المصداقية بمواصفات محلية.. (أمجد أبو عليقة) إعلام متنقل في شمال الأردن

المصداقية بمواصفات محلية.. (أمجد أبو عليقة) إعلام متنقل في شمال الأردن

  • 2017-10-28
  • 12

أكيد- أحمد أبو خليل

يدرك أهل الرمثا اليوم أنه عندما يرغب أحدهم بنشر خبر على نطاق واسع، فعليه أن يبحث عن السيد "أمجد أبو عليقه"، لكن أمجد نفسه كثيرا ما يكون حاضرا بمبادرة منه في أحداث عامة وشخصية لأهل مدينته.

لقد تحول أمجد أبوعليقة إلى وكالة أنباء متنقلة حيوية جاهزة على مدار الساعة من خلال حسابه الشخصي على الفيسبوك الذي يحظى بحوالي 58 ألف متابع أغلبهم من أهل الرمثا (ممن يسكنونها أو ممن هم في المهجر).

دمج أمجد بين الافتراضي والواقعي في حالة واحدة وبطريقة مثيرة، فهو يحضر ويشارك وينفعل ويبث على الهواء مباشرة منذ أن أصبح البث الحي متاحاً من خلال فيسبوك، وقبل ذلك كان ينشر الخبر فورا ويلتقط الصور التي يحرص هو والناس المعنيون في الحدث، على أن يظهر فيها، ومع الزمن أصبحت صورة أمجد جزء رئيسا ودليلا على وقوع الحدث فعلاً، ويلاحظ أنه في المناسبات الاحتفالية يحرص على ألوان خاصة للجاكيت والقميص وربطة العنق بما يجعله في بؤرة الصورة. 

وإذا كان تعبير "المواطن- صحفي" اشتهر في الأدبيات الإعلامية الحديثة، فإن أمجد يمثل أيضاً ظاهرة "الصحفي المواطن" أي الصحفي المشارك كمواطن. لكن أمجد لا يعرف نفسه كصحفي، بل كـ"رمثاوي" يحب مدينته ويريد نشر أخبارها.

مدينة الرمثا التي يبلغ عدد سكانها 155 ألفا (2015)، ويعمل أهلها في التجارة كنشاط رئيسي، لا يزال أهلها يحبون تعريف أنفسهم كهوية محلية خاصة، وهو ما يلقي بظلاله على عمل أمجد، إذ عليه دوماً أن يراعي خصوصية ظروف عمله.

وسيلة الإعلام الأبرز محليا

حساب أمجد على الفيسبوك هو اليوم وسيلة الإعلام الأبرز محليا في الرمثا، مع توسع مضطرد في محافظة اربد، وباعتراف كثيرين فقد تفوق (حضورا وحيوية) على وسائل إعلام محترفة قدمت نفسها على المستوى المحلي.

استطعنا في "أكيد" ترتيب موعد للقاء أمجد وسؤاله عن تجربته، وحوالي التاسعة ليلاً تمكنا من اقتطاع جزء من وقته، فهو "تحت الطلب" دوماً. سألناه عن سر نجاحه فقال "المصداقية والثقة"، ولكن في التفاصيل نجد أنه اختط لنفسه تعريفا خاصاً للمصداقية.

تصلح حالة أمجد كمثال على تجليات الإعلام الجديد على مستوى محلي، وعلى علاقة التطويع المتبادل بين الإعلام وبين المحلي، لقد اعاد كل منهما تعريف الآخر بمرونة. إننا بصدد ممارسة إعلامية جرى تكييفها وفق شروط خاصة.

أمجد أبو عليقة في الحادية والخمسين عمره، يعمل "كهربائي سيارات" منذ عام 1979 إذ لم يستطع إكمال دراسته بعد التوجيهي، ولا يزال محله مفتوحاً وعاملاً، لكنه شخصياً توقف عن العمل فيه.

يقول أمجد، إن أول نشاط له في الحياة العامة للرمثا كان عندما أسس جمعية خيرية لدفن الموتى عام 1991، كان يرغب بأن يقوم بعمل لوجه الله، ولأنه كان يقوم بعمله بحماس وبلا مقابل، فقد أحبه الناس، وبالفعل فإنه موجود في أغلب حالات الوفاة بغض النظر عن شخصية المتوفي وعلاقته به، وهو يشارك بإجراءات الدفن كاملة، وباندفاع وسط احترام الناس وإعجابهم، في لحظات اعتاد الناس ان يتعاملوا معها بحساسية، ثم يغادر مكتفياً بشكر وأدعية الحضور له.

في عام 2005 ومع انطلاق خدمة الفيسبوك أنشأ أمجد حسابا مختصاً إلى حد ما بأخبار الوفيات في الرمثا، ومع مرور الوقت صار أهل المتوفى يحرصون على أن يبلغوا أمجد بوفاة ابنهم، فينشر الخبر ثم يحضر الدفن، وفيما بعد صار ينشر الصور.

في مرحلة لاحقة أضاف أمجد إلى نشاطه "الإعلامي"، أخبارَ المناسبات الاجتماعية الوقورة وخاصة "الجاهات" ثم الأعراس، ثم أخذت تغطياته تتسع، وازدادت وتيرتها مع توفر خدمة البث الحي عبر الفيسبوك.

يبدأ أمجد عمله التطوعي (لغاية الآن) باكرا بمنشور يقول "صلاة الفجر"، ثم ينشر بعض الحكم والملاحظات العامة، وقد ينشر أخباراً أو صوراً منوعة "صباحية"، بانتظار أول حدث، ثم يواصل نشاطه حتى وقت متأخر من الليل.

يقول أمجد إنه وفقا لتقاليد العلاقات الاجتماعية، يبادر من دون دعوة لتغطية أخبار حالات الدفن ومراسيمها، ويرى أن هذا من واجبه، ويقوم به مع كل حالات الوفاة التي يعلم بها، وتشمل الجميع بمن فيهم في السنوات الأخيرة السوريون الذي يتواجدون بكثافة نسبية في الرمثا. ولكن أمجد في المناسبات السعيدة ينتظر أن يتلقى الدعوة للحضور من قبل أصحابها، لأنه لا يريد أن يكون متطفلاً. وتلك أصبحت من شروط العمل الإعلامي الخاصة بأمجد، إنه في خدمة أهل الرمثا، ولكنه يقوم بذلك وفق الأصول.

ما الذي لا يغطيه أمجد؟

يقول أمجد إنه لا يغطي ما يسيء إلى الأردن أو الرمثا. ولتحديد "ما يسئ"، يعتمد التقدير العام وتقديره الشخصي، وهو بهذا ليس وسيلة إخبارية اعتيادية مفتوحة بالكامل، فهو لا ينشر الأخبار التي يمكن أن تتسبب بإساءة أو تثير خلافاً، فهو لا يغطي أخبار الجرائم أو المشاجرات أو ما شابه. لكنه برز في تغطية آخر حدث شهدته الرمثا قبل أسابيع وهو حادثة الاعتداء على الأستاذ الجامعي محمد ذيابات من قبل عناصر في الأمن الجنائي، وقد غطى بعض اللحظات الحساسة من احتجاجات أهل المدينة بما في ذلك لحظات تعرضهم للقنابل المسيلة للدموع عندما قامت قوات الدرك بتفريقهم. وقد ظهر أمجد بصوته وصورته وهو يصف المشهد ولكنه، وعلى طريقته الخاصة كان يبدي استياءه مما يشاهده، ويقول لقد اقتربت من موقع المسؤولين الأمنيين والإداريين وقلت لهم على الهواء مباشرة أن هذا غير مقبول وأن السكان في بيوتهم يتضررون من روائح الغاز.

ولدى أمجد استثاءان آخران في عمله الإعلامي: فهو لا يغطي الأخبار السياسية ولا الرياضية. وعندما قلنا له إن عدم تغطية السياسة مفهوم، فلماذا الرياضة، أجاب: لا أغطي الرياضة كمجريات لأنها عادة ما تحتمل الخلافات والمشاكل، ولكن عندما تنتهي المباراة وتظهر النتائج أقوم بالمتابعة والتعليق وخاصة عندما تكون النتيجة مفرحة.

وبالفعل، فبعد مباراة أخيرة لفريق الرمثا، وبعد أن انتهت النتيجة لصالح الرمثا، عقد على الهواء مباشرة ما سماه "مؤتمر صحفي" قبل أن يستدرك بقوله أنه ليس مؤتمرا صحفيا بالكامل، ثم قدم مقابلات مصورة حية مع مختصين ومتابعين أجروا تحليلا لمجريات المباراة ووضعوا ملاحظاتهم، غير أنه وضيوفه قاموا بذلك على طريقتهم العفوية والشعبية، من حيث المداخلات والتعليقات، رغم أن بعضها احترافي، ولكن في الرمثا يتعين على المحترف المختص أن يكون رمثاوياً أولاً! إنهم يعلمون طبيعة الجمهور المتوقع.

أمجد أبو عليقة حصرياً

غير أن حدثا هاما كان أمجد هو المتابع الحصري له دون القنوات الفضائية الكبرى التي حضرت ولم يسمح لها بالتغطية كما سمح لأمجد. ففي شباط الماضي من هذا العام 2017، كانت الرمثا على موعد مع واحدة من إحدى ذروات القتال في سوريا (في درعا المجاورة)، وقد تعطلت الحياة إلى حد كبير في الرمثا تحت ضغط البث الإعلامي ما اضطر وزارة التربية إلى تعطيل المدارس، وتوقفت الحياة التجارية، وهرعت الكثير من وسائل الإعلام إلى المنطقة.

كانت كاميرا أمجد هي الوحيدة التي سمح لها الاقتراب من الحدود والبث المباشر من نقطة قريبة، في حين كانت القنوات الفضائية تبث من بنايات عالية داخل المدينة بعيدا عن الحدود.

سالنا أمجد عن سر هذا "التمييز" الذي مُنح له، فأجاب: لأن الدولة تعرف أنني لا أملك أهدافاً خاصة لي وأني أبث بحيادية وأن مصلحة الرمثا أمام عيني. ويضيف: لهذا فإن تجار السوق في الرمثا والأهالي سعدوا كثيراً من عملي، لأن الانطباع الذي كان سائداً من خلال وسائل الإعلام، يوحي وكأن "الحرب في الرمثا"، وقد قمت من خلال بثي الخاص بتفنيد كل الأخبار الكاذبة التي كانت تنتشر حول سقوط قذائف في الرمثا وغيرها من آثار مزعومة للقتال.

نشاط إعلاني (بلا مقابل للآن)

في الشهور الأخيرة انتبه السكان إلى حجم المتابعة لما ينشره أمجد، فصاروا يدعونه لمناسبات خاصة ذات طابع إعلاني، كأن يبث رسائله من محلات معينة، أو أن يغطي أخبار افتتاح لبعض المشاريع التجارية والخدمية، وهو يقوم بذلك بالطريقة ذاتها التي يمارسها في النشاطات الأخرى.

وعندما قلنا له إن هذا عمل إعلاني يختلف عن تغطية الأخبار فلماذا لا يكون مقابل أجر؟ أجاب أن كثيرين ينصحونه بذلك وانه يفكر في الأمر. لكنه يقوم للآن بعمله خدمة للناس، بل إنه غطى نشاطات تجارية لأشخاص من الرمثا في العاصمة عمان وفي العقبة.

يشكل أمجد مصدرا لأخبار البلد عند المئات من شباب الرمثا في الخارج، وخاصة في أوروبا، كما ينشر أخبارهم من هناك عندما يزودوه بها، ومؤخرا مثلاً نشر خبر فوز أحد أنباء الرمثا برئاسة "نادي الرمثا النمساوي الاجتماعي" في النمسا! كما نشر خبرا عن مسيرة من عشرين سيارة تحمل العلم الأردني وعلم نادي الرمثا انطلقت من فرانكفورت باتجاه دوسلدورف تشجيعاً لنادي الرمثا (وهما مدينتان شهيرتان في الرمثا بسبب تجربة عمل وتجارة تمتد لأكثر من ستة عقود).

أمجد سعيد جداً بما حصل ويحصل عليه من مكافأة معنوية عالية من أهل الرمثا، فعندما ترشح للانتخابات البلدية نال أعلى الأصوات ليس فقط في الرمثا بل على مستوى الأردن كله، يقول: حصلت على أكثر من 99% من الأصوات، وقد انتخبني الجميع تقريباً.

يضع أمجد بجانب اسمه على الفيسبوك حرف "د" أي "دكتور"، وهو اللقب الذي يعتمده الناس تحببا واحتراما، لكنه يقول إنه حصل على هذا اللقب كتكريم من "المبادرة العالمية للقيادات الانسانية"، وهو لا يرى في استخدام اللقب تمويهاً أو تضليلاً لأحد، فكل أهل الرمثا يعرفون عمله الأصلي، مع أنه يتذكر أنه سجل فعلاً لدراسة الطب في حلب لمدة عام ولم يتمكن من إتمام دراسته.

وعندما سألناه اخيراً عن موقف أسرته، أجاب إنهم راضون عن طبيعة العمل، لكنهم أخذوا يشعرون بأثر ذلك لأنه يستهلك كل الوقت، إنه عمل مرهق وجزء منه على حساب الالتفات إلى الأسرة.

على حساب أمجد لغاية الآن حوالي 7 ملايين صورة وفيديو ومنشور، وهي تشكل أرشيفاً تطور خلال أكثر من عشرة أعوام، وهو يرى اليوم أن مشروعه قابل للتطوير، فهو لا يتوقف عن متابعة كل جديد يتيحه الإعلام الجديد.