أكيد – حسام العسال
انشغل الأردنيون ووسائل الإعلام بتسريب مقترح لتعديل قانون ضريبة الدخل ليومية الرأي في نهاية الشهر الماضي يتحدث عن "فرض ضريبة على دخل الأعزب فوق 6 آلاف دينار سنوياً والمُعيل 12 ألف دينار"، وهو ما أسال حبر المعلقين والصحافيين لتغطية حيثيات التعديل المقترح، وتحديداً بعد أن شابه التناقض في التصريحات الحكومية حول نية الحكومة وتوجهها لإقرار هذا المقترح.
وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني صرح لوكالة الأنباء الأردنية "بترا" بخصوص المعلومات المتداولة حول تعديلات قانون ضريبة الدخل الذي من المتوقع أن يخفض الاعفاءات السنوية الممنوحة للأفراد والأسر قائلاً إنها "مجرد مقترح ضمن عدة مقترحات، يتم دراستها حاليا في إطار الدوائر المختصة والمتصلة بوزارة المالية"، مضيفاً بأن مجلس الوزراء لم يُناقش أي مقترح لتعديل القانون.
يومية "الغد" عززت الجدل حول نية الحكومة وتوجهها لتعديل القانون بنشرها لمادة إخبارية يوم الخميس 7 أيلول 2017 عُنونت بـ "الحكومة تتعهد لـ"النقد الدولي" بتخفيض الإعفاءات الضريبية" تضمن ترجمة لرسالة نوايا موقعة من وزير المالية عمر ملحس بصفته محافظا لدى "النقد الدولي" ومحافظ البنك المركزي الأردني الدكتور زياد فريز تتضمن تعهداً بـ "تخفيض كبير لعتبة الحد الأدنى لضريبة الدخل إلى 6000 دينار للأفراد و12000 للعائلات لتقريبها أكثر من المعايير الدولية".
وفي اليوم ذاته صرح الوزير المومني للتلفزيون الأردني قائلاً "أكاد أجزم أن توجه مجلس الوزراء لن يمس الشرائح المعفاة من الضرائب للأفراد والأسر، وهي 12 الف للفرد و24 الف للأسرة "، ونشرت "بترا" أيضاً تصريحات المومني للتلفزيون الأردني بنفس المضمون.
مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" تواصل مع وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني، وسأله حول التباين بين رسالة النوايا المرسلة لصندوق النقد الدولي، وبين تصريحاته الأخيرة، فاكتفى بالرد قائلاً "تصريحي يوضح الأمر بقدر ونكتفي به".
كما تبين لـ "أكيد" حقيقة وجود رسالة النوايا المرسلة من ملحس وفريز لصندوق النقد الدولي، ووجد المرصد أنها مرسلة من قبلهما بتاريخ 2 حزيران 2017 إلى كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي، وتضمنت الرسالة مرفقاً بعنوان "مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية" والتي احتوت النص التالي "بالتشاور مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، نقوم بتقييم الخيارات لتوسيع قاعدة ضريبة الدخل وتعزيز الامتثال الضريبي، وذلك بهدف تعديل قانون ضريبة الدخل مع نهاية تشرين الثاني من العام الحالي 2017. ونتوقع أن يقدم هذا الإصلاح زيادة دائمة في الإيرادات بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي، بمجرد تطبيقه في العامين 2018 و2019، وتشمل خيارات ضريبة الدخل الشخصي تخفيض الحد الأدنى للضريبة على الدخل الشخصي للأفراد الى 6000 دينار، وللعائلات 12000 دينار، لجعلها أكثر انسجاما مع المعايير الدولية".
وخلق هذا التناقض لبساً وإرباكاً لدى وسائل الإعلام حول جدية توجه الحكومة لتقديم مقترح بتعديل القانون بناءً على المقترح المنشور بجريدة الرأي، خصوصاً مع إصرار في التصريحات الرسمية حول عدم وصول مقترحات التعديل إلى مجلس الوزراء، رغم تعهد وزير المالية ومحافظ البنك المركزي للاغارد بإتمام التعديل في تشرين الأول المقبل بناء على مضمون الرسالة المرسلة في حزيران الماضي.
رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب أحمد الصفدي أوضح لـ (أكيد) أنه لم يصلهم أي مقترح يتعلق بالقانون، وأنه تواصل مع وزير المالية الذي أوضح له أنه "لا يوجد حتى الآن مقترح محدد لتعديل قانون ضريبة الدخل".
وذكر المستشار الإعلامي لوزير المالية أنس قطاطشة لـ (أكيد) أنه "لا يستطيع التصريح بخصوص تعديل القانون إذ أن مجلس الوزراء حصر التصريح بالموضوع بوزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني".
وأكد الصحفي المتخصص بالقضايا الاقتصادية فايق حجازين لـ (أكيد) أن تعهد وزير المالية ومحافظ البنك المركزي لصندوق النقد الدولي بتخفيض الحد الأدنى للضريبة على الدخل الشخصي للأفراد "غير ملزم للحكومة، إذ أن التعديل يمر بقنوات دستورية من خلال موافقة الحكومة على مشروع التعديل، وإرساله لمجلس الأمة بغرفتيه لإقراره والموافقة عليه".
وأضاف حجازين أن "عدم الإيفاء بالتعهد لن يُشكل حرجاً مع صندوق النقد الدولي، فالصندوق يُحدد أهدافاً عامة تُلزم الحكومة بزيادة الإيرادات بطرق مختلفة ومتعددة".
وسائل الإعلام اهتمت بالقضية نظراً لحساسيتها وتأثيرها على شريحة واسعة من المواطنين، ففي البداية تناقلت التسريب الذي نشرته صحيفة الرأي، ونشرت عدة مواد ناقدة لمقترح التعديل، إذ نشر موقع الكتروني مادة رصدت ردود الأفعال على منصات التواصل الاجتماعي بعنوان "استياء شعبي من مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد"، ومادة أخرى عنونت بـ "هل تطلق الحكومة رصاصة الرحمة على الطبقة المتوسطة بالأردن؟" تناولت ردود ناقدة من قبل مختصين، وعكست مادة أخرى حالة من القلق لدى الخبراء الاقتصاديين نحو التعديل المقترح، إضافة لتقرير نقل في عنوانه جزءاً كبيراً من حديث الأردنيين خلال عطلة عيد الأضحى "تسريبات "معدل ضريبة الدخل" تسرق فرحة العيد من الأردنيين".
وعكست العديد من وسائل الإعلام رفض العديد من النواب للتعديل المقترح، وتعدهم برد القانون وعدم الموافقة عليه، ومن ذلك تعهد رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة بحماية الطبقة الوسطى والتصدي لأي مقترح يمس هذه الطبقة، وتلويح النائب مصلح الطراونة بوجود مجموعة كبيرة من النواب تعمل على إسقاط التعديل المقترح، وقرار النائب ابتسام النوافله بعدم الموافقة على مشروع قانون ضريبة الدخل في حال عرضه على مجلس النواب.
وحاولت يومية الرأي الترويج للتعديلات على القانون بمادة أشبه بمقال الرأي نُشرت على صفحتها الأولى بعنوان "ضريبة الدخل.. الحكومة لن تمضي في أي سيناريو دون حوار وطني معمق"، والتي ذكرت أن "جزء من إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي يهدف بالدرجة الأساس الى تحقيق العدالة الضريبية بين مختلف شرائح المجتمع ويوفر حماية للشريحتين الأقل دخلا والمتوسطة"، ورأت أن الخيارات أمام الحكومة محدودة، وأن الاعتماد المستمر على المساعدات والمنح ان كان لتمويل عجز الموازنة أو تمويل المشاريع لن يصمد طويلا أمام اتجاهات تراجع مخصصات الدول المانحة.
واستمرت "الرأي" في ذات منوال الترويج لتعديل القانون ووصفت من يعتبر أن ضريبة الدخل ترفاً حكومياً أو جباية ب"المتحذلقين"، مع الاستعانة بـ "خبراء" (دون إيضاح هويتهم) يدعون الأردن للاستفادة من تجربة الدول الغنية في "إشراك المواطنين في تحمل جزء من مسؤوليتهم تجاه أوطانهم مقابل استمرارها في تقديم الخدمات التعليمية والصحية وبناء البنية التحتية والتوظيف والقدرة على جذب الاستثمارات وخلق بيئة اقتصادية أمنة تحقق الأمن الاجتماعي"، الأمر الذي يُعطي انطباعاً على أن المواطن الأردني غير دافع للضرائب بالأصل.
يُذكر أن صندوق النقد الدولي سُيرسل بعثة للمملكة الأسبوع المقبل وفق ما أعلنته وزارة المالية الأحد 10 أيلول 2017، وأوضحت أن "الزيارة تأتي في إطار المراجعة الدولية لإداء الاقتصاد الوطني ولمدة أسبوع واحد والاطلاع على المؤشرات المالية والاقتصادية ضمن برنامج الاستعداد الائتماني الموقع مع الصندوق، مناقشة الإجراءات المتعلقة بالبرنامج".
ويرى مرصد (أكيد) أن وسائل الإعلام اهتمت بالتعديل المقترح كونه على تماس مباشر مع شريحة واسعة مع المواطنين، واعتبار الكثير من الخبراء أن ذلك سيكون له أثر سلبي على الطبقة الوسطى، كما أصيبت وسائل الإعلام بحالة من الارتباك نتيجة عدم وضوح توجه الحكومة الحقيقي من طبيعة التعديل.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني