تغطيات جريمة -طبربور-.. مخالفات مهنية بلا حدود واعتداء على -الخاص- و-العام-

تغطيات جريمة -طبربور-.. مخالفات مهنية بلا حدود واعتداء على -الخاص- و-العام-

  • 2016-11-05
  • 12

الأحد 6 تشرين الأول/نوفمبر 2016  أكيد – آية الخوالدة

تسابقت وسائل الإعلام إلى تغطية أخبار وتفاصيل جريمة “قاتل والدته” في طبربور، حيث التزم بعضها بتصريحات إدارة الإعلام الأمني في مديرية الأمن العام، بينما خالف بعضها الآخر قواعد وأخلاقيات تغطية أخبار الجرائم.

ولعل أبرز المخالفات التي يمكن تسجيلها، هي تلك التي تتعلق ببشاعة نصر صورة الضحية مقطوعة الرأس، وهو فعل يقترب من الجريمة الأخلاقية، لا سيما ما يتصل بدور مثل هذه الممارسات في “التطبيع” مع مشهد القتل البشع.

لكن اللافت كذلك، وهو ما تكرر في تغطيات جرائم أخرى سابقة، هو تمكّن بعض وسائل الإعلام من الحصول على معلومات غير مسموح الوصول إليها -فضلاً عن نشرها- تتعلق بمجريات التحقيق، بل إن بعضها ينشر منسوباً إلى “مصادر أمنية” أو “مصادر قريبة من التحقيق”. إن هذا يتطلب تنبيه الجهات الرسمية ذات الصلة إلى ضرورة مراجعة شاملة تستهدف ضبط سير المعلومات وعدم تسريبها ونشرها بما يخالف القوانين. 

تتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد” كيف غطت الوسائل الإعلامية الحادثة، ولاحظ كثرة الأخطاء التي ارتكبتها المواقع فيما يخص اخلاقيات وقواعد نشر أخبار الجرائم، حيث نشرت أخبار التحقيقات وصور المتهم المأخوذة من حسابه على الفيسبوك وصور الضحية، وقدمت استنتاجات وتحليلات فيما يتعلق بمجريات التحقيق، كما اعتمدت في تقاريرها على مصادر مجهولة.

وبحسب قانون المطبوعات والنشر يحق للصحافي نشر خبر الجريمة الصامت بالإضافة إلى إلقاء القبض على المجرم وتسليمه للقضاء، انما يلتزم بعدم النشر منذ بداية التحقيق، ويشمل عدم النشر كافة مراحل التحقيق حتى تُحوّل نتائج التحقيق إلى الحفظ، أو إلى المحكمة للبدء بإجراءات التقاضي بين الخصوم.

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورة الضحية بعد مقتلها، وذلك بعد الاعتداء على موقع مسرح الجريمة من قبل البعض وتسريب الصورة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والذين تجري الآن ملاحقتهم من قبل رجال الامن العام، مع ملاحظة أن وسائل الإعلام المحلية لم تنشر صور الضحية، لكن أحد المواقع الالكترونية العربية نقلها.

اكتفت وسائل الإعلام الأردنية بنشر صور تعبيرية أو لقطات من خارج المنزل، بينما خالف العديد منها بنشر صور منحساب المتهم على الفيسبوك، وتجاوزت ذلك إلى نشر اسمه الكامل، والذي يعد مخالفة للمادة 11 من ميثاق الشرف الصحفي والذي ينص على ما يلي: “يلتزم الصحفيون باحترام سمعة الأسر والعائلات والأفراد وسرية الأمور الخاصة بالمواطنين، وذلك طبقا للمبادئ الدولية، وأخلاقيات العمل الصحفي والقوانين المعمول بها في المملكة، وفي هذا الإطار يجب مراعاة أن لكل شخص الحق في احترام حياته الشخصية والعائلية والصحيـة ومراسلاته، ويعتبر التشهير بهم أو الاتهام بالباطل أو السب والقدح والقذف ونشر أسرارهم الخاصة والتقاط الصور بأي وسيلة للأشخاص دون موافقة منهم في أماكن خاصة، تعديات مسلكية يحرمها القانون“.

وهو ما يؤكد عليه استاذ التشريعات الإعلامية، الدكتور صخر الخصاونة في حديث لـ”أكيد” بقوله: “تعد التغطيات الخاصة بواقعة طبربور تغطيات غير مهنية، إذ أنها مارست جملة من المخالفات القانونية والأخلاقية المعتمدة في تغطية مثل تلك الأخبار. وأبرز الملاحظات على التغطيات هي: عدم احترام مشاعر ذوي المتوفية، والاعتداء على حرمة الأموات بنشر صورة المقتولة، وتداول قصص وروايات وأحداث تتعلق بالحياة الخاصة للعائلة، واستمر الأذى النفسي لذوي المتوفية من خلال تجاوز سرية نقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الخليوية”.

واعتمدت العديد من الوسائل الإعلامية في وصفها لارتكاب الجريمة وتفاصيل التحقيق على مصادر مجهولة، أسمتها مصادر مقربة من التحقيق، مصادر مطلعة، مصادر أمنية مطلعة، مصادر، ومنها من لجأ إلى أقربائه وصفحته الخاصة على الفيسبوكوأعاد نشر آخر ما كتبه الجاني على صفحته. وبعض المواقع نشرت تقارير تطالب بإعدام القاتل على اعتبار أنه مطلب شعبي.

كما تداول بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية مقطع فيديو لمنزل الضحية من الخارج ويتضح فيه صوت شاب يصرخ “يما يما يما”، ونسبوه إلى القاتل في إعادة تمثيل الجريمة، والذي اتضح فيما بعد أنه يخص شقيق القاتلفي لحظة مشاهدته لوالدته بعد مقتلها.

ونشرت العديد من المواقع الالكترونية مجريات التحقيق مع المتهم، حيث كشفت عن طلبه للتدخين واعترافه بالجريمة بكلهدوء وطلبه للإعدام عوضا عن السجن لمدة طويلة وتفاصيل ارتكابه للجريمة، والتي تعتبر جميعها مخالفة لقواعد وأخلاقيات النشر،  وحول هذا قال الخصاونة: “ارتكبت وسائل الإعلام العديد من المخالفات من حيث التأثير على مجريات التحقيق وسير العدالة، إن صلاحية التحقيق في قضايا القتل من اختصاص المدعي العام ومحكمة الجنايات الكبرى، وتعد التحقيقات التي تجريها النيابة العامة بحكم القانون سرية، كذلك اجراءات الأمن العام في مسرح الجريمة، ولوحظ من خلال التغطيات الصحافية، بروز المخالفات القانونية المتعلقة بنشر أخبار من التحقيق وصور لمسرح الجريمة، وأخذت هذه الأقوال بالتأويل بالإضافة إلى إصدار أحكام عامة على القضية، والأصل أن تبقى سرية وأن لا يجري تداول كل ما يحدث داخل غرفة التحقيق”.

ذهبت بعض الوسائل الإعلامية إلى تحليل الحادثة من خلال حوار المختصين، من دون أن تراعي الدقة اختيار من تستطلع آراؤهم، والتيقن من اختصاصهم، وهو ما أدى، وفق الدكتور ، إلى “نشر مواد إعلامية تعد تدخلاً في سير العدالة، ذلك أن مهمة الاستعانة بالخبراء وخاصة علم النفس لتحديد القوى العقلية ومدى إدارك الجاني لأفعاله عند ارتكاب الجريمة، هي في الأصل وظيفة المدعي العام والمحكمة. وإن تناول هذا الموضوع قبل المحاكمة وأثناء فترة التحقيق من شأنه أن يوثر في سير العدالة ومجريات التحقيق، فمن باب أولى أن لا يتم تداوله ونشر مثل تلك المقابلات ولا سيما بأن المختصين لم يقوموا بالكشف على الجاني، ولذلك تبقى آراؤهم مجرد تكهنات ومواد إخبارية أو صحافية لجذب انتباه واهتمام القارئ”.

ووفق القاعدة الدستورية والقانونية المعروفة – بحسب الخصاونة – فإن “المتهم برئ حتى تثبت إدانته، لكنها خرقت في هذه القضية، حيث أن القضاء هو الذي يقرر في النهاية الإدانة او عدم المسؤولية أو البراءة، والحكم المسبق على الجاني، مأخذ على الصحافة والإعلام، فعلى الرغم من كل الملابسات التي حدثت، فالقضاء يأخذ بمعايير إدراك الظروف المحيطة بارتكاب الجريمة”.

وأشار الخصاونة في نهاية حديثه إلى ضرورة تعامل الوسائل الإعلامية بحذر فيما يتعلق بالمواد الإخبارية الخاصة بما صار يعرف بـ”الجوكر” كمادة خطرة ومخدرة، فمن أهم وظائف الصحافة التوعية والتثقيف، ولا نرغب بأن تثير المعلومات عنها فضول المراهقين وصغار السن بتجربتها أو البحث عنها”.

ويذكر ان المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر تنص على:

 أ. يحظر على المطبوعة الصحفية نشر محاضر التحقيق المتعلقة بـأي قـضية قبـل إحالتها إلى المحكمة المختصة إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك.

ب. للمطبوعة الصحفية حق نشر محاضر جلسات المحاكم وتغطيتها مـا لـم تقـرر المحكمة غير ذلك حفاظاً على حقوق الفرد أو الأسـرة أو النظـام العـام أو الآداب العامة.