أكيد – حسام العسال
خلص رصد أجراه مرصد مصداقية الاعلام الاردني "أكيد" للصور المرفقة في عينة من 50 مادة صحافية منشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية المحلية تناولت أحداث العنف الأخيرة في ميانمار، أن 42 % من الصور هي صور قديمة غير مشار لها بأنها أرشيفية.
وتأتي هذه النتيجة في ظل معاناة وسائل الإعلام العالمية من صعوبات في تغطية أحداث العنف في إقليم أراكان (غربي ميانمار) اثر الحصار الذي تشنه السلطات في ميانمار على الإقليم، والسماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى الإقليم بصور محدودة واستثنائية.
وانعكس هذا الأمر على تغطية وسائل الإعلام للأحداث في ميانمار من ناحية شح المحتوى الإخباري والبصري، ما فسح المجال أمام ظهور العديد من الصور الخاطئة، وتقديم الصور القديمة على أنها جديدة في تغطية الأحداث.
وكانت أحداث العنف في إقليم أراكان (راخين) غربي الهند تجددت بعد حرق قوات حكومة ميانمار لنحو 700 منزل تعود لأقلية الروهينغا، في حين تنفي حكومة ميانمار ذلك وألقت بالمسؤولية على مسلحين من جيش أراكان وقرويين من الروهينغا.
وأدت أحداث العنف المتلاحقة إلى لجوء ما يزيد على ربع مليون لاجئ معظمهم من أقلية الروهينجا، ودخل غالبيتهم الحدود البنغالية.
ويسكن أفراد أقلية الروهينغا في إقليم أراكان (راخين)، ويدينون بالديانة الإسلامية، وتعتبرهم الأمم المتحدة من أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، إذ جُردوا عام 1982 من جنسية ميانمار، وتعتبرهم الحكومة مستوطنون بنغال دون جنسية.
وفي خضم الأزمة والعنف الدائر في "أراكان" تنتشر العديد من الصور الخاطئة وخصوصاً في منصات التواصل الاجتماعي، عدا عن القصص المختلقة حول الأحداث، وأصبح من الملاحظ تكرار تناقل الصور الخاطئة ذاتها عند كل تجدد لأحداث العنف في الإقليم.
وفي ظل اعتماد العديد من وسائل الإعلام على ما ينشره مستخدمو التواصل الاجتماعي تسربت تلك الصور التي يظهر بها الضحايا من أقلية الروهينغا، إلى العديد من وسائل الإعلام حول العالم.
وظهرت العديد من المبادرات التي تهتم بالتأكد من صحة الصور والأخبار بتوضيح حقيقة الصور تلك، وبيان أصول الصور إلى الجمهور، حيث تبين أن العديد منها يعود إلى لقطات من أفلام سينمائية أو صور لضحايا كوارث طبيعية أو ضحايا لأحداث عنف في دول أخرى.
ولوحظ أيضاً لجوء وسائل الإعلام ورواد منصات التواصل الاجتماعي إلى الاستعانة بصور صحيحة لأحداث عنف قديمة في إقليم أراكان، وإعادة نشرها مرة أخرى على أنها تعود للأحداث الأخيرة.
مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) رصد عينة للصور المنشورة في 50 مادة صحافية منشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية المحلية منذ بدء الأزمة الأخيرة، وتأكد من صحة الصور ومن تاريخها، ليتبين عدم وجود صور خاطئة متعلقة بأحداث العنف ضد أقلية الرهينغا، فيما كانت نسبة الصور القديمة وغير المشار لها بأنها أرشيفية 42 %، في المقابل كانت نسبة الصور الصحيحة والحديثة المرتبطة بالأحداث الأخيرة 58 %، ويوضح الجدول التالي أمثلة على الصور القديمة المنشورة دون الإشارة إلى أنها أرشيفية.
ولوحظ أيضاً من خلال الرصد خلط وسائل الإعلام بين مفهوم الصور الأرشيفية والصور التعبيرية، إذ نُشرت صور في وسائل الإعلام المحلية وأرفقت بتعليق (Caption) "تعبيرية" ليتبين أنها صور صحيحة وحقيقية ولكنها قديمة، وبالتالي كان لزاماً إرفاق الصور بتعليق "أرشيفية".
المصور الصحافي في يومية "الغد" محمد أبو غوش قال لـ (أكيد): "أغلب الصور الخاطئة وغير الصحيحة تُنشر على منصات التواصل الاجتماعي التي لا يوجد عليها رقابة، في المقابل دور الإعلام هو تحري الدقة والمصداقية عند نشر الصور، والإشارة للصور القديمة بذلك، إضافة لعدم التلاعب بالصور، والإشارة إلى المصدر والمصور".
وحول الأسباب التي تدعو وسائل الإعلام للاستعانة بالصور الأرشيفية أشار المصور الصحافي في يومية "الدستور" حمزة المزرعاوي أنه "لا توجد عملية تحديث للصور في بعض الوسائل الإعلامية، وإنما يتم الرجوع للأرشيف والصور القديمة، الأمر الذي يعكس حالة من التكاسل"، مضيفاً "أن ظاهرة تناقل الصور دون الإشارة لمصدرها هي ظاهرة متفشية".
وعزا المزرعاوي وجود هذه الظاهرة أيضاً إلى "البعد عن المهنية في بعض وسائل الإعلام، وحالة التراجع في أخلاقيات المهنة، إضافة إلى أن كثرة المواقع الإلكترونية لا تعكس مهنيتها، إذ أن العديد منها غير مهني، وذكر أيضاً أن تعدد مهام الصحافي يُفقده التركيز، عدا عن وجود دخلاء على مهنة الصحافة".
وألمح أبو غوش إلى "وجود أجندات متحكمة بالمحتوى الذي يُنشر، إضافة لعدم الوعي، واللعب أحياناً على الوتر الطائفي والديني".
وفرق المصور محمد أبو غوش بين "التعبيرية" و "الأرشيفية" بأن "الصور التعبيرية يكون استخدامها في الحالات العامة، أما الأرشيفية فتستخدم للإشارة إلى صورة ما بأن تاريخها قديم"، في حين ذكر المصور حمزة المزرعاوي أن "الصورة التعبيرية ممكن أن تكون على هيئة رسم أو صورة تُعبر عن مضمون الخبر بشكل عام، أما الأرشيفية فهي صورة حقيقية قديمة".
مشرف غرفة الأخبار في موقع "الجزيرة نت" ومدرب الصحافة الرقمية والتحرير الصحفي في "معهد الجزيرة للإعلام" عثمان كباشي أوضح لـ (أكيد) أن "الصورة مثلها مثل عناصر الخبر أو المواد الصحافية الأخرى، وهنا يجب التأكد من صحتها وموثوقيتها تماماً كما نفعل مع النص الذي نعتمد عليه كمصدر وذلك قبل اتخاذ قرار النشر، وإن نشرناها دون ذلك فستكون وسائل الإعلام أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية".
وذكر كباشي أن بعض المؤسسات الإعلامية "لا تلتزم بمحددات وقواعد العمل الصحافي الأساسية كالدقة والمصداقية والنزاهة فتنشر دون التأكد ولا تهتم لأي عواقب، وذلك بهدف تحقيق السبق الصحافي، وقد يتحقق لها ذلك ولكن ربما اضطرها ذلك للوقوف أمام المحاكم، أو الاعتذار للجمهور، وهنا وجب التذكير بالقاعدة الذهبية في عالم وسائل الإعلام وخاصة الإخبارية منها والتي تقول (لأن تُسبق ألف مرة أفضل من أن تعتذر مرة واحدة)".
وأشار إلى أن "الإنترنت وشيوع وسائل التواصل وسهولة التقاط الصور نتيجة الطفرة التقنية في صناعة الهواتف الذكية كلها عوامل وفرت أعداداً هائلة من الصور وبجودة عالية تغري بالنشر دون التوثق، وبالتالي لا يُقبل النشر دون التحقق في ظل توفر طرق وآليات التأكد والتحقق من مصداقية وموثوقية الصور".
وأضاف كباشي أن "انخفاض الكادر الصحافي العامل يُعد عاملاً مهماً في تفشي الصور والأخبار الكاذبة خاصة في الصحافة المطبوعة".
وحول الفرق بين الصور التعبيرية والأرشيفية وأساليب استخدامهما، فضل كباشي أن تكون المقارنة بين الصورة الأرشيفية والصورة الحية، إذ قال "إن الصورة الحية هي لحظة الحدث وقت وقوعه، أما الأرشيفية فهي صورة كانت ذات يوم حية، ولكن التقادم أدخلها بيت الأرشيف".
وأضاف أن "الصورة التعبيرية هي صورة غير حقيقية، وهي صورة مصنوعة ويمكن أن تصبح أرشيفية، فالصورة التعبيرية تعرف في الصحافة الرقمية بالتصميم، ويتم اللجوء إليها عند عدم توفر صورة للحدث سواء كانت حية أو أرشيفية، والكثير من مواضيع القصص الاخبارية (الفيشر ستوري) وأخبار الجرائم والمحاكم يتم اللجوء فيها لاستخدام التصميمات أو الصور التعبيرية، وفي بعض المحاكم في العالم يُمنع التصوير أثناء سير المحكمة فتلجأ وسائل الإعلام للرسم وهو الأمر المنتشر في الصحافة الأميركية".
ويرى مرصد (أكيد) أن وسائل الإعلام عالمياً تواجه تضييقاً في الحصول على المعلومات والصور من ميانمار، وهو ما انعكس على وسائل الإعلام المحلية في صعوبة الحصول على صور آنية ومواكبة لأحداث العنف الحالية، لكن ذلك لا يُشكل مبرراً لغياب التحقق والتأكد من صحة الصور، في ظل توفر العديد من الوسائل البسيطة التي تُقدم خدمة التحقق من الصور.
ويُلاحظ وجود حالة من الاستسهال لدى بعض وسائل الإعلام في تضمين الصور القديمة للمحتوى الإخباري، عدا عن الاعتماد المبالغ فيه على المحتوى الذي ينتجه مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي، ويرى (أكيد) ضرورة وجود نظام يُصنف المواد المرئية (الصور ومقاطع الفيديو) لتسهيل الرجوع لها عند الحاجة مرفقة بتاريخ ومكان وطبيعة الحدث التي تعرضها هذه المواد المرئية.
ويستنتج (أكيد) أن هذه الحالة من فوضى الصور وعدم التأكد من صحتها وتاريخها مرده إلى الرغبة في نشر الخبر السريع والآني، والبُعد عن مفهوم الصحافة المتأنية التي تقدم تغطية إعلامية ذات عمق وموثوقية.
وتخالف الممارسات السالف ذكرها ميثاق الشرف الصحافي الذي يؤكد على ضرورة الالتزام بالموضوعية والدقة والمهنية، بالإضافة لإخلالها بمعيار الوضوح الذي يؤكد على الوضوح بالإشارة للمحتوى الأرشيفي بذلك ودون إظهار المحتوى القديم على أنه خبر آني، إضافة إلى ضرورة الإشارة بوضوح الى تاريخ وصفة ومصدر الصور (هل هي صور ارشيفية او تعبيرية او مرتبطة بالحدث).
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني