الإثنين 7 نوفمبر 2016 أكيد- أنور الزيادات
يوم الخميس 3 تشرين ثاني، تناقلت وسائل الإعلام خبرا مفاده تعرّض طفل لجرعة مخدرات بكوب نسكافية في بلدة الشجرة في لواء الرمثا، هذا الخبر الذي نشر بشكل واسع، سرعان ما تبين أنه غير غير دقيق وخاصة لجهة سبب الوفاة، وقد نشرت بعض تلك الوسائل النفي كخبر جديد من دون توضيح مبررات الخطأ الذي وقعت به.
عند التدقيق في الخبر، وفي تفاصيل ما نُشر، نجد أن بعض المواقع نقلت، في بعض الحالات، معلومات عن مصادر مجهولة أو عن والد الطفل، فيما كانت المعلومات من النوع الذي يحتاج لرأي علمي مختص، ولا يمكن الاعتماد فيها على توقعات، أو استنتاجات غير علمية ومصادر غير موثوقة.
على سبيل المثال، نُشر الخبر في أحد المواقع تحت العنوان التالي: “مخدرات في كوب قهوة تفقد طفلا الوعي“، وجاء في تفاصيله: “أُصيب طفل، الأربعاء، إثر تناوله كوب قهوة يحتوي على مادة مخدرة، اشتراه من كشك، في بلدة الشجرة، في لواء الرمثا، شمالي الأردن، حسب مصدر طبي”.
إن عدم ربط المعلومات العلمية بشخص معرف، يثير الشك بمصداقية المعلومة المنشورة، ثم إن المعلومة التي نقلها الموقع على لسان “مصدر طبي” نفاها مدير مستشفى الرمثا الحكومي الدكتور اكرم الخصاونة، الذي أكد عدم استقبال مثل هذه الحالة. كما أن واقعة شراء الطفل للقهوة من كشك في الشارع ليست معلومة طبية كي تنسب إلى مصدر طبي.
احدى الصحف نشرت الخبر مرتين، الأولى كانت بعنوان “طفل يشرب جرعة مخدرات في” كوب ” نسكافيه“، ونسب المعلومة الواردة في العنوان إلى والد الطفل، بينما حمل الخبر تصريحا لمدير شرطة لواء الرمثا العقيد صادق العوران قال فيه إنه لم يبلغ قسم المخدرات أو مديرية الشرطة بمثل هذه المعلومات، إلى جانب نفي مدير مستشفى الرمثا، ولم توضح الصحيفة سبب تبنيها لرواية والد الطفل.
الخبر نشر مرة أخرى في الصحيفة ذاتها بعنوان: “طفل الرمثا تعرض لشحنات كهربائية وليس لجرعة مخدرات“، ويسجل للصحيفة متابعة الموضوع وتعديلها للعنوان بناء على معطيات جديدة حصلت عليها.
أغلب المواقع والصحف أعادت نشر الخبر منسوباً في بعض الحالات إلى الصحيفة التي نشرته أصلاً، بينما تجاهلت مواقع أخرى مصدر الخبر.
لاحظ مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد” أن عدداً من المواد التي غطت هذا الخبر اعتمدت على العنوان الجاذب من أجل شد انتباه القراء مثل: الرمثا .. نقل طفل الى المستشفى بسبب مواد مخدرة في كأس قهوة. وهذا الخبر اعتمد أحياناً، على مصادر جماعية مبهمة مثل: “مواطنون” شهود عيان” “أهالي المنطقة”، وهي مصادر لا يمكن الـتأكد من مصداقيتها، أو الرجوع اليها.
ونقرأ في عنوان خبر آخر: مخدرات في “كأسة قهوة” تُدخل طفلا الى المستشفى .. والامن يوضح، وهذا الخبر نسخة طبق الاصل من الخبر السابق، باستثناء العنوان.
وبنظرة واحدة إلى مجموعتي العناوين للخبر ذاته ندرك مدى الخلل والتشويش المحتمل:
المجموعة الأولى تضم العناوين التي تبنت رواية “المخدرات”:
طفل يشرب جرعة مخدرات في كوب نسكافية
طفل يتعرض لجرعة مخدرات بكوب نسكافية في بلدة الشجرة
هذه قصة الطفل الذي تناول جرعة المخدرات بـ”النسكافيه” في الرمثا
طفل في الرمثا يشرب جرعة مخدرات في كوب نسكافية اشتراه من كشك
والمجموعة الثانية التي تروي أسباباً أخرى:
طفل الرمثا تعرض لشحنات كهربائية وليس لجرعة مخدرات
شحنات كهربائية أصابت “طفل الرمثا”
نفي أمني تعرض طفل لجرعة مخدرات بـ”النسكافيه” بالرمثا
الأمن يوضح لسرايا : طفل الرمثا يعاني من تشنجات عصبية ولم يتلقى جرعة مخدرات
إن الحضور المتزايد لقضية خطيرة وهامة مثل المخدرات في الإعلام يتطلب الحذر والحساسية نظراً للمتابعة الجماهيرية الواسعة لما ينشر، وفي هذه الحالة تندرج سعي وسائل الإعلام وراء العنوان الجذاب الخاطئ أو غير الدقيق في سياق المخالفات المهنية والأخلاقية، لأنه يصعب فيما بعد السيطرة على نطاق التضليل والتشويش الناتجين.
لقد رجحت أغلب الأخبار المنشورة في الحالة التي نعالجها هنا رواية “المخدرات” نظراً لجاذبيتها، ولا يجوز التذرع بمصدرها (والد الطفل) الذي لا يملك حق البت في سبب الوفاة.
أما في حالة كانت وسيلة الإعلام تشكك في “الرواية الرسمية”، وهذا من حقها، لكن الممارسة المهنية الصحيحة في مثل هذه الحالة، تكون في إجراء الاستقصاء اللازم، وليس تبني الرواية المضادة، خاصة وأن القضية المطروحة تتعلق بحادثة وليست قضية رأي عام أو قضية خلافية تبيح للصحيفة ترجيح خطها التحريري.
كما هو واضح، فقد أخلّ جزء من التغطية الإعلامية لهذه الواقعة بمعيار “الدقة”، ولكن الضرر يكون عادة قد تحقق بشكل لا يمكن للتصحيح اللاحق، على أهميته ومهنيته، أن يمحي الأثر السلبي كلياً.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني