن انتهاء العملية، هل كانت عملية واحدة أم عدة هجمات إرهابية في مناطق متعددة، وهو الأمر الذي نفته الوقائع لاحقا.
- بثت أرقام متناقضة عن عدد أفراد المجموعة الإرهابية، فقد تقلص العدد في بعض الأخبار إلى اثنين وارتفع في بعضها إلى 15 فرداً. بل إن بعض صفحات التواصل الاجتماعي نشرت قائمة بأسماء كاملة لأربعة أشخاص قالت إنها تعود للإرهابيين منفذي الهجوم، ثم تغيرت الأسماء إلى أخرى.
- كما نشرت أخبار غير موثقة، ثم تبين أنها غير صحيحة، عن جنسية أو جنسيات أفراد المجموعة، فنشرت أخبار عن أن بعضهم سوريين وليبيين، ثم انتشر خبر منسوب إلى مصادر أمنية بأنهم أردنيون، ونشرت بعض وسائل الإعلام أسماء بعضهم، ونشرت أخرى اسم عائلة أحدهم وحددت أنها من محافظة اربد، غير أن المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية مساء الاثنين تحفظ عن ذكر أسماء الجنسيات!.
- اشتمل التضليل على نشر فيديوهات وصور قديمة، بعضها من خارج الأردن على مواقع التواصل الاجتماعي، ونسب محتواها إلى الحادثة الحالية في الكرك، ومنها فيديو لأم شهيد فلسطيني، وصورة التقطت أصلاً في كردستان/ العراق، زُعِم أنها تعود لأحد المشاركين في عملية الكرك.
- نشرت أخبار عن هروب لسيارة الإرهابيين من الكرك إلى الطفيلة، وهو ما نفته المصادر الأمنية لاحقاً.
- نشرت صور وأسماء بعض الشهداء مباشرة وقبل أن تبث وتوثق رسمياً، وهو ما يخالف الأسس الإعلامية في مثل هذه الأمور الحساسة، كما نشرت صور للجرحى أثناء إسعافهم وبثت الصور من موقع الحدث.
- بثت فيديوهات بعناوين مثيرة، ليتبين بعدها عدم دقة محتواها مثل فيديو "تحرير رهائن القلعة" وفيديو إلقاء "القبض على أحد الإرهابيين"، ثم تبين أن الشخص المعني هو سائح عربي.
- نشرت صور لبعض الشهداء أخذت من صفحاتهم على فيسبوك بعضها يضم صورا لأفراد من عائلاتهم، من دون الحصول على اذن بذلك.
الرواية الرسمية: غائبة أم متأخرة؟
واجه تأخر ظهور رواية رسمية لما كان يجري أثناء العملية الأمنية أو بعدها بقليل حملة انتقادات واسعة، حتى إن الكثيرين ذهبوا إلى أنه لا توجد رواية رسمية إلى هذا الوقت، حيث ما تزال هناك الكثير من الأسئلة التي يطرحها الجمهور لم تجد إجابة ولم يقدم المؤتمر الصحفي إجابات حولها، وبعضها قد لا يمس الأبعاد الأمنية.
إن تأخر الرواية الرسمية وعدم وجود استجابة إعلامية سريعة من الإعلام الرسمي، ساهم في فتح الباب للاشاعات والاختلاق، ونشر الآراء على أساس انها وقائع وأخبار، حيث تقدم عملية قلعة الكرك المزيد من الدروس الإعلامية التي تفيد بأن سرعة الاستجابة الإعلامية والشفافية المسؤولية مصلحة وطنية.
الحساسية الأمنية والحساسية الإعلامية
نُسبت كثير من الأخبار والتفاصيل التي نشرتها بعض وسائل الإعلام، وتحديدا مواقع إلكترونية إلى مصادر أمنية، ولم تؤكد أو تنف مصادر أمنية معرّفة صحة أو عدم صحة هذه الأخبار، وفي هذه الحالة وبافتراض أن هناك مصادر أمنية فعلية سربت أخباراً، فإن ذلك تم بشكل لا يتناسب مع طبيعة الحدث وحجمه. إن مثل هذه الأحداث ذات الطبيعة الأمنية تتطلب رواية أمنية واضحة موجهة للجميع محكومة برؤية شاملة ومنسجمة. وفي الواقع فإن وسائل الإعلام حصلت على هذه التسريبات بطريقة توحي بأنها تحقق اختراقات خاصة! وبأن لها مصادر خاصة تزودها دون غيرها بمعلومات، وإذا كانت مثل هذه الطريقة لتسريب المعلومات تعد مفهومة في سياق قضايا جزئية كبعض الأحداث والجرائم العادية، فإن حدثاً كهذا له أبعاد أمنية وسياسية كبيرة وقد يستدعي إجراءات على أكثر من صعيد، فإن الاستثناء ينبغي أن لا يشمله.
إن هناك من القوانين والتقاليد الإعلامية ما يكفي لضبط عمليه تداول المعلومات في القضايا الحساسة، وتفيد التجربة المحلية في قضايا أقل أهمية أن ذلك ممكن وسهل التحقيق، عندما يتوفر القرار بذلك. كما اتضح ان بعض هذه التسريبات أو بعض الصور والتسريبات التي اتخذت من موقع العمليات الأمنية أو من مناطق خاصة لا تخدم المصلحة العامة بأبسط تعريفاتها.
فقد نُشر فيديو من داخل مركز أمني اشتمل على حوارات لرجال الأمن كاشفاً طبيعة أدائهم وعن اقتراحاتهم ووجهات نظرهم بل واستغاثة بعضهم، وهو ما يشير إلى عدم السيطرة على بث المعلومات من داخل أفرع المؤسسة الأمنية، مع التذكير أن المراكز الأمنية في الأحياء والمواقع السياحية لا تتطلب مهامها الكثير من الاحتياطات.
وبافتراض أن أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية ترغب (وهذا أمر مشروع في حالات) في إيصال رسائل لتحقيق غايات أخرى، فإن هذا لم يكن هو الحال فيما بُث في هذه الحادثة، ذلك أن كثيراً من الرسائل التي أوصلتها تلك المخالفات والانتهاكات المهنية الإعلامية كانت سلبية، فما الذي يعنيه مثلاً السماح بتصوير فيديو أثناء الموجهات بحضور العديد من رجال الأمن وبلباسهم العسكري وهم في حالة ارتباك وتبادل الرأي؟
ومع هذا فقد لوحظ أن جزءا هاماً من الجهد الإعلامي للأجهزة الأمنية انصب على تكذيب ونفي ما يبث أكثر مما يبث فعلاً، وقد قامت مديرية الإعلام في الأمن العام بإصدار بعض التحذيرات مما ينشر.
الاستجابة الإعلامية الرسمية: الدقة والسرعة معا
وإذا كان من المفهوم أن صعوبة السيطرة على ما ينشر، في ظل اتساع وسائل النشر والبث على مستوى الأفراد وليس فقط المؤسسات، فإن توفر مصدر موثوق ونشط للمعلومات يحرم الأدوات الفردية غير المسؤولة من الانفراد بالتغطية والانفراد بجمهور المتابعين. ومن اللافت أنه حتى القنوات الفضائية المحلية والأجنبية، وعند إعداد تقاريرها الاجمالية عن الحادثة، اعتمدت على تجميع وتركيب اللقطات التي بثها الأفراد النشطاء من هواتفهم الخاصة، بينما كان يكفي توفر كاميرا محترفة مرافقة للفاعلين في الميدان، لكي تصبح مصدراً أكثر ثقة للصور والفيديوهات التي ستنقل وتبث كحصيلة عن ما حدث.
بسهولة يمكن ملاحظة ظاهرة تتكرر كثيراً في مثل هذه الأحداث وهي ضعف سرعة الاستجابة الإعلامية عند الإعلام الرسمي، وإلى درجة كبيرة عند مؤسسات الإعلام الوطنية ذات الحضور والتي تحظى باعتراف الجمهور، ونقصد هنا الصحف، التي لم تشكل خلال ساعات ذروة الحدث مصدرا منافساً للحصول على المعلومة، إذ ليس من المنطقي أن تعتمد الصحف صيغة "تداول ناشطون على التواصل الاجتماعي"، بينما هي تغطي من موقع الحدث عبر مندوبيها.
ولعل الانتقاد الاوسع كان من نصيب الإعلام الرسمي وخاصة التلفزيون، وقد وصل الأمر ببعض النشطاء إلى تثبيت كاميرا أجهزتهم الخلوية في وضعية البث المباشر (عبر الفيسبوك) من أمام شاشة التلفزيون الأردني، مرفقين ذلك بعبارات التهكم والسخرية مما يبثه التلفزيون، كما نقل نشطاء وبتهكم شديد نص "الخبر العاجل" الذي استمر ثابتاً لزمن طويل على الشاشة، مرفقاً ببرامج لا علاقة لها بالحدث. وقد وصل الأمر إلى أن موقعاً نشر في هذه الأثناء تقريراً مخصصا عن النقد الشديد للتلفزيون الأردني بين أوساط المواطنين.
الجمهور يتحقق : ظاهرة ايجابية ولكن محدودة
غير أن عنصراً إيجابيا برز في "تغطيات" ومتابعات المواطنين لهذا الحدث، وهو عنصر يعكس حضور بعض مظاهر الثقافة الإعلامية على مستوى الجمهور وإن كانت محدودة، فقد تابع المواطنون ما يقرأوه ويشاهدوه بعين ناقدة، وقام نشطاء بالبحث عن الصور والفيديوهات والكشف عن أصولها، بحيث يمكن القول إن التشكيك الإيجابي صار جزءا من المسلك العام في التعاطي مع ما ينشر.
على مدار ساعات، استمر كثيرون في إلحاحهم على الحصول على رواية رسمية موثوقة، إلى جانب مواصلة الجمهور عموماً إظهار حرصه على "المصلحة الوطنية"، إذ نشرت على مواقع الإعلام الاجتماعي مادة كثيفة حول الحرب ضد الإرهاب، على شكل انطباعات ومواقف للنشطاء، ثم حول الشهداء، وحول التضامن مع أهل الكرك.
علينا أن نلاحظ أن وسائل الإعلام كانت تعمل وسط جمهور متعاطف ومهتم بنشر الحقائق مع مراعاة المصلحة الوطنية، بل إنه كان يرى أن المصلحة الوطنية تكمن في الأداء الإعلامي الجيد، وهو ما يعني أن الفرصة كانت متاحة لإعلام محترف يقدم مادة صادقة مدعمة بالمعلومة اللازمة، وباختصار كانت فرصة لممارسة مهنية حقيقية.
ختاماً،
نرفق فيما يلي بعض الروابط لمواد نشرتها وسائل إعلامية، يمكن ان تسهم في تفسير بعض الملاحظات الواردة في التقرير:
بالصور .. جثث الارهابيين القتلى من داخل قلعة الكرك
إخلاء جثث الإرهابيين من قلعة الكرك ليلا / صور
إخلاء قلعة الكرك من جثث الارهابيين (صور)
إخلاء قلعة الكرك من جثث الإرهابيين (فيديو صور)
منفذوا عملية الكرك يحملون الجنسية الاردنية
التحقيقات الأولية تشير الى ان الارهابيين "اردنيون"
مصدر لـ عمون: التحقيقات تشير الى أن الإرهابيين "أردنيون"
مصادر أمنية: مجرمون من جنسيات عربية وأردنيون في عملية الكرك
هجوم الكرك إرهابي .. والمتطرفون يتحصنون بقلعة الكرك ووجود رهائن غير مستبعد .. أسماء الشهداء
الكرك: المسلحون يحتجزون 14 رهينة ونداءات عبر مساجد المدينة
بالصور ..ناشطون يشنون حملة انتقادات للتلفزيون الاردني لغيابه عن نقل احداث الكرك
بالفيديو .. لحظة القاء القبض على احد المسلحين في الكرك .. والمواطنون يوسعونه ضرباً
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني