غياب أحد أطراف المادة الخبرية مثل حضوره "الشكلي".. يخلان بـ"التوازن"

غياب أحد أطراف المادة الخبرية مثل حضوره "الشكلي".. يخلان بـ"التوازن"

  • 2015-09-21
  • 12

أكيد – دلال سلامة

واحد من المعايير المهنية الأساسية في كتابة أي خبر، هو "التوازن"، وأحد مؤشراته تمثيل جميع الأطراف الأساسية للقصة التي يغطيها هذا الخبر. أولاً؛ لأن التمثيل العادل للأطراف الأساسية هو تحقيق لمبدأ "الحياد"، الذي يشكل جوهر أداء وسائل الإعلام، بوصفها قنوات تدفق للمعلومات عن الأحداث، لا أطراف في هذه الأحداث، وثانياً؛ لأنه يحقق شرط لـ"الدقة"، إذ لكل قصة، في الأغلب، أكثر من جانب، ومجموع روايات الأطراف الممثلة لهذه الجوانب، يوفر فهماً شاملاً ودقيقاً لها.

لكن يُلاحظ أن الكثير من الأخبار تخلّ بهذا المعيار، فتغفل روايات أطراف أساسية، إما بتغييب هذه الأطراف تماماً من المادة الإخبارية، أو باستحضارها، ولكن بطريقة قاصرة، تعيق توفير حدّ أدنى من فهم الحدث.

في ما يأتي أربعة نماذج على ذلك، نُشرت في صحف اليوم 22 أيلول (سبتمبر) الجاري:

الخبر الأول يتعلق بحملة نفّذتها متصرفية لواء الأغوار الشمالية على أكشاك "مخالفة" لبيع القهوة، في مناطق بلدية شرحبيل بين حسنة، وأسفرت عن إزالة 32 كشكا. وينقل الخبر عن متصرف اللواء، عدنان العتوم، أن الأكشاك غير مرخصة، ومعتدية على الشارع العام. وأنه كانت قد وُجهت إنذارات لأصحابها "لكنهم لم يعطوا أي اهتمام يُذكر" للإنذارات، وهذا ما دفع إلى إزالتها، وفق المتصرف.

لكن الخبر السابق، وهو منقول عن "بترا"، التي نشرته يوم 21 أيلول، ونقله عنها في حينه موقع "السبيل" ومواقع إلكترونية، ثم أعادت "الدستور" و"الغد"[1] نشره يوم 22 أيلول، فصّل في شرح رواية الجهة الرسمية صاحبة قرار إجراء الازالة، وغيّب في المقابل الطرف الأساسي الآخر في القصة، وهو أصحاب الأكشاك أنفسهم، الذين نقل الخبر اتهامات لهم بالتعدي على الشارع العام، و"عدم الاهتمام" بإنذارات الجهات المسؤولية، ولكن من دون أن ينقل ردّهم على هذه الاتهامات.

الخبر الثاني نشرته "السبيل"، ويتعلق بحادثة اختفاء طفلة في الرابعة عشرة من عمرها. يقول ذووها إن أثرها فُقد قبل 17 يوما، بعد أن خرجت من منزلها إلى دكان مجاور. الطفلة هي ابنة عماد الصبيحي، والد  أحمد الصبيحي، شرطي سابق في الأمن العام، توفي قبل خمس سنوات في مقرّ عمله في سجن السلط، وصرّحت الجهات المسؤولة وقتها أنه مات منتحرا، لكن والديه ظلا مصرّين على أن هناك دوافع جنائية وراء وفاته، ونفّذا خلال الخمس سنوات السابقة العديد من أفعال الاحتجاج العامة.

الخبر السابق ينقل عن الصبيحي قوله إن لاختفاء ابنته علاقة برفضه التهدئة في قضية ابنه وأن "اختطافها" هو لـ"الضغط عليه والتنازل عن قضية ابنه". كما ينقل عنه اتهامه الأجهزة الأمنية بـ"عدم القيام بواجبها المطلوب"، وانتقاده "عدم زيارة أي من الجهات الأمنية كعادة التحقيقات للسؤال عن سلوكيات الفتاة أو علاقتها بذويها وأقاربها"، وأن الأجهزة الأمنية أحضرت كلب أثر لتتبع آثار الفتاة "بعد 14 يوما" على اختفائها.

لكن في مواجهة كل هذه الاتهامات، فإن الخبر يكتفي بتصريح بالغ الاقتضاب للناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام، عامر السرطاوي، مفاده أن "البحث جار عن الطفلة". من دون أن يقدم الخبر للقارئ الإجابات التي يتوقعها، وهي ردّ الجهات الأمنية على اتهامات الأب. والخبر لا يوضّح للقارئ ماهية الاستفسار الذي وُجّه إلى المصدر الأمني، فهل طُلب منه الإجابة بشكل محدد على هذه الاتهامات، واختار أن يردّ بهذا التصريح الذي لا ينفي أو يؤكّد هذه الاتهامات؟ أم المصدر الأمني لم يُواجَه بالاتهامات، بل طُلب إليه التعليق بشكل عام على القضية؟ إن تفسير الخبر لخلفية التصريح في هذه الحالة أساسي لحدّ أدنى من فهم الحدث.

الخبر الثالث نُشر في "الرأي"، ويتعلق بجماعة الإخوان المسلمين،حيث ينقل الخبر عمن وصفه بـ"مصدر مطلع" داخل الجماعة أن هناك خلافات تتعلق بمبادرة لإعادة تشكيل المكتبين التنفيذيين لجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي. وينقل الخبر عن "قيادي إخواني" قوله إن "مطالب الإصلاح لم تتحقق جراء تعنت القيادة غير الشرعية في الجماعة"، مضيفا أن "الجماعة التي تطالب بإصلاح المجتمع غير قادرة على إصلاح نفسها".

لكن الخبر السابق الذي يوجّه اتهامات لقيادات إخوانية بـ"التعنّت" وإفشال الجهود الإصلاحية، لم يقدّم في المقابل أي ردّ على ذلك من المعنيين.

 الخبر الرابع نُشر في "الغد"، ويتعلق بشكوى أهالي قرية شحوت، في قضاء الضليل، التابع لمحافظة الزرقاء من التأخر في إنجاز مدرسة جديدة في القرية. وفق الخبر، فالمدرسة بدأ بناؤها في تشرين الأول (أكتوبر) 2012، بمنحة من الحكومة الألمانية، وكان من المقرر أن تُستكمل يوم 5 تشرين الأول 2013، لكن العمل فيها توقف العام الماضي. وينقل الخبر عن الأهالي أنهم لا يعرفون أسباب التأخر، وأنهم يشعرون بـ"خيبة الأمل"، بسبب "وعود متكررة قطعتها الجهات المعنية باستلام المفتاح وافتتاح المدرسة العام الدراسي الحالي".

متوقع من الخبر السابق الذي عرض مشكلة تأخر إنجاز المدرسة المقرر قبل عامين، ومطالبة الأهالي بمعرفة الأسباب أن يأتي بردود من الأطراف المعنية، وقد فعل ذلك فعلا، فقد نقل ردّا من الجهة المعنية بتنفيذ المدارس في وزارة الأشغال العامة، التي قالت إن المقاول تأخر عن الموعد المقرر، وإنه إذا لم يقم بتصويب أوضاعه فإن الوزارة ستستعين بمقاول جديد ليكمل العمل على حسابه.

كما نقل التقرير عن الشركة المشرفة على المشروع نفيها توقف العمل، وان ما حدث هو "تباطؤ المقاول بسبب تعرضه لمشاكل مالية"، وأنه سيوجّه إنذار إلى المقاول المنفذ، وفي حال لم يصوّب وضعه، فإن الشركة ستسحب منه العطاء.

المشكلة في الردود السابقة هي أنها قديمة، وأدلى بها أصحابها للصحيفة قبل عام[2]، في إطار تقرير غطّى المشكلة ذاتها آنذاك. وهي بذلك ليست صالحة للردّ على أسئلة أهل القرية الخاصة بالمشكلة التي ما زالت قائمة، فهي لم تُحدّث، ليعرف الأهالي الإجراء الذي اتخذته وزارة الأشغال العامة بحق المقاول بعد عام على تصريحها بأنها سوف تستعين بمقاول جديد، في حال لم ينفذ المقاول الأول التزاماته. كما لم تُحدّث تصريحات الشركة المشرفة على المشروع ليُعرف إن كانت سحبت العطاء من المقاول أم لا.

إضافة إلى ذلك، فإن هناك طرفاً أساسياً كان غائبا في التقرير الأول، وغاب أيضا في التقرير الحالي، وهو الحكومة الألمانية الممولة التي لم تُعرف وجهة نظرها في تأخر إنجاز المدرسة لعامين.

[1] "الغد"، 22/9/2015، ص9. لم يمكن العثور عليه في الموقع الإلكتروني للصحيفة.

[2] ذكر التقرير أن تصريح وزارة الأشغال كان لتقرير سابق، لكنه لم يشر إلى ذلك في ما يتعلق بتصريح الشركة المشرفة على المشروع.