يوم 18 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، كشفت صحيفة " السبيل"، عملية تهريب لحوم فاسدة، كانت أمانة عمان الكبرى قد صادرتها، واتّخذت قرارا بإتلافها، لكن سائق مركبة "الأمانة" المكلف بإيصالها إلى مكبّ نفايات الغباوي، حيث تُنفّذ عمليات الإتلاف، "هرّبها" بدلا من ذلك إلى مركبة كانت تنتظره على الطريق المؤدي إلى المكبّ، ليتضّح لاحقا أن هذه اللحوم كان من المقرر أن تعود إلى الأسواق.
رغم خطورة القضية، ورغم أن خبرها يتمتّع بالإثارة التي ترشحه ليتصدر وسائل الإعلام، إلا أنه كان لافتا أنه، باستثناء "السبيل" التي أنجزت عدّة متابعات له، كان تداوله في الإعلام ضعيفا. ففي حين اكتفت "الدستور"، بأن نشرت على موقعها الإلكتروني[1]، يوم 19 تقريرا، منقولا في أغلبه من خبر "السبيل" من دون إشارة إلى المصدر، "صمتت" الصحف اليومية الأخرى تماما عن الخبر، فيما تداولته مواقع إخبارية إلكترونية قليلة، لم يمكن، ساعة إعداد هذا التقرير، إحصاء أكثر من 8 منها.
وكانت "السبيل" قد نشرت تقريرا مدعّما بصور، ومقطع فيديو، لكابسة نفايات تابعة لأمانة عمان الكبرى، قالت فيه إنها كانت تقف في منطقة خالية من السكان، على طريق الحزام الدائري، في عمّان، وهو الطريق المؤدي إلى مكبّ الغباوي للنفايات. وقال التقرير إن مجموعة من "الكراتين" أُنزلت من الكابسة إلى صندوق باص خصوصي صغير، كان يقف بمحاذاتها.
ووفق التقرير، فإن المصدر الذي زوّد الصحيفة بالوثائق والمعلومات هو مواطن أُشير إليه بالحرفين (ج ق). وقد ذكرت كاتبة التقرير، عهود محسن، لـ(أكيد) أنه مواطن يسكن في المنطقة، وكان يمرّ لحظة الواقعة بالمكان، عندما استرعى انتباهه المشهد، فوثّقه بالتصوير. وعندما اقترب ليتحرّى الأمر، اكتشف أن "الكراتين" التي كانت تُفرّغ في صندوق الباص، كانت تحوي لحوما. وقد ثبت في متابعات الصحيفة للواقعة مع أمانة عمان، أن الكابسة كانت تحمل فعلا شحنة لحوم فاسدة، كان من المقرر إتلافها، لكن السائق حاول تهريبها، لإعادة بيعها في الأسواق.
إضافة إلى ضعف نسبي في تداول الخبر، لوحظ أن معظم وسائل الإعلام التي نقلته لم تنسب هذا السبق إلى صاحبه، فـ"الدستور"، نشرت كما تقدّم تقريرا كان بنسبة 70% تقريبا منه نقلا حرفيا لما كانت "السبيل" قد نشرته قبلها بيوم على موقعها الإلكتروني. وليس المقصود هنا "فحوى" المعلومات، بل صياغتها اللغوية أيضا. ثم ذهبت الصحيفة أبعد عندما نسبت الفضل في كشف القضية إلى "ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي" قالت إنهم "تداولوا صورا فوتوغرافية ومقطع فيديو" للكابسة. وهو ما فعلته أيضا بعض المواقع الإلكترونية، في حين تقول محسن إن تداول الصور والفيديو على مواقع التواصل جاء لاحقا لنشرها من قبل "السبيل".
بعد عشرة أيام على انكشاف هذه القضية، ما يزال صمت وسائل الإعلام الكبرى مثيرا للتساؤل، فـ"السبيل" هي وحدها تقريبا من تابع القضية، ومنها إجراءات أمانة عمان مع سائق الكابسة، والتوجه نحو تغيير آليات الإتلاف في الأمانة، ومخاطر تناول اللحوم الفاسدة.
ويثير هذا الصمت التساؤل، لأنه رغم المتابعات ما زالت هناك العديد من الأسئلة الكبيرة المتعلقة بالقضية، أحدها، يخصّ آليات إتلاف الأغذية الفاسدة التي تتبعها "الأمانة". فمديرة دائرة الرقابة الصحية في الأمانة، الدكتورة ميرفت المهيرات، كانت قد أكّدت في تصريحاتها الأولية صرامة هذه الآليات، مدلّلة على ذلك بأنها المرة الأولى التي تُضبط فيها واقعة من هذا النوع، لكن الأخبار نقلت بعدها، كما تقدّم، أن الأمانة تتوجه نحو "تغيير آليات الإتلاف، ونقل المتلفات، وتحريزها للمواد الغذائية، والتشديد على سلامة عمليات التسلم والتسليم للمواد المحرزة والمتلفة ونقلها بطرق آمنة، لمنع التلاعب، وإعادة البيع أو الاستخدام".
لكن من دون أن يعرف الجمهور ما هي الثغرات في آليات الإتلاف القائمة، التي سيتم، ضمن الإجراءات الجديدة تداركها، ذلك أن هذه هي المعلومة التي ستجعل الجمهور يتيقن من دقة تصريحات مديرة "الرقابة الصحية" التي أكدت على نجاعة الإجراءات القائمة. ويجعله كذلك يتأكّد أن هذه الواقعة كانت، كما ذكرت المديرة، "حالة فردية" من حيث "حدوثها"، لا من حيث "ضبطها".
السؤال الآخر الذي ما يزال ينتظر إجابة، يتعلق بالإجراءات المقرر اتخاذها في حق مرتكبي هذا الجرم، فقد ركّزت المتابعات على الإجراءات "الإدارية" التي ستتخذها "الأمانة" بحق السائق، وترجيح قرار فصله، من دون الإشارة إلى اتخاذ أي إجراءات قضائية في حقه، باعتبار أن ما قام به يُعدّ جرما. بل إن موقع "JO24"، نقل صراحة عن مصدر من داخل الأمانة، ما يشي بأن الإجراءات مع السائق ستظل محصورة بالأمانة، إذ قال المصدر إن لجنة التحقيق التي شكّلتها الأمانة "ما زالت تحقق في القضية مع سائق الكابسة، فيما تمّ إبلاغ المدعي العام للتعامل مع الأطراف الأخرى في القضية من خارج أمانة عمان".
اما السؤال الثالث، فيتعلق بنتائج تحقيق اللجنة التي شكّلتها أمانة عمان، التي نقل "JO24" يوم الأربعاء 21 الجاري، عن مصدر داخلها أنها "ستعلن قرارها الخميس على أبعد تقدير". وقد مرّ على الموعد قرابة الأسبوع.
والسؤال الرابع يتعلق بمتابعة تصريحات مديرة "الرقابة الصحية" السابقة الذكر، التي تحدثت عن المصير المحتمل لهذه اللحوم المهرّبة، عندما ذكرت أنه "يتمّ بيعها خارج الأسواق والمحلات التجارية المرخصة (...) في بعض المحافظات القريبة من عمان والمناطق الضعيفة رقابيا، حتى يتسنى تسويقها، وعدم إخضاعها للرقابة والإتلاف مجددا"، إذ ينطوي هذا التصريح على إقرار رسمي خطير، بأن هناك مناطق في الأردن يصل ضعف الرقابة عليها حدّ بيع الناس لحوما كان من المقرر إتلافها.
[1] لم تنشره في نسختها الورقية.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني