خمسة أشهر مرّت على الفتوى التي أصدرها الديوان الخاص بتفسير القوانين، لمواد في النظام الداخلي لمجلس النواب والدستور، ومُنع النواب بموجبها من طلب وثائق وأسماء أشخاص في أسئلتهم النيابية الموجهة إلى الحكومة. ورغم اعتراض النواب على الفتوى التي ضربت، بحسب تعبير كثير منهم، جوهر عملهم الرقابي، فإن الإعلام الذي غطّى هذا القرار في وقته، لم يتابع بعدها تداعياته.
وكانت الحكومة في شباط (فبراير) الماضي، قد طلبت من الديوان الخاص بتفسير القوانين أن يفتي على ضوء تفسيره للمادتين 125[1] و126[2] من النظام الداخلي لمجلس النواب، لسنة 2013، والفقرة (د)[3] من المادة 69 من النظام ذاته، والمادة 96 من الدستور[4]، إن كان يجوز للنائب في معرض سؤاله النيابي أن يطلب ذكر أسماء أشخاص، أو يطلب الاطلاع على وثائق.
وقد أتى ردّ الديوان بأن السؤال النيابي يجب أن ينحصر "بأمر من الأمور العامة". ووفق التفسير الذي ارتآه الديوان فإن طلب أسماء أشخاص من الجهة التي يتوجه النائب إليها بالسؤال "ليس شأنا عاما وفق القيد الدستوري"[5].
أما ما يتعلق بطلب الوثائق، فقد قالت فتوى "الديوان" إن "المشرع قد قصر بصريح النص الجهة التي تملك حق طلب الوثائق والمستندات وهي اللجنة النيابية"[6]، وليس النائب منفردا.
هذا القرار أثار اعتراضات نيابية حادة، فقال النائب مصطفى الرواشدة بأنه "يفقد السؤال النيابي جوهره"، إذ إن كثيرا من الأسئلة النيابية لا تستقيم من دون طلب إيراد وثائق وذكر أسماء أشخاص. متسائلا إن كان طلب أسماء المتهربين ضريبيا، أو المعتدين على أملاك عامة، ليس شأنا عاما.
كما وصفت النائب رولا الفرا هذا القرار بأنه "اعتداء لا نظير له على مجلس النواب، ودور النائب الدستوري"، وقالت إنه "تعدٍّ غير مسبوق من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية"، وتمثل هذا، بحسب الفرا، في إحالة الحكومة لمواد في النظام الداخلي الخاص بمجلس النواب إلى ديوان تفسير القوانين من دون موافقة المجلس، ومن دون وجود ممثل له في الجلسة التفسيرية التي أُصدرت فيها الفتوى.
إضافة إلى النواب، فقد أثار هذا القرار انتقاد برنامج مراقبة أداء المجالس المنتخبة (راصد)، الذي أصدر إثر صدورها تقريرا قال فيها: إن هذا القرار يمثل "خطوة إلى الوراء، وتكبل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة وأسئلة النواب عموما وتضعف دورهم الرقابي".
وشدد التقرير على أن هذا القرار يمثل تجاوزا حكوميا على السلطة التشريعية، إذ أن لمجلسي النواب والأعيان، حصرا، الحق في وضع الأنظمة التي تنظم عملهما. وتكون اللجان القانونية في المجلسين، هي صاحبة الاختصاص في ما يتعلق بتفسير أحكام النظام الداخلي، وليس الحكومة. وذلك "انطلاقا من مبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في الدستور الأردني".
ولفت التقرير إلى أنه في حالة اعتراض الحكومة على نصوص النظام الداخلي لأي من المجلسين، فإن المحكمة الدستورية هي الجهة صاحبة الاختصاص بتفسير هذه النصوص، لا "ديوان التفسير".
يُذكر أن فتوى شبيهة بالفتوى الحالية، كانت قد صدرت عام 2009، في المجلس الخامس عشر، إبان حكومة رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي، ففي تموز (يوليو) من ذلك العام، أصدر "ديوان التفسير" حكمه بأنه يجب "أن لا يتضمن السؤال الذي يوجهه النائب، لدولة رئيس الوزراء أو أحد الوزراء، أي طلب أو ذكر لأسماء الأشخاص، على الإطلاق".[7]
وقد صدرت هذه الفتوى في أعقاب أسئلة نيابية وجهها آنذاك نائبان، وتركزت على طلب قوائم بأسماء أشخاص يحتلون وظائف عامة، او استفادوا من موارد عامة. ففي حزيران (يونيو) من تلك السنة، وجه النائب، آنذاك، صلاح الزعبي سؤالا نيابيا، حوّله بعدها إلى استجواب، وطلب فيه قوائم بالأسماء الرباعية، والمؤهلات العلمية، وأماكن العمل، وتواريخ التعيين، لكلّ من: الحكام الإدرايين، والسفراء، ورؤساء البعثات الدبلوماسية الأردنية في الخارج، والأمناء العامين للوزارات، والمدراء العامين للدوائر والمؤسسات والشركات المملوكة للحكومة.
وفي تموز التالي، وجّه النائب، آنذاك، علي الضلاعين، أسئلة نيابية، طلب فيها قائمة بأسماء الموظفين الذين تمّ تعيينهم في أمانة عمان الكبرى، من قبل موظفين في الأمانة، كانوا ضُبطوا بتهمة تزوير تواقيع كبار مسؤولي الأمانة، لتمرير قرارات إدارية بطريقة غير مشروعة، مثل زيادة رواتب، ومنح مكافآت مالية، وتحويل مسمى وظيفي، وغيرها. كما طلب قائمة أخرى بأسماء المدراء في "الأمانة" الذي مُنحوا درجات عليا قبل إحالتهم إلى التقاعد، وقائمة ثالثة بأسماء الأشخاص الذين فُوّضت لهم أراض في مناطق العاصمة التجارية خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الفتوى آنذاك أثارت الاعتراضات النيابية ذاتها التي أثارتها الفتوى الحالية، وفي تصريح لنائب رئيس مجلس النواب آنذاك، تيسير شديفات، قال إن حظر طلب أسماء أشخاص يهدف إلى "الحدّ من رقابة مجلس النواب"، من مثل استعلامه عن أسماء أعضاء مجالس الإدارات، وما يُمنح من رواتب ومكافآت ومياومات وغيرها.
لكن العمل بفتوى العام 2009 أُوقف بعدها، عندما عدّل المجلس السابع عشر الحالي، نظامه الداخلي، في أيار (مايو) 2014، وحذف النص المتعلق بأسماء الأشخاص. لتعيد الفتوى الجديدة المنع مجددا، ولكن بصورة مضاعفة هذه المرة، ففي حين كان القرار الأول يحظر طلب أسماء الأشخاص، فإن القرار الأخير يحظر طلب الأسماء والوثائق معا.
مما سبق يتضح أن تغطية القضية السابقة أخلت بأحد أهم معايير مصداقية وسائل الإعلام، وهو "المتابعة"، التي تتمثل في نشر تقارير معمقة، ورصد تداعيات الأحداث وعدم الاكتفاء بالأخبار الأولية.
[1] " الســؤال هو استفهام العضو من رئيـــس الوزراء أو الوزراء عـــن أمـــر يجهلــه في شأن من الشــــؤون التي تدخــــل فـــي اختصاصاتهـــم أو رغبته في التحقق من حصول واقعــــة وصل علمها إليه ، أو استعلامـــــه عن نية الحكومة في أمـــر من الأمور "
[2] أ. على العضو أن يقدم السؤال إلى الرئيس مكتوباً .
ب. يشترط في السؤال أن يكون موجزاً ، وأن ينصب على الوقائـــع المطلــوب استيضاحهــــا وأن يخلو من التعليق والجدل والآراء الخاصة .
ج. لا يجوز أن يخالــف الســــؤال أحكـــام الدستـــــور، كما لا يجوز أن يشتمـــل على عبـــــارات نابيــــة أو غيـــر لائقـــــــة .
د. لا يجوز أن يكون في السؤال مساس بأمـــر تنظــــره المحاكــم .
ه. لا يجوز أن يتعلق موضوع السؤال بشخص النائـــب أو بمصلحـــة خاصة به أو موكول أمرها إليه " .
[3] للجنــــــــــة أن تطلب من الوزير أو أي مسؤول مختص تزويدها بالمستندات والوثائق والمعلومات التي تطلبها وتتعلق بموضوع البحث ، فإذا امتنع الوزير أو المسؤول المختص عن الحضور أو تزويدها بالمعلومات المطلوبة أو تغيب دون عذر ترفع اللجنة الأمر إلى رئيس المجلس لعرضه على المجلس في أول جلسة تالية وإعطائه أولوية على سائر الأعمال .
[4] " لكــــل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أن يوجه إلـــى الوزراء أسئلة واستجوابات حــــول أي أمـــر مـــن الأمـــور العامــــة وفاقــاً لمــــا هــــو منصـــوص عليه في النظـــــــام الداخلـــــي للمجلــــــس الــذي ينتمي إليه ذلك العضــــو .... " .
[5] قرار رقم (2) لسنة 2015، صادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين، بتاريخ 9/2/2015.
[6] المصدر السابق.
[7] قرار رقم (2) لسنة 2009، صادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين، بتاريخ 29/7/2009.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني