تقرير حديث يتضمن تصريحا لشخص متوفّى منذ سنوات!

تقرير حديث يتضمن تصريحا لشخص متوفّى منذ سنوات!

  • 2015-12-28
  • 12

أكيد – دلال سلامه

يوم (22/12/2015) نشرت صحيفة محلية تقريرا عن التحديات التي يواجهها صيّادو الأسماك في مدينة العقبة، وكان من بين الصيّادين الذين تضّمن التقارير تصريحات لهم، صيّاد اسمه "عمر السكاب"، قال التقرير إنه "يزاول المهنة منذ حوالي 54 عاما"، وإنه "أقدم على بيع أدوات الصيد التي يمتلكها لعدم جدوى هذه المهنة حاليا".

والحقيقة أن الصيّاد عمر السكاب، متوفّى من سبع سنوات تقريبا، وفق صديقه، وزميله في المهنة، الصيّاد عمر بدير، الذي تواصل معه "أكيد" هاتفيا، يوم (28/12/2015).

كيف وقع هذا الخطأ؟

ببساطة! إن الفقرة التي تضمنت تصريحه هذا، نُقلت مع فقرات غيرها، عن تقرير نُشر قبل سنوات عن الموضوع ذاته، كان قد تضمّن مقابلة مع الصياد (عمر).

إنها ممارسة صحفية، كان مرصد "أكيد" قد لفت إليها في عدّة تقارير سابقة، وتتمثل في إعادة صحفيين نشر تغطياتهم القديمة، وتقديمها للجمهور بوصفها تغطيات حديثة، أو "استعارة" أجزاء من تقارير كتبها صحفيون آخرون، بعضهم في الصحافة العربية، ونشرها بوصفها تغطياتهم الخاصة للواقع الأردني.

والتقرير المشار إليه، هو أحد الأمثلة على استمرار الظاهرة، فالفقرة المنسوبة إلى "عمر السكاب" في التقرير المنشور يوم (22/12/2015)، استُخدمت ذاتها عدة مرات في تقارير سابقة في الصحيفة نفسها وفي غيرها؛ منها تقرير نُشر يوم (17/1/2015)، كما استُخدمت في تقرير ثالث، للصحيفة نُشر يوم (21/12/2009)[1]، واستُخدمت أيضا في تقرير رابع للصحيفة، نُشر يوم (1/1/2008)[2]، كما ظهرت في تقرير خامس عن القضية نفسها، نُشر في صحيفة أخرى يوم (8/4/2009). وكانت هذه الفقرة منقولة أساسا عن تقرير مشابه لهذه الصحيفة، نُشر يوم (5/11/2006 أي أن هذا الاقتباس استُخدم في ستة تقارير، خلال التسع سنوات الماضية، ودائما في سياق أنه مقابلة حديثة.

وتجدر الإشارة إلى أن المقصود بإعادة النشر هنا، ليس تشابه "مضامين" الاقتباسات والأفكار، الذي قد يجد مبرره في أن الحال لم يتغير بين تقريرين، بل المقصود هو "ترحيل" فقرات بكاملها من تقرير  إلى آخر. فتقرير يوم (22/12/2015) منسوخ بنسبة 62% من تقرير يوم (17/1/2015)، والأخير منسوخ بنسبة 65% من تقرير يوم (21/12/2009).

وفي التقرير الذي نتناوله، لم يكن تصريح (عمر السكاب) الوحيد الذي "أُعيد تدويره"، فالفقرة المنسوبة للصياد "عمر أبو زكي" في تقرير (22/12/2015) هي ذاتها المنسوبة إليه في تقرير (17/1/2015)، كما نُسبت إليه في تقرير (21/12/2009). والفقرة المنسوبة إلى الصياد "فادي الشويخ" في تقريرَيّ (22/12/2015) و(17/1/2015)، كانت منسوبة ذاتها إلى الصياد "شهاب عيد" في تقرير (21/12/2009).

خطورة هذه الممارسة، تتعدى كونها انتهاكا لأحد أهم المعايير الأخلاقية التي تنظم مهنة الصحافة، وهي النزاهة، إلى كونها تشكل تضليلا للجمهور الذي سيعتقد أن ما يقرأه يمثل انعكاسا أمينا للواقع، لكنه ليس كذلك، إذ أن ما يفترض أنه يمثّل صورة أمينة لواقع في مكان وزمان معينين، ينتمي إلى زمن ماض، أو إلى سياقات اجتماعية وسياسية واقتصادية مختلفة.

والتغطية السابقة لمتاعب مهنة صيد السمك في العقبة، هي مثال نموذجي للكيفية التي تشكل بها هذه الممارسة عائقا أمام قيام الإعلام بأحد أدواره، وهو التقاط حركة الواقع، ومواكبة تطوراته. فعلى سبيل المثال، سنجد من بين الفقرات التي وردت في تقرير (17/1/2015)، وهي منقولة حرفيا عن تقرير (21/12/2009)، وكانت منقولة بدورها عن تقرير (5/11/2006)، فقرةً يقول فيها مصدر "مبهم" في صندوق الملك عبد الله للتنمية، إن الصندوق قدّم منحة لأسر الصيّادين، مقدارها 20 ألف دينار، لإنشاء مشاريع تنموية، وعقد دورات تدريبية على الكمبيوتر واللغة الإنجليزية لأبنائهم. ومع إغفال ذكر سنة المنحة، سيبدو للقارئ أن هذا خبر جديد، في حين أن هذه المنحة، وفق مصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه، قُدّمت سنة 2007، كما تُظهر ذلك دفاتر ميزانية جمعية صيّادي الأسماك التعاونية.

 كما ينسب تقرير الصحيفة للمصدر نفسه في الصندوق، تصريحا يخص مشروع شركة البحر الأحمر للأسماك، وهي مشروع أردني يمني مشترك، أُعلن عنه العام 2002، وبدأ العمل فيه، العام 2003، وكان من المقرر بمقتضاه أن يذهب صيّادو العقبة للصيد في المياه الإقليمية اليمنية، مقابل رواتب. لكن الصيادين رفضوا بسبب ضآلة الرواتب، وفق ما قاله عمر بدير لـ"أكيد"، والذي كان وقتها رئيسا لجمعية صيادي الأسماك التعاونية في العقبة.

لقد ذكر التقرير أن هذا كان العام 2003، لكن من يقرأ تصريحات مصدر صندوق الملك عبد الله، يدرك تماما أنها تصريحات تنتمي إلى زمن ماض؛ فهو يذكر أن الراتب المقرر هو 300 دولار (210 دنانير تقريبا)، إضافة إلى السكن والطعام. والمصدر يصرّح بأسفه لأن"عدم التزام الصيادين أفشل المشروع من الجانب الأردني"، وهو "يعاتب" الصيادين لأنهم "فوّتوا على أنفسهم فرصة الاستفادة" من هذا المشروع. كما يكمل أن "المشروع ما يزال قائما".

وهذه تصريحات تثير الدهشة، أولا: لأنه وفق معايير الزمن الحاضر، فإن هذا مبلغ بالغ الضآلة، لكن المصدر مع ذلك يعدّه "فرصة" ويأسف لأن الصياّدين "فوّتوها" على أنفسهم". وثانيا: لأنه يعلن أن المشروع "ما زال قائما"، في حين أن بدير أخبر "أكيد" أن المشروع توقف مع رفض الدفعة الأولى من الصيادين الاستمرار في المشروع، والسبب هو أنهم كما يقول وُعُدوا براتب 500 دولار، وعندما ذهبوا إلى اليمن قيل لهم إن الراتب هو 300 دولار فعادوا. ووفقه فإن الأمر برمّته انتهى تلك الأيام، وليس هناك أي جديد فيه.

وتفسير ما سبق، هو أن هذه التصريحات، جزء من الفقرات التي نُسخت، كما سبق الذكر، من تقرير الـ2006. وبالنظر إلى الطريقة التي يُعاد بها تدوير الاقتباسات، فإن هناك سببا قويا للاعتقاد أنها ربما كانت جزءا من تقارير أقدم نشرت قبل عام 2006.

وفي السياق نفسه، سنجد من بين الفقرات المنقولة عن التقارير القديمة، شكوى الصيادين من التشريعات "الجديدة" التي أقرّت بعد إعلان العقبة منطقة اقتصادية خاصة، وضيّقت عليهم، والحقيقة أنه لا يمكن وصف هذه التشريعات بـ"الجديدة"، فإعلان العقبة منطقة اقتصادية خاصة كان العام 2000.

[1] لم يمكن العثور على نسخة من التقرير على الموقع الإلكتروني للصحيفة.

[2] هذا هو تاريخ النشر على الموقع الإلكتروني.