أكيد- أنور الزيادات
يوم الخميس 17 تشرين ثاني من هذا العام (2016) نشرت وسائل الإعلام خبرا بعنوان: 46 % نسبة انتشار السكري فوق عمر 25 عاما في الأردن، ونسبت المعلومات الواردة في الخبر إلى رئيس المركز الوطني للسكري والغدد الصم والوراثة الدكتور كامل العجلوني. وقبل ذلك بأسابيع، وفي الثالث من تشرين أول، نشرت وسائل إعلام أخرى خبراً حول الموضوع ذاته بعنوان: 15 % من الاردنيين مصابين بالسكري و14 % بالسكري الكامن، بينما قرأنا في تموز الماضي خبراً يقول في عنوانه أن 25% من الأردنيين من عمر 25 عاماً مصابون بالسكري، وخبراً آخر يتحدث عن نسبة انتشار للمرض تبلغ 8.5%، وقبل ذلك كنا قرأنا أخباراً تتحدث عن نسبة 31% وعن نسبة 16%.
من الواضح أن هناك تباينات كبيرة في النسب والأرقام، وبالقراءة التفصيلية لهذه الأخبار يتبين أن كلاً منها منسوب إلى جهة أو دراسة، بمعنى أن هناك في كل الحالات مرجعاً للمعلومات. ومن الواضح كذلك أن ناشري الأخبار تعمدوا إبراز النسب والأرقام في العناوين لما لها من جاذبية، متجاوزين بذلك السياق الذي وردت فيه هذه الأخبار.
من اللافت أن الرصد الذي أجراه "أكيد" لم يكشف عن أي تساؤل من قبل وسائل الإعلام حول التناقض الوارد فيما نشر من أخبار.
فهل يتحمل الإعلام مسؤولية في التشويش الحاصل من تداول مثل هذه الأرقام في قضية حساسة وتطال فئة كبيرة من المواطنين؟
رئيس الجمعية الأردنية لاختصاصي الغدد الصم والسكري والاستقلاب الدكتور رشاد نصر في اتصال مع (أكيد) قال يجب علينا عند الحديث عن نسبة الإصابة بالسكري، التفريق بين السكري والسكري الكامن (السكري الكامن يعني أن مستوى السكر في الدم أعلى من الحد الطبيعي وأقل من الحد الذي يتم من خلاله تشخيص حالة المريض بأنه مصاب بالسكري).
ويوضح أن الأرقام المتداولة بعضها يعتمد على دراسات سابقة أجريت قبل ما يزيد عن عشر سنوات، مبينا أن آخر دراسة هي التي أعلن عنها رئيس المركز الوطني للسكري والغدد الصم والوراثة الدكتور كامل العجلوني وبينت أن نسبة انتشار السكري في الاردن 46 % للفئة العمرية فوق 25 عاما.
ويضيف نصر: الأرقام قد تختلف من دراسة الى أخرى لكن هذه الدراسات والأبحاث لا تُعتمد الا بعد نشرها بمجلات طبية محكمة على المستوى الدولي، نافيا وجود أي تهويل في هذه الدراسات، أما النسب والأرقام المنشورة على موقع منظمة الصحة العالمية فهي قديمة لم تجدد، داعيا الصحفيين إلى حضور المؤتمرات الصحفية ومتابعة المستجدات على الساحة المحلية من أجل أن تكون الأرقام التي ينشرونها دقيقة، من خلال أخذ المعلومات من مصادرها، مع أن الجمعية تقوم بتوزيع المعلومات والأرقام مطبوعة تجنبا للوقوع في الأخطاء".
عضو الاتحاد الدولي للصحفيين العلميين والمختصة بالإعلام الصحي الدكتورة حنان الكسواني قالت لـ(أكيد) إن هناك مشكلتان أساسيتان تتسببان في تضارب الأرقام، الأولى تعود لوسيلة الإعلام من ناحية عدم وجود صحفيين متخصصين في تغطية القطاع الصحي، وهو القطاع الحساس الذي يمس حياة الناس وأرواحهم، مطالبة بتدريب الإعلامين ومنحهم فرصة للتخصص في كل قطاع، ليكون المنتج الاعلامي ممثلا بالمعلومات والأرقام الدقيقة، وأشارت إلى أنه في بعض الدول الأوروبية هناك صحفيين متخصصين بجزئية معينة من الطب وعلى سبيل المثال مرض السرطان، او السكري.. الخ.
أضافت الكسواني إن بعض الأخطاء تكون نتيجة للسرعة وضغط العمل، وهنا لا يتم التمييز على سبيل المثال بين السكري، والسكري الكامن، أو بين المصابين وفق الجندر "رجل أو مرأة " او الفئة العمرية كبار أو أطفال.
من الناحية العملية، تدرك الكسواني أن هناك تسابقا بين الصحفيين على نشر الرقم الأكبر المتعلق بهذا المرض، فتغيب الدقة، وينتج بعض التضارب عن عمليات القص واللصق التي يقوم بها الصحفيون من مواقع أخرى دون تدقيق.
أما المشكلة الثانية فترتبط بالمصادر؛ فبعض الأطباء لا يتقنون التعامل بالشكل الأمثل مع الصحفيين، ولا يقدمون المعلومة الدقيقة والواضحة، خاصة وأنهم –بدورهم- غير مدربين على التعامل مع الصحافة، وهنا يحدث التشويش، الذي يجعل الصحفي ينقل المعلومة، وخاصة في المؤتمرات، كمسلمة بدون تحقق أو تدقيق.
وتضيف هناك جانب آخر للمشكلة وهو اللغة التي يستخدمها الأطباء، فعادة ما يستخدم الاطباء اللغة الانجليزية، والمصطلحات العلمية، فتكون المعلومات غير واضحة للصحفي.
ولكن الكسواني تشير إلى قضية هامة تتمثل في أن يكون لطرف "مصلحة في تهويل أرقام السكري" مثل شركات الأدوية، أو مصانع المكملات الغذائية أو منتجي الأعشاب الطبية، ويحصل أحياناً أن يركز الإعلام على مرض معين، ويكون ذلك مرتبطاً، بأهداف منها الحصول على تمويل من جهات خارجية.
سبق لمرصد "أكيد" أن لفت الانتباه في تقارير سابقة إلى مخاطر استسهال تداول الأرقام والنسب بلا تدقيق، وإلى ضرورة مراعاة كافة المعايير المعتمدة في إعداد المادة الصحفية لا سيما في القضايا الحساسة التي تتطلب تجنب اخطاء الارقام والمؤشرات، وإسناد الآراء دوما إلى مصادرها، وتجنب أخطاء المفاهيم والمصطلحات، والاعتماد على مصادر موثوقة ولها تاريخ مشهود من الصدقية، بالإضافة إلى الوضوح.
أرقام متضاربة حول مرض السكري في الأردن
أين تكمن مسؤولية الإعلام؟
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني