عاصمة أم مدينة جديدة أم مشروع استثماري.. محتوى اعلامي حكومي متناقض

عاصمة أم مدينة جديدة أم مشروع استثماري.. محتوى اعلامي حكومي متناقض

  • 2017-11-04
  • 12

 

أكيد- أنور الزيادات

 فتح إعلان الحكومة وتصريحاتها الاعلامية المباشرة أو خلال اللقاءات التي تعقدها ممثلة برئيس الحكومة هاني الملقي والوزراء عن المدينة الجديدة، الباب على مصراعيه للانتقادات التي انصبت أولا حول طريقة ادارتها لهذه القضية اعلاميا، وكذلك نقد أداء الحكومة الاقتصادي وتوقيت الاعلان عن المشروع.

مرصد مصداقية الاعلام الاردني (أكيد) رصد ما يزيد عن 600 محتوى إعلامي نشرته المواقع الاخبارية والصحف اليومية حول مشروع "المدينة الجديدة" من تاريخ 22 تشرين أول وحتى الثاني من تشرين ثاني .

قصة المدينة الجديدة

جاء أول إعلان وتصريح من الحكومة عن اقامة مدينة جديدة يوم 22 تشرين أول وعلى لسان رئيس الوزراء هاني الملقي خلال لقاء حواري عقد بدار رئاسة الوزراء بمشاركة مدراء من الإعلام الرسمي ونقيب الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف اليومية وممثلين عن فضائيات محلية ومدراء وكتاب القطاع الاقتصادي بحضور وزراء التخطيط والتعاون الدولي والاعلام والمالية والصناعة والتجارة والدولة لشؤون الاستثمار.

وقال الملقي إن الحكومة انتهت من وضع المخطط الشمولي الميداني لمدينة عمان الجديدة لتكون العاصمة الجديدة، وذلك لوجود مشكلات بلدية مستعصية على الحل في عمان منها المجاري والنقل، حيث سيبدأ العام المقبل التنفيذ على مبدأ البناء والتشغيل ونقل الملكية لإنشاء مبان حكومية على خمس مراحل.

هذا الاعلان الحكومي" تصريحات الملقي" غير واضح، فهو مجر خبر مقتضب عن قضية هامة غابت عنه التفاصيل وخلق اسئلة كثيرة، ما أثار فضول الراي العام، وجعل وسائل الاعلام في سباق لتقديم معلومات أكثر حول الموضوع، في حين أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للتوقعات واحيانا تقديم تعليقات ساخرة حول الموضوع، وكل ذلك انعكس الأمر على أداء الاعلام المحلي.

بعد ذلك وبالتحديد يوم الخميس 26 تشرين أول أكد وزير الدولة لشؤون الاعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية الدكتور محمد المومني، أن المخططات الشمولية للعاصمة الجديدة التي تحدث عنها رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي ستكون جاهزة للتنفيذ في المراحل المستقبلية.

وأضاف ان إنشاء العاصمة الجديدة سيكون بالشراكة مع القطاع الخاص، حيث أن أوضاع الخزينة لا تؤهل الحكومة لانجاز مثل ذلك المشروع الضخم بشكل منفرد ولن تكون ضمن حدود محافظة عمان، فيما سيتم نقل الدوائر الحكومية والرسمية إليها، مشيرا إلى أن نقل تلك الدوائر سيرافقه بكلّ تأكيد انتقال السكان للعيش في تلك المدينة.

ونشرت وسائل إعلام يوم 28 تشرين أول تصريحات للمومني خلال لقائه عددا من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي قال فيها أن مشروع العاصمة الجديدة سيكون عابراً للحكومات مشيرا الى أنه منذ 6 - 7 شهور تجرى اجتماعات ونقاشات حول الامر، موضحاً أن المخطط الشمولي يتوقع أن ينجز خلال شهر أو شهرين وتعمل عليه شركة رائدة معروفة بخبراتها وقدراتها.

وقال العاصمة الجديدة ستنفذ على 5 مراحل ، ولن تكون امتداداً للعاصمة القديمة بل ستكون هناك مسافة بينهما فهي ليست ضاحية ملحقة بعمان ، والعاصمة ستكون تنفيذا وتمويلا مع القطاع الخاص"، مشيرا إلى أن المدينة الجديدة لن تكون فقط مباني حكومية بل هنالك اسكانات وحدائق ستنشأ فه مشروع استراتيجي ريادي تنموي من الطراز الأول، وهو مشروع عابر للحكومات ولن تنفذه حكومة واحدة.

وبعد ذلك قال المومني لقناة رؤيا خلال حديث مع برنامج نبض البلد، مساء السبت، لا أحد يعلم مكان إقامة مشروع مدينة عمان الجيدة إلا 4 أو 5 أشخاص فقط، مضيفا انه لا يعرف شخصيا مكان إقامة المشروع مشيرا  إلى وجود مخطط شمولي يتم العمل عليه لإعداد مشروع عمان الجديدة، لمواجهة التحديات التي تواجه العاصمة عمان.

بعد ذلك نفى وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء الدكتور ممدوح العبادي معرفته عن موقع مدينة عمان الجديدة التي تنوي الحكومة بناءها بالتشارك مع القطاع الخاص مضيفا  إن الحكومة لا تملك المال من أجل انشاء المشاريع، غير أن القطاع الخاص هو من سيستثمر في الأراضي الحكومية التي ستقام عليها المدينة الجديدة.

ورفض العبادي اعتبار المدينة الجديدة كعاصمة جديدة للأردن قائلاً: "لا بديل عن عمان صاحبة التاريخ العريق الممتد عبر 7 آلاف سنة".وعنونت بعض المواقع " العبادي ينفي كلام الملقي بوجود عاصمة جديدة بدلاً من عمان".

بعد ذلك قال الملقي يوم السبت 29 تشرين الاول، خلال اللقاء الذي جمعه في دار رئاسة برؤساء الجامعات الاردنية الرسمية والأهلية "ان المدينة الجديدة التي يجري العمل على دراسة انشائها خارج العاصمة عمان تأتي ضمن جهود الحكومة في التحفيز الاقتصادي واستقطاب استثمارات نوعية" مؤكدا بانها ستقام على اراضي خزينة ومحاطة لمسافات كبيرة باراضي خزينة ايضا ولافتا أيضا الى ان المشروع يُشكل فرصة استثمارية كبيرة للقطاع الخاص وهو مشروع استراتيجي يأتي في سياق تطبيق مفهوم المدن الحديثة التي يساهم بناؤها بانعاش الاقتصاد".

الا أن رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي وخلال لقائه يوم 31 تشرين أول كتلة الاصلاح النيابية برئاسة النائب الدكتور عبدالله العكايلة ان هذا المشروع سيكون مدينة استثمارية جديدة على اراضي الخزينة ومحاطة لمسافات كبيرة بأراضي الخزينة وستكون مدخلا للاستثمار في الاردن ومشروعا استثماريا طويل الامد.

واكد ان المدينة الجديدة ليست عاصمة جديدة وسيتم طرح عطاءات تنفيذها بالكامل وفق نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية من قبل القطاع الخاص ولن تتحمل الحكومة اي تكاليف مالية وعلى خمس مراحل تبدا اولاها العام القادم وتمتد مرحلتها الاخيرة حتى عام 2050.

ولكن خرج نائب رئيس كتلة الاصلاح النيابية تامر بينو بعد الاجتماع وكشف أن رئيس الحكومة هاني الملقي بين لهم ان وزير الدولة لشؤون الإعلام، محمد المومني كان يمزح خلال اعترافه ان هناك 5 اشخاص يعرفون موقع العاصمة الجديدة مشيرا الى أن الكثير من الجهات الحكومية وغير الحكومية تعرف تفاصيل المشروع ومنها شركة الهندسة التي تشرف عليه.

ونقلت مواقع اخبارية عن النائب معتز أبو رمان إنه سأل أمين العاصمة عمان الدكتور يوسف الشواربة عن موقع "عمان الجديدة، وأجابه انه لا يعلم، وانه تفاجئ بالخبر. وقال أبو رمان إذا كان حتى أمين عمان لا يعرف عن الموضوع، فمن هو الذي يعرف".

تقارير حول المدينة

التصريحات الرسمية المقننة بشأن المدينة الجديدة، وأسئلة المواطنين، وفضول الإعلام خلق حالة صحفية ايجابية حاولت خلالها العديد من وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية الاجابة عن الاسئلة التي توالت حول الموضوع مثل الموقع الجغرافي، المخصصات المالية، التوقيت، والهدف، وغيرها...الخ.

ومن هذه التقارير التفاصيل الكاملة لمشروع "عمان الجديدة" ، معلومات جديدة عن "عمان الجديدة" ، عمان الجديدة.. 90 كيلو مترا إلى الجنوب ، "تباين الآراء حول عمان الجديدةالعاصمة الجديدة 90 كيلومترا جنوب عمان ،  قطاع العقار ، الأردنيون يحاولون فك لغز "عمان الجديدة" .

كما ناقشت بعض التقارير الأخرى باستفاضة ايضا موضوع العاصمة الجديد مع الخبراء ومنها :عاصمة جديدة للأوهام ومحلل اقتصادي: ’عمّان الجديدة‘ فقاعة إعلامية والباص السريع ’كذبة‘  وخبراء اقتصاديون: توقيت "عمان الجديدة" غير مناسب وماهي عمان الجديدة واين تقع ؟ وعمان الجديدة.. سلطة مستقلة يعين مفوضيها مجلس الوزراء بإرادة ملكية

مقالات الرأي

اهتم كتاب مقالات الرأي بشكل كبير بالمدينة الجديدة، ومن الملاحظ أن بعض المقالات اعتمد على تنبؤات وتصورات قد لا تكون دقيقة، وبنيت على معلومات غير موثقة بعض الاحيان ووجهات نظر لخبراء، واحيانا تصريحات لافراد من الفريق الحكومي اتضح عدم دقتها .

 ونشير هنا الى عدد من المقالات التي نشرتها وسائل الاعلام ومنها " نعم نريد عمان جديدة عاصمة ، فرص وتحديات العاصمة الجديدة المقترحة للأردن ، "حزر فزر .. عمان الجديدة والخمس الذين يعرفونها" ، العاصمة الجديدة ، كما كان هناك ربط سياسي في مقال بعنوان "العاصمة الجديدة للاردن ،هل هي إجراءات أمنية ؟،أم وسيلة عصرية لتذويب الهوية الاردنية؟.

ومن عناوين المقالات الأخرى " العاصمة الجديدة و حكاية "الفنكوش"  و عاصمة جديدة.. اختيار من متعدد! ونقل البرلمان ورئاسة الوزراء والسفارات للعاصمة الجديدة وعمان الجديدة.. تفكير بصوت مرتفع وعاصمة الرئيس وهندسة التجهيل .. وثلاثة آراء بالعاصمة الجديدة "

النقد الساخر

حفلت صفحات التواصل الاجتماعي بنقد ساخر لتصريحات الحكومة حول المشروع بذاته كمشروع وأحيانا أخرى نالت السخرية التصريحات الحكومية الاعلامية حول المشروع ، وقامت المواقع الاخبارية بالاشارة الى هذه السخرية في كثير من الاحيان بفقرات مقتضبة من تقرير، وفي احيان اخرى تضمنتها مقالات وغيرها.

ومن التعليقات المتداولة على مواقع التواصل: من فواىد العاصمة الجديدة"1-  اظهار مواهب الناطق الرسمي بالنغاشة ونسينا موضوع الخبز ورفع اسعار المواد الغذائية، ونسينا موضع رفع الدعم عن الخبز، نسينا سرقة الكهرباء والحلابات والكوابل والمحولات /ونسينا الباص السريع، ونسينا ونسينا ونسينا.. ياااااه شو نسينا"، فيما تصدر هاشتاق (#العاصمة_الجديدة) و(# عمان_الجديدة) المواضيع المتداولة على توتير، وكان يتم احيانا تناول الموضوع بطريقة ساخرة.

كما تناولت الزوايا المتخصصة بالكاريكاتير الموضوع مثل " آينشتاين يعجز أمام معادلة العاصمة الجديدة" و" اين تقع العاصمة الجديدة ؟ و عمان المخفية، العاصمة الجديدة،،العاصمة الجديدة وين.

ونشرت مواقع اخبارية بعض النقد للأداء الاعلامي الحكومي بشكل ساخر أحيانا ومنها " وأخيراً.. المومني يفك شيفرة الملقي.

عاصمة أم مدينة جديدة

جاء الإعلان الأول وعلى لسان رئيس الوزراء باستخدام مصطلحي "عمان جديدة" و"العاصمة الجيدة"، وبعد ذلك أستخدم وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني مصطلح العاصمة الجديدة، ثم نفى وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء الدكتور ممدوح العبادي ان تكون هناك عمان جديدة أو عاصمة جديدة، ثم أخيرا استخدام الملقي مصطلح "مدينة جديدة" ونفى ان تكون عاصمة جديدة.

كما يلاحظ المتتبع لأداء وسائل الاعلام وجود خلط بين المقال والتقرير عاصمة جديدة» .. مفهوم سبقتنا له عشرات الدول لكنه يحتاج مزيداً من الإيضاح والملقي يثير زوبعة بسبب" عاصمة جديدة" والغموض سيد الموقف وماهي عمان الجديدة واين تقع ؟ ، مواطنون اردنيون : العاصمة الجديدة كذبة كبيرة، ففي العديد من التقارير يتم الاعتماد على الآراء الشخصية لكاتب المحتوى الاخباري كجزء من التقرير وفي هذه الآراء يغيب التوازن والحياد.

ولاحظ (أكيد) أن العديد من التقارير نسبت بعض الأحيان أراء الى خبراء دون ذكر أسمائهم، وهذا لا يستقيم مع الاداء الاعلامي فالخبير يقدم رأي علمي محايد ومنطقي، ولا يكشف عن امر سري او يلقي وجهات نظر وغياب اسماء الخبراء يجعل الشك يتسلل الى القارئ بان المعلومة غير صحيحة، او انها تم نسخها من تقرير أخر وغابت اخلاقيات المهنة بنسبتها الى صاحبها والى مصدرها الثانوي (وسيلة الاعلام التي نقل عنها).

وفي بعض الأحيان خرجت تقارير ومواد صحفية تفتقد إلى الدقة والمصداقية وذلك كونها اعتمدت اساسا على معلومات غير دقيقة وتنبؤات لخبراء, أو مصادر غير مطلعة على تفاصيل المشروع، وتم تداولها على انها حقائق.

وقال عضو مجلس النواب ورئيس تحرير صحيفة "العرب اليوم" السابق نبيل غيشان لمرصد مصداقية الإعلام الاردني (أكيد) "ان أحد مشاكل الحكومات انها لا تقيم وزنا للإعلام سواء كان اعلامها أو وسائل الإعلام بشكل عام، فهي لا تتعامل مع الإعلام بطريقة ذات جدوى بسبب عدم الايمان الحقيقي بدور الإعلام".

وفي موضوع عمان الجديدة يقول غيشان "لا يوجد موضوع في الأصل فهي مجرد فكرة متداولة منذ زمن رؤساء وزراء سابقين ومشروع يحتاج الى مليارات في حين تعجز الحكومة عن توفير 50 مليون دينار لسد بعض الاحتياجات الضرورية" مشيرا الى ان "المشروع غير جاد وما يحدث هي محاولة للفت الانتباه تحاول الحكومة افتعالها".

وقال "الحكومة لا احد يصدقها وثقة الناس بالحكومات تُذكرنا بقصة الراعي والذيب، وهي حالة مشابهة لما حصل لثقة الناس بالحكومات"، مشيرا الى أن الإعلان عن مثل هذا المشروع "خلق اثرا سلبيا على الوضع الاقتصادي بشكل عام مثل الاستثمارات وأسعار الاراضي".

بدوره قال مدير تحرير الشؤون المحلية في "صحيفة الغد" ماجد توبة لمرصد (أكيد)، "منذ البداية لم تكن الفكرة واضحة في طريقة الطرح، وكانت في سياق جديد ومقتضب دون الاهتمام الكبير بصيغة الاعلان عنها، رغم اهمية الموضوع".

وأضاف توبة "القصة تعزز التخبط بغياب المعلومة الرسمية، كما ان هناك غيابا للمعلومات حول المشروع عن بعض مسؤولي الحكومة الذين يجب أن يتواصلوا ويتصدوا للقضية امام الرأي العام".

وأوضح ان "مثل هذه القضية تعزز فقدان ثقة المواطن بالحكومة، ولكن على الحكومة ان لا تستكين لفكرة فقدان الثقة بين الحكومة والمواطن من خلال تجويد الخطاب الاعلامي الرسمي وتحمل المسؤولية،والثقة بالنفس".

 وأشار توبة إلى أن هذه العوامل كفيلة باستعادة نوع من الثقة بالخطاب الرسمي، واذا استكانت الحكومة لهذا الرأي فان هناك مشكلة، داعيا الحكومة الى تقديم المعلومات الكافية والتفكير بشكل ايجابي بالتواصل مع الرأي العام.