أكيد – دلال سلامة
احتل خبر الجلسة الاستثنائية لمجلس النواب، التي خُصصت لمناقشة تعديلين دستوريين، عناوين الصفحات الأولى، للصحف الخمس، يوم الأربعاء، 20 آب (أغسطس) الجاري. واشتمل أربعة من هذه العناوين، على تصريحات لرئيس الوزراء، ربطت بشكل مباشر أوغير مباشر، التعديلين بـ"الحكومة البرلمانية"، وتقدّم "العملية الديمقراطية"، وتحصين الجيش من "التجاذبات السياسية"، لتكون هذه العناوين بذلك، مؤشرا دالا على تغطية إعلامية، كان أبرز ما فيها وجهة النظر الحكومية، في حين غابت أو كادت، وجهات نظر النواب.
الجلسة عُقدت الثلاثاء، 19 آب الجاري، وخُصّصت لمناقشة تعديلين، يوسّع الأول صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخابات، لتشمل، إضافة إلى الانتخابات النيابية، الانتخابات البلدية، وأي انتخابات عامة أخرى، ويمنح التعديل الثاني الملك صلاحية تعيين قائد الجيش، ومدير المخابرات، دون تنسيب من الحكومة، كما هو معمول به حاليا.
وقد أنجزت الصحف قسما من واجبها إزاء حدث مفصلي كهذا، فاهتمت به، وأفردت له صدور صفحاتها الأولى، ولكنها لم تنجز القسم الأهم، وهو تقديم تغطية تحمل قيمة إخبارية حقيقية، ذلك أنها في مجمل تغطيتها، قدمّت توضيحا وافيا لمبررات الحكومة للتعديلين، من دون أن تقدم شرحا واضحا ومحايدا للتعديلين نفسيهما. كما أنها اهتمت بفرز النواب إلى "مؤيد" و"معارض"، من دون أن تقدم تفسيرا شافيا لمواقف من أيد ومن عارض.
لقد خصّصت الصحف الخمس 29% تقريبا من مجمل تغطيتها وقائع الجلسة لشرح مفصّل لوجهة النظر الحكومية نُقل على لسان رئيس الوزراء (الجدول 1)، وأضافت إليه إحدى الصحف، خبرا منفصلا بالأسباب الموجبة للتعديل، من وجهة نظر الحكومة.
لكن التغطيات، لم تول التعديلات نفسها الاهتمام ذاته، فلم تقم بما هو متوقع منها، وهو شرح الوضع القائم حاليا، وتوضيح التغييرات المقترحة، كي يتمكن الجمهور من فهم سياق الحدث، فلم يتضمن أي تقرير إشارة إلى النص الدستوري المعمول به حاليا، في حين تضمن تقرير واحد فقط نص التعديل المقترح، دون إشارة إلى ما كان عليه الأصل، وكان هذا في خبر منفصل عن التقرير الذي غطّى جلسة مناقشة التعديلات، ونشرته الصحيفة في صفحة مختلفة.
وباسثناء تقرير واحد شرح بلغة واضحة ومحددة، وإن كانت بالغة الاختصار، فحوى التعديلين (الصحيفة المقصودة هي السبيل، لكن الخبر بصيغته المطبوعة لم ينشر على موقعها الإلكتروني)، فإن التقارير الأخرى، أتت على ذكر التعديلات بشكل عابر، وعلى شكل نتف معلومات هنا وهناك، حتى أن تقريرا واحدا فقط، ذكر رقمي المادتين المقترح تعديلهما، وتقريرا واحدا آخر ذكر رقم واحدة منهما، في حين لم تحدد التقارير الثلاث الأخرى، المادتين موضوع التعديل.
وتنطبق الملاحظة ذاتها على تغطية لبيان أصدره ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية، أعلنت فيه معارضتها التعديلين، ونشرتهثلاثصحف منفصلا عن تغطية وقائع الجلسة، فتغطية البيان لم تذكر أي معلومة عن التعديلين، ولا حتى رقمي المادتين المقترح تعديلهما. في حين نشرت صحيفة رابعة تغطية بيان لحزب الوحدة الشعبية، عارض التعديل المتعلق بـ"التعيينات للمؤسسات الأمنية"، وكانت هذه هي الإشارة الوحيدة لفحوى التعديل في تغطية البيان.
ولم تقف التغطية، في مجملها عند تقديم معلومات شحيحة ومشتتة عن فحوى التعديلات، بل حتى هذه المعلومات الضئيلة، قُدّمت طوال الوقت في سياق غير محايد، فقد جاءت، إما في سياق تأييد التعديلين، أو معارضتهما، فلم تخصص الأغلبية الساحقة من التغطية، كا سبق القول، أي مساحة لشرح واضح ومحايد للتعديلين، تعرض بعده للجمهور وجهات النظر، بل أسلمت القراء مباشرة إلى المعارضين والمؤيدين.
مثلا، سيعرف القارئ، أن أحد التعديلين يمنح الملك صلاحية تعيين قائد الجيش، ومدير المخابرات، في "سياق إيجابي"، يشرح توجه الحكومة نحو تطبيق نظام الحكومة البرلمانية، ويؤكد أن عدم إجراء هذا التعديل، سيشكل خطرا على الجيش، الذي سيكون أسيرا لـ"التجاذبات السياسية". أو، على النقيض من ذلك، سيعرف القارئ بأمر هذه الصلاحية، في سياق سلبي، هو أنها خطوة "غير بريئة"، ستحصّن القادة الأمنيين من المساءلة، وتجعل الملك "طرفا" في الخلافات السياسية في البلد.
لقد قُدّمت المعلومات عن التعديلات في هذه التغطيات، مسبوقة دائما، إما بأوصاف "إصلاحي"، "تعديلات جريئة"، "مصلحة وطنية"، أو على النقيض من ذلك، وصفها بأنها "خطر"، و"خطوة إلى الوراء" (السبيل)، و"تتناقض مع النظام السياسي في الأردن ومع نصوص الدستور"، أي أنها جاءت دائما في سياق يوجه القارئ مسبقا لرفضها أو قبولها.
مواقف النواب.. غموض والتباس
خصّص مجمل التغطية، في الصحف الخمس، ما نسبته 59% لعرض مواقف مؤيدة للتعديلين، مقابل 17.7%، للمعارضين، وفي التحليل الفردي للصحف، نجد أن المؤيدين حصلوا على مساحة أكبر في كل تغطية على حدة، لكن الإخلال بالتوازن كان أكثر وضوحا في في صحيفتين، خصصّت إحداهما 73.6% من تغطيتها لعرض وجهة النظر المؤيدة، مقابل 8.4% للمعارضة، وخصصت الأخرى، 73% للمؤيدة، مقابل 7.5 للمعارضة، كما هو واضح في الجدول (2).
ولم تقدّم التغطيات، في المجمل معلومات واضحة محددة ومتكاملة عن وجهات النظر المعارضة، فنُسبت في الغالب إلى المعارضين أحكام، لم يتبعها أي شرح، مثلا، يُنسب إلى النائب جميل النمري قوله إن "البلاد لم تكن بحاجة للتعديل (...) المتعلق بتعيين القادة الأمنيين"، وإلى النائب علي السنيد وصفه هذا التعديل بأنه "تقويض لنظام الحكم والبنية السياسية للبلاد" (السبيل)، وإلى النائب رلى الحروب قولها إن "التعديلات الدستورية تتناقض مع نصوص الدستور"، وفي كل ما سبق، وفي غيره من الأمثلة، لم تُقدّم الأغلبية الساحقة من التغطية، توضيحات لهذه المواقف.
لكن المفارقة، هي أن اتساع مساحة عرض وجهات النظر المؤيدة لم يسهم في جعلها أكثر وضوحا من المعارضة، فهنا أيضا، كان يُكتفى بإعلان الموقف، مضافا إليه عبارة أو عبارتين، ظلت تتكرر نفسها. على سبيل المثال، لقد تكرر، معنى عبارة حماية الجيش من "التجاذبات السياسية"، 10 مرات في تقرير واحد، ذلك في سياق إعلان النواب المؤيدين لمواقفهم، وفي 16 موقعا، في التقرير ذاته، اكتُفي بإعلان النائب، أنه يؤيد التعديلات، لأنها "إصلاحية" أو "هامة" أو "ضرورية" أو "تحفظ أمن البلد"، من دون أي تفسير، ومن هنا، فإن اتساع المساحة التي احتلها المؤيدون، لم تكن أكثر من توسع أفقي، من دون أي عمق.
في السياق نفسه، كان هناك في ثلاث صحف (الرأي والغد والعرب اليوم)، ما نسبته 10% من حجم التغطية، عرض لمواقف نواب، لم تُحدد في الحقيقة مواقفهم. ويمكن هنا "افتراض" أنهم لم يتخذوا موقفا بعد، لكن مقارنة تغطيات الصحف، تكشف أن نوابا، لم تُحدد مواقفهم في تقرير صحيفة ما، ظهروا محددي الموقف في تقرير صحيفة أخرى، مثلا ذكر أحد التقارير أن 7 نواب طلبوا إحالة التعديلات إلى اللجنة القانونية، دون أن يحدد مواقفهم، لكن اثنين منهم، هما إنصاف الخوالدة، ووصفي الزيود، ظهرا مؤيدين للتعديلات في تقرير صحيفة أخرى، لكن في تقرير صحيفة ثالثة، يُنسب إلى النائب الخوالدة، ما يشي بأنها ضد التعديل المتعلق بتعيين القادة الأمنيين، إذ تقول إن "من يُعيّنون بإرادة ملكية يتعاملون مع المواطنين ومجلس النواب بفوقية".
أيضا، هناك نواب كانوا "ملتبسي" الموقف في تقرير ما، ظهروا واضحي الموقف في تقرير آخر، مثلا، في تقرير،نُسب إلى النائب أمجد المجالي أنه "وجه (...) عددا من الأسئلة حول تأثير التعديلات الدستورية على الولاية العامة للحكومة، مطالبا بإحالتها إلى اللجنة القانونية"، وهو اقتباس لا يوضح موقفا، ولكننا سنجد موقف المجالي واضحا، في تقرير آخر، نسب إليه بوضوح أن التعديلات تمثل "انتقاصا من صلاحيات الحكومة".
أيضا، ينسب تقرير، إلى النائب، هند الفايز تساؤلها عن "ما إذا كان التعديل المقترح سيمنح المجلس سلطة مراقبة موقع رئيس هيئة الأركان والمخابرات العامة"، وهنا، أيضا، الموقف غير محدد، لكن تقريرا آخر، ينسب إليها ما يكشف أن تساؤلها كان في سياق استنكاري، إذ يقول التقرير إنها "في إطار المطالبة برد القانون" تساءلت "من سيحاسب الجيش والمخابرات وهل تريدون من الشعب أن يكون في مواجهة الملك مباشرة".
مثال آخر، يذكر تقرير أن النائب عدنان العجارمة قال إن "هناك موادا أخرى في الدستور بحاجة إلى التعديل، وطالب بدراسة التعديلات الدستورية"، وهي إفادة لا توضح موقفه، لكننا سنجد تقريرا آخر ينسب إليه أنه يرى أن التعديلات المقترحة "تشمل خللا واضحا للمبدأ الدستوري في المساءلة".
مثال آخر، يُنسب إلى النائب مصطفى شنيكات في أحد التقارير تصريح غامض مفاده أن "التعديل سيخلق حكومات جديدة"، لكن في تقرير صحيفة أخرى (السبيل) نجد تتمة للتصريح توضحه (نسبيا)، وهي أن التعديلات المقترحة تهدف إلى "أن تأتي بحكومات ظل جديدة".
في السياق نفسه، أشير في أحد التقارير إلى أن 15 نائبا قالوا إن التعديل المتعلق بصلاحيات الملك هو "دسترة" لصلاحية تمارس عمليا، ولم يوضح إن كانوا يوافقون على هذه "الدسترة" أم لا، لكن تقريرا آخر كشف أن أربعة منهم، يؤيدونها، هم يوسف القرنة، ونجاح العزة، وقصي الدميسي، وقاسم بني هاني.
أيضا، في أحد التقارير ذُكرت أسماء 8 نواب، طالبوا بالتصويت على التعديلات، في الجلسة نفسها من دون إحالتها إلى اللجنة القانونية، وهذا يعني أن هؤلاء قد حسموا أمرهم، لكن التقرير لم يوضح نهائيا موقفهم، في حين أن تقريرا آخر، يحدد موقف اثنين منهم، هما فاطمة أبو عبطة، وخالد البكار، بأنه مؤيد للتعديلات.
واضح مما سبق، كم التشويش، وضبابية الرؤية التي وقعت، وأوقعت الجمهور فيهما، معظم التغطية. وحدث هذا في قضية تمس أحد أهم حقوقه في المعرفة، وهي معرفة موقف ممثيله من مسألة بالغة الأهمية مثل تعديل الدستور. وكان أحد مهام الإعلام في هذه التغطية، هو أن يساعد الجمهور على تَبيُّن سياسات النواب، وتقييم أدائهم، بما يساعده بالتالي، على اختيار ممثليه في أي انتخابات قادمة.
كيف انقسم النواب؟
كما أن التغطيات، في المجمل، لم توضح للجمهور حقيقة وجهات نظر النواب، فإنها أيضا لم تحدد بدقة، كيف انقسموا بين مؤيد، ومعارض، وغير محدد الموقف، فلم يُعرف بعد كل هذا، كم بالضبط عدد من أيدوا التعديلات، ومن عارضوها، وكم عدد الذين أعلنوا أنهم لم يحددوا موقفهم بعد.
لقد عانت التغطيات من شحّ الأرقام، التي تنقل الصورة بدقة، فقد ذكرتثلاثة تقارير(منها السبيل)، أن عدد المتحدثين كانوا 87 نائبا، وصحيفة واحدة ، ضمنت تغطيتها أسماء النواب المتغيبين عن الجلسة، وذكرتقريران فقط أن 4 نواب طالبوا برد التعديلات.
ما عدا ذلك، فقد اعتمدت معظم التغطيات أسلوب العبارات الفضفاضة، غير محددة المعنى، لوصف حجم التأييد أو المعارضة، عبارات من مثل توجه "غالبية أعضاء مجلس النواب" إلى إقرار التعديلات الدستورية، و"لم تجد التعديلات الدستورية معارضة واسعة من قبل النواب (...) وإن كانت مداخلات عدد منهم أشارت إلى أن التعديلات ليست إصلاحية"، و"بالرغم من قلة عدد النواب الذين انتقدوا التعديلات .."، وتضمن تقرير واحد (السبيل) رقما يحدد حجم المؤيدين، هو أن "90% من المداخلات" وصفت التعديلات المقترحة بأنها "خطوة إصلاحية بامتياز"، دون أن توضح الصحيفة، من أين جاءت النسبة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني