تغطية مؤتمر التطوير التربوي.. الصحف تفوّت حدثا وطنيّا

تغطية مؤتمر التطوير التربوي.. الصحف تفوّت حدثا وطنيّا

  • 12

انتهت أعمال مؤتمر التطوير التربوي، الذي عقدته وزارة التربية والتعليم على مدار يومي 1 و2 آب (أغسطس) الجاري، من دون أن تنقل وسائل الإعلام للجمهور، صورةً حقيقية لما دار في أروقة جلساته، فلم تقدم معظم التغطيات أكثر من استعراض عابر لعناوين عامة من بعض أوراق العمل، ومعلومات شحيحة لم تُوضع في سياق يوفر للجمهور فهماً واضحاً ومتكاملاً للطروحات.

المؤتمر الذي تفصله 28 سنة عن آخر مؤتمر تربوي شامل؛ هو مؤتمر التطوير التربوي للعام 1987، عُقد على وقع انتقادات حادة للسياسات التربوية، بسبب تردّي مخرجات التعليم العام، وتزامن مع إعلان نتائج امتحان الثانوية العامة الذي أخفق في اجتيازه 59% من الطلبة. لكن هذا لم يحفز وسائل الإعلام على أن تنجز تغطياتها الخاصة لجلساته، فاكتفت بنشر أخبار وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، وبيانات المركز الإعلامي لوزارة التربية والتعليم.

غطّت الصحف المؤتمر بـ10 مواد إخبارية، تكرر نشرها 39 مرة في صحف "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"الغد"[1]، واشتملت على تغطية الاستعدادات للمؤتمر، وتغطية جلساته. من هذه الأخبار الـ10، كان هناك فقط 3 تغطيات أصيلة لهذه الصحف، اثنتان منها لـ"الرأي"، وواحدة لـ"السبيل"[2]، وما تبقى كان 33 خبراً لـ"بترا"، و3 بيانات صحفية لوزارة التربية. وبهذا، فإن التغطية كانت عمليّا موحّدة في الصحف الأربع.

لكن تغطية ما وُصف بأنه "حدث وطني" بمحتوى إعلامي جاهز، انتحل صحفيون جزءا كبيرا منه، فوضعوا عليه أسماءهم، لم يكن الخلل الإعلامي الوحيد في متابعة هذا الحدث، ذلك أن هذا المحتوى الذي  نُشر كما هو، ومن دون محاكمة لمضمونه، لم يُقدم في الغالب معرفة حقيقية.

فمن بين 58 ورقة عمل قُدّمت في المؤتمر، أشارت التغطيات إلى 25 ورقة فقط، قدّمت معلومات عن 8 أوراق منها، في حين اكتفت بالمرور العابر على عناوين الـ17 الأخرى، التي كان من بينها أوراق ناقشت قضايا ارتبطت بجدل حاد ما زال حيّا، منها على سبيل المثال جلسة مناقشة إجراءات وزارة التربية لتطوير الصفوف الثلاث الأولى، التي تنبع أهمية عرضها للنقاش العام من تصريحات لوزير التربية، أعلن فيها وجود 100 ألف تلميذ في هذه الصفوف لا يميزون الحروف العربية والإنجليزية. ومثلها جلسة مناقشة بناء وتعزيز القيم في المناهج الدراسية، التي اكتفت التغطيات بالإشارة إلى عنوانها، وأسماء المشاركين فيها، رغم الجدل الدائر في هذه القضية خلال الأشهر الأخيرة.

وفي السياق نفسه، كان هناك أوراق عمل ناقشت قضايا مهمة أخرى، منها علي سبيل المثال: تحديث المناهج المدرسية يما يتناسب مع تطور المعرفة، ومدى تلبية البنية التحتية التكنولوجية لمتطلبات العملية التربوية، وتقرير البنك الدولي عن حالة الطفولة المبكرة وبرامج ذوي الاحتياجات الخاصة. ففي هذه القضايا وغيرها، اكتفت التغطيات بالإشارة إلى عناوينها، وأسماء معدّي الأوراق، وهي معلومات وفّرها للجمهور فعلا برنامج المؤتمر المنشور على موقعه الإلكتروني. بل إن هذا البرنامج وفّر معلومات أكثر، إذ تضمن عناوين وأسماء معدي جميع أوراق العمل.

لكن، حتى بالنسبة للأوراق الثمانية، التي قدّمت التغطيات معلومات عنها، فإن هذه المعلومات كانت في الغالب ناقصة، أو مبهمة بما يعيق تكوين حدّ أدنى لفهم الطرح الذي اشتملت عليه، مثلا:

الورقة المعنونة بـ"إجراءات الوزارة لمعالجة المدارس التي لم ينجح بها أحد"، وتتعلق بالمدارس التي أخفق جميع طلبتها في امتحان الثانوية العامة، وهي ظاهرة تتكرر في كل عام، وعددها لهذا العام 338 مدرسة حكومية، و11 مدرسة خاصة. في تغطية هذه الجلسة، التي نشرت في "الدستور" و"السبيل" و"الغد"، استُعرض بالأرقام عدد المدارس الحكومية والخاصة التي أخفق جميع طلبتها، وعدد الطلبة، وقورن بين أرقام هذه السنة والسنة الماضية، كما استعرضت أسباب الرسوب، لكنها فوّتت الجزء الجوهري وهو الإجراءات التي اتّخذتها الوزارة لعلاج هذه الظاهرة. فهذه التغطية التي كان واضحا أنها في الأصل بيان من وزارة التربية، نُشرت في "الدستور" و"السبيل"[3] منقولة عن تغطية "بترا" للبيان، والتي اختارت في تغطيتها أن تختصر الإجراءات الإصلاحية التي عرضها معدّ الورقة، مدير إدارة التخطيط التربوي في وزارة التربية والتعليم، الدكتور محمد أبو غزلة، في عبارة: "وأوضح الدكتور أبو غزلة الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لرفع سوية الطلبة في المدارس التي لم ينجح فيها أحد". هكذا من دون أي إشارة لفحوى هذه الإجراءات.

في حين اعتمدت "الغد" نص البيان الأصلي، الذي تضمن وصفا مقتضبا لهذه الإجراءات، لكنه كان وصفا إنشائيا مغرقا في العمومية، ولم يقدّم أي معلومات إجرائية محددة تساعد القارئ على الحكم على مصداقية هذه الإجراءات، والتأكد من أن الوزارة تملك رؤية واضحة لهذه المشكلة، وأنها هيّأت لتنفيذها آليات عملية قابلة للتطبيق فعلا، ومنها على سبيل المثال الإجراء المتعلق بـ"اختيار معلمين متميزين لتدريس طلبتها وعدم اللجوء لتعيين معلمين على حساب التعليم الإضافي"، فلم توضح التغطية آلية تطبيق تلك، فهذه المدارس تقع في مناطق نائية، ويبقى طلبتها في أحيان كثيرة شهوراً من دون معلمين لأن الوزارة تجد أصلا صعوبة كبيرة في تأمين معلمين على حساب التعليم الإضافي، فكيف سيمكنها تأمين "معلمين متميزين" دائمين يقبلون العمل في هذه المدارس؟

مثال آخر؛ الجلسة التي ناقشت ضغط اللجوء السوري على المدارس. لقد حددت التغطية بالأرقام عدد الطلبة السوريين في المدارس الحكومية، والضغط الكبير الذي يشكلونه على البنية التعليمية، ومساهمتهم في "تدني نوعية ومستويات التعليم". ونقلت عن أمين عام وزارة التخطيط، الدكتور صالح الخرابشة أن كلفتهم لهذا العام بلغت 193 مليون دولار أميركي، لكن التغطية لم تذكر معلومة أساسية، تتعلق بحجم ما تلقته الحكومة من مساعدات مالية لدعم تعليم الطلبة السوريين في الأردن، واكتفت بأن نقلت عن الأمين العام إشارته إلى "تواضع المساعدات الدولية". علما بأن تلك المعلومة أساسية وتساعد القارئ على الحكم إن كانت المشكلة تتعلق بتقصير دولي، أو بأسلوب إدارة الأزمة محليا.

وفي الجلسة السابقة ذاتها، نجد أن التغطية عندما تصل إلى مفصل أساسي آخر من نقاش هذه القضية، هو تصور الحكومة المستقبلي للتعامل مع ضغط اللاجئين السوريين على البنية التعليمية، فإنها تكتفي بسرد عابر ومقتضب وإنشائي للخطط التي أعدتها وزارة التخطيط، من دون أي معلومات إجرائية محددة.

مثال ثالث، يخص تغطية جلسة بعنوان "نحو تطوير بنية التعليم العام (السلم التعليمي) في الأردن". لقد اختزلت التغطية هذه الجلسة بالقول إنها "تضمنت عرضا للمراحل التعليمية/ السلم التعليمي، ونماذجه عربيا وعالميا، واستنتاجات تحليلية حوله، وبعض المؤشرات التربوية والتحديات الأساسية للنظام التربوي الأردني وعدداً من التوصيات المقترحة". هكذا من دون أدنى توضيح لا للنماذج، ولا للاستنتاجات، ولا للتحديات أو التوصيات المقترحة.

مثال رابع، هو ورقة العمل التي تخص "سياسات الموارد البشرية"، واختزلتها التغطية في القول إن الموارد نوعان، بشر ومادي، وأن البشري، في النظام التعليمي، أهم لأنه من يخلق الموارد المادية وينمّيها. من دون أي إشارة إلى واقع سياسات إدارة الموارد البشرية في النظام التعليمي الأردني.

ما سبق هو مجرد أمثلة على تغطيات فوّتت الجزء الأكبر من أعمال مؤتمر التطوير التربوي. ومرّت على القسم اليسير الذي غطّته منه  بشكل عابر. ولم تضع المعلومات الشحيحة التي وفّرتها للقراء، في سياق يكفل توفير فهم واضح ومتكامل للطروحات، بما يقدّم معرفة حقيقية، بواقع القضايا التي نوقشت، وبإجراءات التعامل معها.

ولم يكن الجزء الذي فوّتته التغطيات يتعلق فقط بأوراق العمل، بل بالنقاشات التي شارك فيها الحضور من خبراء تربويين وسياسيين ومعلمين ومسؤولين في وزارة التربية، فلم تتضمن التغطيات أدنى إشارة إلى ما أثارته هذه النقاشات من أفكار شكّلت إضافات إلى أوراق العمل نفسها.

[1] لم تدخل صحيفة "العرب اليوم" في الرصد بسبب توقف نسختها الورقية عن الصدور، ابتداء من 17/7/2015.

[2] "خبراء يقترحون تحويل الدراسة الثانوية إلى ثلاث سنوات لتوفير النفقات"، السبيل، 2/8/2015، ص 8. غير متوفرة على الموقع الإلكتروني.

[3] 338 مدرسة حكومية و11 مدرسة خاصة لم ينجح فيها أحد، "السبيل"، 2/8/2015، ص 8. غير متوفر على الموقع الإلكتروني.