مواقع إخبارية ترتكب انتهاكاً مهنياً بنشرها مشهد طفل سوري مبتور الساقين

مواقع إخبارية ترتكب انتهاكاً مهنياً بنشرها مشهد طفل سوري مبتور الساقين

  • 2017-02-21
  • 12

أكيد – حسام العسال

تداولت العديد من المواقع الإخبارية الأردنية والعربية خبراً عن إصابة طفلٍ سوري في غارة جوية نُسبت للجيش السوري على بلدة "الهبيط" في ريف مدينة إدلب السورية في 16 شباط/فبراير الحالي، متضمناً صوراً واضحة ومقطع فيديو لطفلٍ يُنادي والده "يا بابا شيلني"، بسبب بتر قدميه اللتين تظهران بوضوح وبشكل قاسٍ في الفيديو والصور، حيث يُغطيهما الدم والغبار.

العديد من المواقع الإخبارية المحلية نشرت مقطع الفيديو والصور من دون تحذيرٍ مسبق بقساوة المشهد، ومن دون "تمويه" لقدمي الطفل المبتورتين، فيما نشرت مواقع أخرى الخبر بعد أن موهت على قدمي الطفل للتخفيف من حدة المشهد.

وآثرت بعض المواقع الإلكترونية تغطية الحادثة دون إرفاق فيديو وصور الطفل، أو باستخدام صور بعيدة لا تُظهر المشهد بوضوح، ممتنعين بذلك عن نشر صورة الطفل المؤلمة.

أستاذ الأخلاقيات والتشريعات الإعلامية الدكتور صخر الخصاونة اعتبر في تصريحٍ لـ "أكيد" أن استخدام الصور القاسية التي تحمل الدم ويظهر بها الضحايا والأطفال والنساء لا تتفق مع القواعد الأخلاقية لمهنة الصحافة، مضيفاً أن نشر تلك الصور يتضمن "اختراقاً للحياة الخاصة للضحايا وذويهم"، وأن استمرار عرض تلك الصور يؤثر في حياة الأشخاص المتعرضين للعنف ويُذكّر ذويهم بهم.

ويُضيف الخصاونة: "يجب الأخذ بالاعتبار أن المتلقي لتلك الصورة ليس بالضرورة أن يكون بالغاً عاقلاً راشداً أي أنه من الممكن أن يكون طفلاُ"، لافتاً إلى خطورة أن يصل المتلقي إلى حالة "يألف" فيها المشاهد القاسية، وأضاف "إن استخدام تلك الصور يُشكل اعتداءً على الحقوق الشخصية اللازمة للضحايا حيث تُستخدم عادةً لغايات تتعلق بالدعاية والترويج لفريقٍ على حساب آخر".

ويخالف نشر الصورة القاسية للطفل ميثاق الشرف الصحافي الأردني والذي ينص في المادة 14 منه على أن "يلتزم الصحافيون بالدفاع عن قضايا الطفولة وحقوقهم الأساسية المتمثلة بالرعاية والحماية. ويراعون عدم مقابلة الاطفال أو التقاط صور لهم دون موافقة أولياء أمورهم أو المسؤولين عنهم، كما لا يجوز نشر ما يسيء إليهم أو لعائلاتهم".

ويُخالف النشر كذلك ميثاق الشرف المهني في الأردن الذي ينص في إحدى فقراته على أن "يراعي الإعلامي عند بث أي صور أو أصوات للضحايا أن لا تكون بشعة ما لم يسبقها تحذير، وتكون بهدف خدمة القصة الإخبارية، كما يراعي أن لا يكون لها أثر سلبي على مشاعر ذوي الضحايا أو مشاعر المواطنين عامة".

بدورها رأت مديرة مشروع التربية الإعلامية والمعلوماتية في معهد الإعلام الأردني بيان التل في تصريحها لـ "أكيد" أن الصورة لا تخدم القضية السورية بقدر ما تُسيء إلى الطفل وتخترق خصوصيته ومعاناته، وأضافت: "إذا كانت هناك ضرورة لنشر الصورة فبالإمكان عزل الصورة عن الدماء مع بقاء صوت الطفل"، مشددةً على ضرورة تمتع وسائل الإعلام بالوعي الكافي لأخلاقيات مهنة الصحافة.

الخصاونة تناول النشر أيضاً من ناحية قانونية قائلاً: "يُمكن للمتضرر اللجوء للقضاء لجبر الضرر والمطالبة بالتعويض في حال نشر الصور دون إذن وخصوصاً مع الأطفال، ولكن الإشكالية القانونية تتمثل بالحاجة لشكوى من المتضرر ذاته أو من يمثله".

وتستحضر هذه الحادثة حواراً يتجدد كل فترة حول مشروعية نشر الصور القاسية والتي تحمل صور الضحايا والدماء والأطفال، فهناك من يرى ضرورةً في نشر الحقيقة من خلال الصورة بغض عن النظر عمّا تحمله الصورة من قسوة، وهناك من يرى عدم مشروعية نشر تلك الصور احتراماً لخصوصية الضحايا ولمشاعر المتلقين، إضافةً إلى فريق يُنادي بإمكانية نشر الصورة مع التحذير والتنبيه المسبق.

في بعض الحالات، قد تشكّل الصورة مصدرا أو مرجعاً للخبر، مما يتطلب نشرها، وخاصة عند الحاجة إلى لفت أنظار الرأي العام لانتهاكٍ ما وإظهار حقيقة معينة، وفي هذه الحالة يجب أن يسبق نشر الصورة تحذير أو تنبيه مسبق.

وتُعيد هذه الحادثة إلى الأذهان حالات شبيهة كنشر صورة الطفل إيلان، والطفل عمران، وكذلك محمد الدرة، والتي صاحب نشرها اجتماعات تحريرية صاخبة في العديد من الصُحف العالمية لتقرير مشروعية النشر، ومدى تأثير تلك الصور على المتلقين، وانتهاكها لخصوصية وحرمة أجساد الضحايا.

مرصد "أكيد" اتصل بـ (كيلي ماكبرايد) الخبيرة بالأخلاقيات الإعلامية ونائب رئيس معهد بوينتر في الولايات المتحدة الأمريكية التي أوضحت آليةً للتعامل مع هذه الحالات واتخاذ القرار التحريري بالنشر من عدمه، حيث ترى أنه من المهم تحديد الهدف الصحافي من وراء نشر الصور والفيديوهات.

وحين تحديد الهدف الصحافي، يجب الأخذ بعين الاعتبار الجهات المعنية والمرتبطة بالأمر، وطرح الأسئلة التالية: ما الذي حدث لهذا الطفل؟ ماذا حدث للآخرين من حوله؟ ماذا سيحدث للصحافي ومؤسسته في حالة نشر الصورة؟ وماذا عن آراء المشاهدين والقراء الذين سيشاهدون الصورة؟ ومن ثم البدء بالتفكير بالعواقب، وماذا سيحدث لو نُشرت هذه الصورة؟.

وتضيف ماكبرايد: "في المرحلة الأخيرة يمكن التفكير بعدد من البدائل، وهل يجب أن يتم تحرير الصورة والفيديو؟ وربما إمكانية تحذير المشاهد قبل عرض الصورة، وما هو السياق الذي تجب إضافته إلى الصورة من أجل إيصال المعلومات المتعلقة بها، وذلك حتى يتمكن المتلقي من فهم الحقيقة".

وترى ماكبرايد أنه من الأفضل أن يتوفر لدى الصحافي ثلاثة بدائل على الأقل، وبالتالي يتم اختيار البديل الذي يخدم الهدف الصحافي من وراء نشر الصورة.

 

 

ملاحظة: يعتذر (أكيد) عن إرفاق الروابط التي تُظهر صورة الطفل احتراماً لخصوصيته ومعاناته، وحفاظاً على مشاعر القراء.