عندما يكون الإعلام طرفاً في القصة لا ناقلاً محايداً لها.. تقرير "أتوبارك" الزرقاء نموذجا

عندما يكون الإعلام طرفاً في القصة لا ناقلاً محايداً لها.. تقرير "أتوبارك" الزرقاء نموذجا

  • 2015-08-19
  • 12

أكيد – دلال سلامة

أحد أهم المرتكزات التي يستند إليها الإعلام المهني، هو أن يكون ناقلا محايدا للمعلومات المتعلقة بالأحداث، ويتحقق ذلك بالنقل المتوازن العادل لروايات الأطراف المتعددة للقصة، التي يُفترض ألا يكون الصحفي واحداً منها، إذ أن أحد شروط "الحياد" هو أن تغيب "ذات" الصحفي، فلا تظهر -في تقريره الإخباري- وجهةُ نظره أو حكمُه الخاص أو عاطفتُه، بل تُنسب جميع وجهات النظر والأحكام التي يتضمنها أي تقرير إلى مصادرها.

الحياد يعني أن تدفق المعلومات، وإن كان منظّما، يجب أن يكون حرّا، بما يضمن للجمهور حقه في أن يسمع من جميع الأطراف الفاعلة في أي حدث، ليستطيع في النهاية أن يتخذ قراراً واعياً ومستقلاً بالانحياز إلى أحد هذه الأطراف.

أحد الأمثلة على تقارير أخلّت بمعيار الحياد، هو تقرير بعنوان "تشغيل الاتوبارك في الزرقاء يثير استياء المواطنين والتجار ويسرق جيوبهم"، الذي نشرته "الدستور" أمس 19 آب (أغسطس). فقد غيّب التقرير، الذي كُرّس للدفاع عن وجهة النظر المناوئة لهذا المشروع، وجهةَ النظر المقابلة، وأصوات الأطراف الأساسية الأخرى المُفترض أن تمثّلها. كما استخدم التقرير لغة "منحازة" تضمنت أحكاما لم تُنسب إلى أي مصدر.

ينقل التقرير اعتراضات مواطنين وتجار في مدينة الزرقاء على آلية جديدة لتطبيق نظام استيفاء تعرفة على وقوف السيارات في الشوارع؛ ما يسمى "الأتوبارك" في الوسط التجاري للمدينة، إذ وُزّعت أكشاك في الشوارع المشمولة بالنظام، يعمل فيها موظفون يتولون استيفاء التعرفة. ووفق التقرير، فإن التعرفة تُستوفى حتى لو كان التوقف "لدقيقة واحدة"، لهذا ينقل مطالبات باعتماد فترة سماح مدتها ربع ساعة، تُستوفى التعرفة عند تجاوزها، أو توفير مواقف عامة مجانية في الوسط التجاري.

التقرير كان منحازا كليّا للموقف المعترض على تطبيق النظام السابق، فمن 670 كلمة هي عدد كلمات التقرير، كان هناك 630 كلمة، بنسبة 94% مخصصة لعرض وجهة النظر هذه. وقد اعتمد التقرير بالكامل تقريبا على شهادتي مواطن وتاجر، وغيّب في المقابل جهات أخرى معنية، رغم توجيه اتهامات لها، وعلى رأسها الجهة صاحبة مشروع الأتوبارك، التي ذكر التقرير أن أكشاكها "تنتصب في الشوارع بمظهر ليس بالحضاري"، وأن موظفيها "يتصرفون في الشوارع وكأنها ملك لهم وأن المواطن لا حق له في شيء". وغيّب التقرير أيضا وجهة نظر غرفة تجارة الزرقاء التي قال إنها "وقفت موقف المتفرج".

أما بلدية الزرقاء، فقد حظيت بـ38 كلمة "نفت" فيها أن يكون المشروع قد توسع ليشمل شوارع جديدة، وهو أمر لم يرد أصلا في التقرير. في حين لم يُسمع ردّ للبلدية على الاتهامات التي تضمنها التقرير فعلا، وهي أن رئيس البلدية زار تايوان وقرر نسخ تجربة الأتوبارك التي رآها هناك من دون أن يأخذ في الاعتبار الاختلافات بين البلدين. وقصة تايوان هذه نقلها التقرير عن تاجر قال إنه سمعها من "مقربين من دائرة صنع القرار" في بلدية الزرقاء. كما أكد التقرير على أن "الخلل في التطبيق سببه البلدية بمجلسها الحالي الذي لا يهمه مصلحة المواطن".

ومن الجهات التي غابت أيضا، مديرية الأمن العام، التي ذكر التقرير أنها سجّلت مخالفات لأبناء المدينة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة "تساوي ما تمّ تسجيله في عام كامل"، والسبب هو أن موظّفي الأتوبارك، باتوا يزوّدون الشرطة بأرقام المركبات التي يوقفها أصحابها بشكل مزدوج، كي لا يدفعوا التعرفة.

لقد استند التقرير، كما سبقت الإشارة، إلى مصدرين هما: مواطن وتاجر، شكّلت شهادتيهما 34% من المادة الصحفية، وفي ما تبقى فإن من تولى إصدار الأحكام كان كاتب التقرير نفسه، من دون نسبة هذه الأحكام إلى أي مصدر، فكانت في الحقيقة صوت الصحفي نفسه، ومن ذلك وصف الأكشاك بأن منظرها "غير حضاري". وأن موظفي الشركة "يتصرفون في الشوارع وكأنها ملك لهم". إضافة إلى العنوان الذي تضمن حكما بأن نظام الأتوبارك "يسرق" جيوب المواطنين، من دون أن يضع الكلمة بين علامتي تنصيص، فبدا بذلك أن الصحفي يتبنى هذا الحكم.

وهناك أيضا الأحكام التي نُسبت إلى مصادر جماعية هي "أهالي الزرقاء" و"أبناء الزرقاء" و"أصحاب السيارات"، من دون أن يكون واضحا كيف استطاع كاتب التقرير الحسم بإجماعهم.