جرب أن تضع عبارة "التعداد السكاني" على محرك البحث الشهير "غوغل"، ستجد أن المواضيع التي تتناول السخرية والضحك هي التي تتصدر قائمة المواد التي عثر عليها "غوغل" في ما يتعلق بهذا الأمر.
رغم الجهود الإعلامية الرسمية التي تكثفت في الأسابيع الأخيرة التي سبقت بدء تنفيذ التعداد بهدف إبراز أهمية هذا الحدث، إلا أن أجواء التشكيك ظلت سائدة، بحيث جاء جزء كبير من المواقف الإعلامية الرسمية ردودا على تلك الأجواء المشككة. بعض تلك المواقف جاء على شكل تصريحات لمديردائرة الاحصاءات تنفي أية أبعاد سياسية، كما كان هناك محاولات لطمأنة المواطنين بأن التعداد إجراء طبيعي، وأنه لن تترتب عليه أي تبعات مالية، مع تأكيدات على أنه لن ينتهك خصوصيات الناس...إلخ.
والملاحظ أن الصحف والمواقع الالكترونية حافظت على "وقار" المتابعات والتغطيات حتى اليوم السابق لبدء تنفيذ التعداد صبيحة يوم الإثنين 30 تشرين الثاني (نوفمبر).
طيلة يوم الأحد 29 تشرين الثاني، انشغلت وسائل الإعلام بتناقل خبر قصير انفردت به صحيفة "الرأي" الصادرة يوم الأحد عن احتمال إقرار الاثنين عطلة رسمية، رغم أن الصحيفة ذاتها كانت قد نقلت قبل ذلك عن وزير الإعلام نفيه وجود عطلة في ذلك اليوم.
قرار العطلة الذي تأخر صدوره رسميا إلى ساعات ما بعد الظهر، أشغل الناس لساعات على صفحات "فيسبوك" قبل تأكيده، وفي الأثناء كانت مزاجهم تجاه عملية التعداد ينقلب بتسارع، نحو السخرية والضحك، كما عبروا عن ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
سارعت المواقع الإلكترونية إلى نقل نكات المواطنين عن التعداد مع أنها كانت في كثير من الحالات نكاتا متواضعة المستوى، مكررة وجاءت على شكل نقل لمنشورات صفحات "فيسبوك". وحتى عندما حاولت بعض المواقع التنويع، فإنها كررت الصور الساخرة التي أعدّها مواطنون، وهناك من المواقع من ظن أن الصور هي مما صادفه عاملو الإحصاء في الميدان.
لكن الحدث الأبرز الذي رفع من مستوى السخرية كان الأغنية التي بثها التلفزيون الأردني وعرفت بأغنية الإحصاء، ونشرتها مواقع كثيرة وتبادلها المواطنون، بخاصة بعد أن ظهر الخلل في البث.
موقع إلكتروني أردني آخر بحث عن حالة شبيهة، ونشر تجربة مماثلة مع الغناء للتعداد السكاني في موريتانيا التي تبنى إعلامها رسميا تسمية نشيد الإحصاء الموريتاني.
موقع وحيد بادر إلى الاتصال بالمطرب صاحب الأغنية الذي قال إنه تابع على مواقع التواصل الاجتماعي التعليقات الساخرة والمتهكمة على الأغنية، وأكد بأن 65% من الأردنيين لم تعجبهم هذه الأغنية لأن فحواها يتحدث عما تهتم بها الدولة الأردنية.
صحيفة ورقية واحدة تابعت موجة السخرية تلك، وكتبت تقريرا على صفحتها الأولى بعنوان: التعداد السكاني بين الجد الرسمي والمرح الشعبي ونقلت بعضا من محتوى ما تداوله المواطنون والمواقع.
في المحصلة، ورغم كثافة المادة الإعلامية التي تناولت مشروع التعداد، مضافا إليها المواد الإعلانية التي نشرتها السلطات الرسمية في الشوارع، أو على شكل إعلانات مدفوعة في الصحف، إلا أن موجة التشكيك والسخرية طغت على المشهد الإعلامي شعبيا.
ومن الغريب أنه رغم هذا الحجم من الإعلام والإعلان، فإن الناس راحوا يتبادلون أسئلة الإحصاء على شكل مفاجآت. ونقلتها بعض المواقع في اليوم الثاني للإحصاء، كما تنقل السبوقات الصحفية، كما نشر أحد المواقع فيديو وصورا لعملية العدّ.
وهذ يعني أن الإعلام الرسمي والأهلي لم يتمكنا من إيصال المعلومة للناس على بساطة تلك المعلومة. لقد اتخذ الإعلام شكل حملة ترويج شبيهة بتلك التي تجري للسلع، ولكن ألم يكن بالإمكان المبادرة إلى كشف سر استمارة الإحصاء إعلاميا قبل أن يُفاجأ الزبون بالسلعة على باب بيته؟
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني