تضاربت أخبار وسائل الإعلام بشأن وقوع وفيات جرّاء العاصفة الرملية، التي اجتاحت المملكة ابتداء من مساء الاثنين 7 أيلول (سبتمبر) الجاري. ففي حين خرجت صحيفة "السبيل"، يوم الأربعاء 9 أيلول، بعنوان عريض، على صدر صفحتها الأولى، يؤكد وقوع حالتي وفاة في إربد جرّاء العاصفة، قالت صحيفة "الغد" إن ارتباط الوفاتين بالحالة الجوية يقع في دائرة الاشتباه، ولم يُحسم بعد. أما "الدستور"، فقد نفت الخبر بشكل حاسم.
والمفارقة هي أن "السبيل" التي حسم عنوانها ومقدمة خبرها تسبب العاصفة بالوفاتين، فإن متن خبرها ذاته، نفى هذا الحسم، عندما نسب إلى مصدر مختص "استبعاده" أن تكون العاصفة هي سبب حاتني الوفاة. وهو نفي عادت وزارة الصحة وأكّدته في وقت لاحق.
وكانت وسائل الإعلام قد بدأت منذ مساء الثلاثاء 8 أيلول، بتداول أخبار متضاربة بهذه الخصوص، فقد نشرت مواقع إلكترونية، منها: "جراءة نيوز" و"جراسا نيوز" و"الوقائع الإخبارية" أخبارا متطابقة، أكّدت عناوينها الربط بين الوفاتين والعاصفة، من دون سند في متون هذه الأخبار. مثلا، كان العنوان في أحدها "الحالة الجوية تتسبب بوفاتين و200 إصابة بالاختناق في مدينة إربد"، وفي أخرى "وفاتان و200 حالة اختناق في إربد بسبب العاصفة"، في حين أن "المصدر الطبي في مستشفى الأميرة بسمة"، الذي نُسبت إليه المعلومة، لم يقل سوى أن حالتي وفاة وصلتا إلى المستشفى وأن "لديهم سيرة مرضية تشير إلى أنهم يعانون من أمراض صدرية وتنفسية". لكن هذا المصدر لم يقل صراحة إن الوفاتين كانتا مرتبطتين بالعاصفة.
في المقابل، نشرت "الغد" في ساعة متأخرة من ليل اليوم نفسه، على موقعها الإلكتروني، خبرا قال عنوانه إن وفاتي إربد "يشتبه" بأنهما كانتا بسبب الحالة الجوية. وقد نَسَبَ الخبر، الذي نقلته عن "الغد" مواقع إلكترونية مثل: "زاد الأردن" و"جفرا" و"الوكيل". إلى مدير مستشفى الأمير بسمة، الدكتور أكرم الخصاونة، قوله إن حالتي الوفاة اللتين كانتا لطفل في الثالثة، يعاني من تشوهات خلقية، وثمانيني يعاني من أمراض صدرية، لم تتضح بعد، إذ لم تُجر بعد "أي فحوصات لهما للوقوف على أسباب الوفاة (...) وتم تحويلهما إلى مركز الطب الشرعي في إقليم الشمال للوقوف على ذلك".
لكن"الدستور"، نشرت في نسختها الورقية صباح الأربعاء 9 أيلول، نفيا صريحا لارتباط العاصفة الرملية بحالتي الوفاة، نسبته إلى مدير مديرية صحة إربد، الدكتور حيدر العتوم، الذي قال بحسب الصحيفة إن "الوفاتين اللتين وقعتا كانتا وفاتين طبيعيتين، وليس لهما علاقة بالأحوال الجوية السائدة".
وتصريح مدير "صحة إربد" يثير التساؤل عن السند الذي اعتمد عليه، خصوصا عندما نأخذ في الاعتبار أن تصريح مدير مستشفى "بسمة" لـ"الغد، الذي قال فيه إن الفحوصات المقرر أن تحدد سبب الوفاة، لم تُجر بعد، قد نُشر الساعة العاشرة والنصف من ليل 8 أيلول، في حين خرج تصريح مدير "صحة إربد" الذي حسم "طبيعية" الوفاتين في النسخة الورقية لـ"الدستور"، التي صدرت صباح 9 أيلول. ومعروف أن الصحف تُطبع في الليلة التي تسبق يوم صدورها. فهل أجُريت فحوص حاسمة في الفترة الفاصلة بين تصريحي المسؤولين، أم أن الأمر يتعلّق بضعف تنسيق إطلاق المعلومات في هذه القضية؟ إنه لبس عمّقه تصريح صدر صباح الخميس 10 أيلول، على لسان مسؤول ثالث في وزارة الصحة، هو ناطقها الإعلامي، حاتم الأزرعي، الذي نفى ارتباط الوفاتين بالعاصفة الرملية، وقال إن "سبب الوفاة يعود إلى إصابتهما بأمراض معروفة"، مضيفا أن "الحالتين لم تكونا بحاجة إلى تشريح". وهو تصريح يلتبس مع تصريح مدير مستشفى "بسمة"، الذي قال إن الوفاتين أُحيلتا إلى "الطب الشرعي" للوقوف على أسباب الوفاة.
وإذا كان ما سبق يتعلق بتضارب المعلومات في وسائل إعلام مختلفة، فإن التضارب لدى "السبيل" كان في الخبر نفسه. فقد أفردت "السبيل"، كما تقدم، للخبر عنوانا عريضا على صدر صفحتها الأولى يقول "وفاتان والعاصفة الرملية تربك الأردنيين وتنحسر مساء اليوم"، وفي عنوان تغطيتها المفصلة في الصفحات الداخلية، كان العنوان "وفاتان في إربد جرّاء العاصفة الرملية و200 حالة اختناق في "بسمة" خلال 12 ساعة". وقد بدأ الخبر بما يعزز العنوان، فقال "لقي شخصان حتفهما في إربد جرّاء العاصفة الرملية التي ضربت المملكة أمس". لكن هذا الحسم في عنوان الخبر ومقدمته تضارب مع تصريح أورده الخبر ذاته لمدير مستشفى "بسمة"، أشار فيه إلى حالتي الوفاة "مستبعدا أن يكونا توفيا بسبب الحالة الجوية". وهذا التصريح هو الوحيد المتعلق بهذه المعلومة في الخبر، وبذلك فإن الحكم الذي اشتمل عليه عنوان الخبر ومقدمته لم يكن فقط متناقضا مع المتن، لكنه أيضا، لم يكن مستندا إلى أي مصدر.
يتضح مما سبق أن تغطية هذا الخبر اتُسمت في وسائل إعلام مختلفة بتضارب المعلومات، وتناقض العناوين مع حقائق تضمنتها الأخبار. ما يخلّ بمعياريّ "الدقة" و"الحياد".
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني