"تحول الفائض المالي إلى عجز في الضّمان الاجتماعي" .. اجتزاء وتهويل أوقع الإعلام الأردني فريسة لمغريات السّبق الصّحفي

"تحول الفائض المالي إلى عجز في الضّمان الاجتماعي" .. اجتزاء وتهويل أوقع الإعلام الأردني فريسة لمغريات السّبق الصّحفي

  • 2024-03-11
  • 12

عمّان 11 آذار (أكيد)- سوسن أبو السّندس- وسائل إعلام محليّة قدّمت معلومات تنقصها الدّقة فيما يخصّ مستقبل الضّمان الاجتماعي، وأثارت الكثير من المخاوف التي من شأنها أن تمس شريحة واسعة من المتقاعدين الذين يعتاشون على راتب الضّمان ويتجاوز عددهم 300 ألف متقاعد، ناهيك عن أثر ذلك على جمهور المشتركين الفاعلين في منظومة الضّمان الاجتماعي الذين يتجاوز عددهم أكثر من مليون ونصف المليون مشترك.[1]

تناقلت وسائل إعلام محلية أخبارًا تشير إلى ما وُصف على أنه دراسة إكتوارية صادرة عن البنك الدولي تحذّر من تلاشي الفائض المالي للضمان الاجتماعي، وتحوّل الفائض إلى عجز خلال السّنوات العشر القادمة.

بحث مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) عن مصدر تلك المعلومات من مصادر البنك الدّولي، فتبيّن أن تلك المعلومات قُدّمت في سياق تقرير للبنك الدّولي جاء بعنوان: "بناء النجاح وكسر الحواجز، إطلاق القوّة الاقتصادية للمرأة في الأردن". ونُشر في شهر تشرين الأول من العام 2023. يتناول التّقرير بعض الدّراسات التّحليلية بشأن الأردن، ويخاطب شريحة واسعة من صانعي السّياسات وأصحاب الأعمال وسائر المهتمّين.[2]

يستعرض التّقرير القضايا المالية التي تؤثر على مستقبل الاقتصاد الأردني، وتم التعريج فيه على موضوع الدّين الحكومي بشكل عام، وعلى حجم القروض الممنوحة من مؤسسة الضّمان الاجتماعي للحكومة بشكل خاص.

وفي هذا الإطار،  أشار التقرير إلى أن صندوق استثمار الضّمان الاجتماعي هو أحد الجهات الرئيسة غير المصرفية التي تحتفظ بما نسبته 20 بالمئة من إجمالي الدّين الحكومي، كما أشار إلى أن التّوسع المستمر في محفظة القروض الحكومية قد يحدّ من قدرة صندوق استثمار الضّمان الاجتماعي من تنويع استثماراته في المستقبل. وقد يكون ذلك على حساب الاستثمار في قطاعات وأصول أخرى.

وفي هذا السّياق، فقد أشار التقرير ضمنًا إلى الدّراسة الإكتوارية المعدّة من قبل المؤسّسة العامة للضّمان الاجتماعي، والتي تتوقع تحوّل الفائض المالي الحالي لدى المؤسّسة إلى عجز في غضون عشر سنوات أو عشرين سنة تقريبا.

تناقلت وسائل إعلام محلية قضية عجز المؤسّسة خلال السّنوات القادمة كحقيقة مجرّدة، وعنونت به تقاريرها دون مراعاة القضايا التّالية:

أولًا: لم يوضع الخبر في سياقه المتعلق بالاقتصاد الأردني بشكل عام وبالدّين الحكومي بشكل خاص. واجتزأت وسائل إعلام قضية تحوّل الفائض المالي في الضّمان الاجتماعي إلى عجز،  الأمر الذي أخلّ بالمعنى الحقيقي للتقرير الذي أشار التقرير إلى أنّ استمرار الدّين الحكومي قد يؤثر على مستقبل الضّمان.

وعلى ذلك، كان لا بدّ من إلقاء الضّوء  على قضية الدّين الحكومي كقضية محورية، ومساءلة صُناع القرارات عن الخطط المستقبلية التي من شأنها تخفيض الدّين الحكومي، وإفراد بند خاص له في الموازنة العامة، لمواجهة التّحدّيات المالية المتمثلة  بزيادة فوائد الدّين العام الدّاخلي والخارجي.

ثانيّا: إن إقحام اسم البنك الدّولي وربطه بالدّراسة الإكتوارية للمؤسّسة العامة للضّمان الاجتماعي، أعطى انطباعًا مغلوطًا حول دور البنك كمؤسّسة تمويل دولية وعلاقته بالمؤسّسات الوطنية الأردنية، علمًا بأن إشارة البنك الدّولي للدّراسة الإكتوارية في التقرير لم تتعد حد الاقتباس.

ثالثّا: إن تناول شؤون الضّمان الاجتماعي وغيرها من المؤسّسات المتخصصة، يتطلب نوعًا من الاختصاص، وذلك لتفادي التّهويل وتجنّب التضليل وغياب المهنية في الأمور المتعلقة بالشأن التّقاعدي والشأن المالي. وفي هذا السّياق، لا بد من توضيح أن فكرة التّقاعد تقوم على تمويل الأجيال لبعضها بعضًا، بمعنى أن جيل الشّباب العامل اليوم يقوم بتمويل جيل المتقاعدين، وهكذا تتناقل العملية من جيل إلى جيل. وعليه فإن ديمومة أي نظام تقاعدي يعتمد على عدة عوامل ديموغرافية واقتصادية ومالية متداخلة، ويتم ذلك من خلال إعداد دراسة تسمى "دراسة إكتوارية". وتقوم مؤسّسات التقاعد بإعداد دراسات إكتوارية بشكل دوري من خلال مستشارين اكتواريّين مستقلّين بهدف الوقوف على حال صناديقها، وبيان توقيت وحجم التغيّرات المطلوبة في القوانين والتشريعات المرتبطة بالمعادلة التّقاعدية، والممارسات المتعلقة بالعمليات الاستثمارية بهدف استدامة عمر هذه الصّناديق. 

تُجري مؤسّسة الضمان الاجتماعي دراسة إكتوارية كل ثلاث سنوات بموجب قانون الضّمان. وقد نُشرت آخر دراسة إكتوارية للضّمان الاجتماعي في شهر آذار 2021، بيّنت أثر مدخلات المعادلة التقاعدية المعمول بها حاليّا على ديمومة المؤسّسة وبالتالي نقطة التعادل،  والتي سيترتب عليها الانتقال إلى عوائد الاستثمار للإسهام في تمويل جزء من التزامات المؤسّسة التّقاعدية المستقبلية كخطوة أولى، ومن ثمّ  إجراء تعديلات قانونية من شأنها الحفاظ على ديمومة المؤسسة.

وخلصت الدراسة إلى عدد من التّوصيات التي تهدف إلى تأخير نقطة التعادل، وتحقيق استدامة أطول لعمر لصندوق. وعليه، فإن المسؤولية تقع على عاتق المؤسّسة لأخذ المبادرات اللّازمة، بما فيها إجراء التّعديلات المطلوبة على القوانين والإجراءات والسّياسات إن لزم الأمر.

وفي هذا الإطار، فإن المخالفة الكبيرة لوسائل الإعلام المرصودة التي تناولت الخبر، تمثّلت بتجاوز حدّ ربط الدّراسة الإكتوارية بالمؤسّسة الدولية إلى ما هو أبعد وأعمق من ذلك، فقد أسهمت تلك الوسائل بغض النظر عمّا إذا كان ذلك مقصودًا أو غير مقصود، في خلق أجواء من الذّعر والتّشكيك في المنظومة التقاعدية التي تمس شريحة كبيرة من سكّان المملكة.