أكيد – وصفي الخشمان
تتخير وسائل الإعلام ما يتفق مع توجهاتها عند قراءة نتائج استطلاعات الرأي، في ظل غياب معايير واضحة، وهو ما ظهر جلياً في المعالجات الصحافية للتقرير الأخير لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.
وأعلن الدكتور موسى شتيوي مدير المركز ظهر الخميس الماضي نتائج استطلاع الرأي العام حول حكومة الدكتور هاني الملقي، بعد مرور 200 يوم على تشكيلها الثاني، إضافة إلى بعض القضايا الراهنة مثل العلاقات الأردنية الأميركية والانتخابات البلدية واللامركزية واللاجئين السوريين ومحاربة التنظيمات الإرهابية.
وفضلت صحف الاكتفاء بما نشرته وكالة الأنباء الأردنية (بترا) التي أبرزت عنواناً يركز على أن "الأمور تسير في الاتجاه الصحيح"، وضمنت التقرير نتائج الاستطلاع كلها، في حين اختارت وسائل إعلام أخرى العنونة على النتائج التي تبين الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الأردن.
ونشرت صحيفة معالجة (بترا) كاملة على موقعها الالكتروني يوم الخميس، لكن في اليوم التالي، حملت نسختها المطبوعة عنواناً مناقضاً، وكذلك الحال في متابعتها الخاصة لنتائج الاستطلاع على موقعها الالكتروني.
واقتطعت مواقع محلية وخارجية أرقاماً من استطلاع الرأي، ونشرتها تحت عناوين مثيرة، مثل "الملقي في ورطة" و"حكومة الملقي تسقط في امتحان الـ 200 يوم".
مواقع عربية نشرت معالجات لاستطلاع الرأي، ركزت فيها على موضوعي الاقتصاد ومحاربة الإرهاب.
ولاحظ مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) أن اختلاف العناوين دفع بموقع إلى المقارنة بين "تبشير" الرأي و"تحذير" الغد، مشيراً إلى ما سماها "ثقافة العناوين".
وتحتوي استطلاعات الرأي العام عادة على أسئلة ذات درجات من الموافقة (موافق بشدة، موافق بدرجة متوسطة، موافق بدرجة ضعيفة)، وكذلك الأمر بالنسبة للمعارضة، ودمج جميع درجات الموافقة أو المعارضة أمر تلجأ له وسائل الإعلام، وهناك من يرى في الدمج ممارسة إعلامية مهنية، وهناك من يرى فيها خطأ يضلل الرأي العام.
كما أن إغفال النسبة العليا والتركيز على النسبة الدنيا يثير جدلاً، فنسبة من يرى أن الأمور في الأردن تسير في الاتجاه الخاطئ في محافظة الكرك بلغت 61% من العينة الوطنية، لكن وسائل الإعلام ركزت على عرض نسبة 38% التي تمثل الكركيين الذين يرون أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.
وتواصل مرصد (أكيد) بالدكتور سامر أبو رمان، وهو باحث متخصص في العلاقة بين وسائل الإعلام واستطلاعات الرأي، حيث اعتبر أن تباين التغطيات الصحافية لاستطلاعات الرأي "موجود وطبيعي"، في ضوء اختلاف الأفكار التي يتبناها الصحافيون، واختلاف توجهات المؤسسات الإعلامية وسياساتها.
وأضاف أبو رمان، وهو حالياً المدير التنفيذي لمركز الآراء الخليجية لاستطلاعات الرأي في الكويت، أن "لاوعي" الصحافي يدفعه إلى إبراز ما يتسق مع فكره وتوجه مؤسسته، مستدركاً أن المهنية تتطلب من الصحافي نقل جميع نتائج الاستطلاع وعرضها على الجمهور.
ولفت إلى "تجذر" الخلاف بين الإعلام ومراكز قياس الرأي العام، بهدف تضاد أهدافهما؛ الإثارة مقابل المعلومة الكاملة، مشيراً في هذا الصدد إلى نفور وسائل الإعلام من لغة الأرقام، ولجوئها إلى العناوين العامة، لإضفاء مزيد من الجاذبية على موضوعاتها، واستقطاب قراء كثر.
"ولجوء الإعلام إلى تفسير النتائج ليس دائماً خطأ"، بحسب أبو رمان الذي ضرب مثلاً بقوله إن وسيلة إعلامية عنونت في وقت ما على أن أغلبية الأردنيين راضون عن إحدى الحكومات، في حين عنونت وسيلة إعلامية أخرى على أن تلك الحكومة حازت على أدنى نسبة من رضا الأردنيين، وكلتاهما صادقتان، فالأولى تناولت النسبة كما جاءت، والثانية قارنتها بنتائج سابقة.
وانتقد أبو رمان، وهو أستاذ زائر سابقاً لجامعة ديلاوير الأميركية، ما سماها "الأخبار التي تحتوي على فذلكات إعلامية"، مشيراً إلى أن مكان تلك "الفذلكات" ليس الخبر، إنما المقال الذي يستطيع كاتبه التعامل مع نتائج الاستطلاع كما يريد.
ولفت أبو رمان إلى أن نشر أجزاء من نتائج استطلاعات الرأي وإغفال أجزاء أخرى يتسبب في تضليل الرأي العام، لذلك فإن هناك مؤسسات بحثية تشترط على وسائل الإعلام نشر النتائج كاملة.
إلا أن المساحة المخصصة للتغطية الصحافية تكون حاسمة في اقتطاع أجزاء من نتائج استطلاعات الرأي والمفاضلة بينها، وفق أبو رمان.
وبين أن هامش الخطأ في استطلاعات الرأي يغيب أحياناً عن ذهن الإعلاميين، خصوصاً إذا كان الفارق ضئيلاً، ويحدث ذلك عند ترتيب النتائج أو إظهار تقدم طرف أو تراجعه.
ولا يعد التباين في قراءة نتائج استطلاعات الرأي ظاهرة محلية، بحسب ما شرح أبو رمان الذي قال إن غياب المعايير في التعامل مع نتائج استطلاعات الرأي مسألة مطروحة في الغرب، ويعمل أكاديميون على تطوير قدرات الإعلاميين في قراءة النتائج والتعامل معها.
وأضاف أن هناك منظمات تقدم جهداً تثقيفياً للإعلاميين، سواء عبر عقد مؤتمرات أو عبر الانترنت، مثل AAPOR، وأيضاً هناك NCPP التي نشرت على موقعها مقالاً بقلم شيلدون آر. غاويسر وجيه. إيفانز ويت، حدد فيه عشرين سؤالاً ينبغي على الصحافي طرحها قبل تغطية استطلاعات الرأي، وهي وإن كانت تركز أكثر على كيفية تغطية الاستطلاعات المتعلقة بالانتخابات، إلا أنه يمكنها تحفيز الصحافي قبل شروعه بكتابة تقريره عن نتائج الاستطلاع.
والأسئلة العشرون هي:
1- من الجهة التي أجرت الاستطلاع؟
2 - من الجهة الممولة للاستطلاع وما الهدف الذي من أجله أجرى الاستطلاع؟
3- كم عدد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات من أجل الاستطلاع؟
4 - كيف جرى اختيار هؤلاء الأشخاص؟
5 - ما هي المنطقة (دولة، ولاية، إقليم) أو ما هي المجموعة (معلمون، محامون، مقترعون ديموقراطيون) التي جرى اختيار الأشخاص منها؟
6 - هل النتائج تستند إلى إجابات جميع الأشخاص الذي جرت مقابلتهم؟
7 - من الأشخاص الذين كان يجب مقابلتهم لكنها لم تتم؟ هل نسب الاستجابة مهمة؟
8 - متى أجري الاستطلاع؟
9 - كيف أجري الاستطلاع؟ (مقابلة شخصية، عبر الهاتف، بواسطة الانترنت، عبر الإيميل)
10 - ماذا عن الاستطلاعات المنشورة على الانترنت؟
11 - ما نسبة الخطأ (هامش الخطأ) في نتائج الاستطلاع؟
12 - من يحتل المقدمة؟ (في حالة الانتخابات، يجب أن يبتعد الصحافي عن ذكر تقدم مرشح على آخر، إذا كان هذا التقدم أقل من هامش الخطأ).
13 - ما العوامل الأخرى التي قد تؤثر على نتائج الاستطلاع؟
14 - ما الأسئلة التي سئلت للمستطلعة آراؤهم؟
15 - كيف جرى ترتيب الأسئلة؟
16 - ماذا عن استطلاعات الرأي غير العلمية (push polls).
17 - ماذا عن استطلاعات الرأي التي أجريت حول نفس الموضوع؟ هل تتفق مع هذا الاستطلاع في النتائج؟ إذا كانت مختلفة، فيجب السؤال لماذا هي مختلفة؟
18 - ماذا عن استطلاعات الرأي التي تنظم عند صناديق الاقتراع (exit polls)؟
19 - ماذا أيضاً يجب أن يتضمن تقرير الاستطلاع؟ (خلفيات، نتائج استطلاعات أخرى حديثة أو قديمة، رأي محللين أو متخصصين).
20 - إذا سأل الصحافي جميع الأسئلة أعلاه، وكانت الإجابات جيدة، هل يجب عليه نشرها؟
مرصد (أكيد) وجد أن إغفال بعض النتائج الواردة في استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية يناقض معيار الدقة، إضافة إلى أن استخدام عناوين مثيرة ممارسة تفتقد إلى التوازن.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني