وسائل إعلام تعلن وفاة رجل حي وتدفنه وتتأسى على جنازته!

وسائل إعلام تعلن وفاة رجل حي وتدفنه وتتأسى على جنازته!

  • 2016-12-10
  • 12

أكيد- انور الزيادات

شكّلت قصة "مشرد الزرقاء" نموذجا صارخاً على التجاوزات المهنية والأخلاقية في العمل الصحفي التي تمارسها العديد من وسائل الإعلام، فهذا "المشرد"، بعد أن أعلنت وسائل إعلام موته ووصف بعضها جنازته، هب واقفا من جديد ونشرت صوره.

وشكّل إعلان وزارة التنمية الاجتماعية على لسان الناطق الاعلامي  الدكتور فواز الرطروط عن العثور على المتشرد  حيا مفاجأة، وقد أوضح الرطروط أن وسائل الإعلام تداولت خبرا مفاده أن هناك متسولا بالزرقاء توفي نتيجة تعرضه للبرد وعدم وجود مأوى له، حيث بادرت الوزارة إلى متابعة الأمر وتبين لها بأنه غير متوفى.

عشرات الأخبار نشرتها المواقع المحلية عن وفاة هذا المشرد، وذلك بعد أن نشرت صحيفة "السبيل" يوم الخميس الأول من كانون أول خبرا بعنوان ""المشرد ابن آدم"" يلقى حتفه على أرصفة الزرقاء" وجاء في الخبر: "مات المشرد "ابن آدم"، هكذا يطلق عليه من قبل المارة وأصحاب المحال التجارية، فهو لا يعرف نسبه وحسبه وعمره، على أحد أرصفة مدينة الزرقاء، بحسب شاب من سكان المنطقة". والصحيفة لم تذكر من هو هذا الشاب الذي زودها بالخبر، وأبقته مصدرا مبهماً.

في اليوم ذاته نشرت مواقع إخبارية نقلا عن "السبيل" خبر الوفاة، ومنها موقع إخباري محلي في الزرقاء ذاتها الذي نشره من دون التحقق من صحته وبعنوان "وفاة مشرد على رصيف شارع الجيش بالزرقاء".

لكن عشرات المواقع نشرت الخبر على أنه خبر خاص، وقامت بإعادة تحرير المادة المنشورة، بطريقة جديدة أحيانا وبالعنوان ذاته، وفي أوقات أخرى صاغت عناوين جديدة ركزت على الجانب الانساني الذي يثير العواطف "مات المشرد ابن آدم على أرصفة الزرقاء بسبب البرد".

المواقع لم تتوقف هنا، بل أجرت متابعات هذا الخبر غير الصحيح بعناوين مختلفة مثل: بعد وفاة مشرد في الزرقاء، التنمية: نرعى العديد من حالات الهائمين على وجوههم، وواصل بعضها المتابعة "الوهمية" حيث نشر أحدها خبرا عن مصير الجثة بعنوان: "جثة مشرد الزرقاء لا تجد من يدفنها  وجاء في الخبر: "تبحث جثة المشرد "محمد" (الاسم الافتراضي للمتوفي) منذ 5 أيام عمن يدفنها، حيث تقبع إلى الآن بمستشفى الزرقاء الحكومي دون أن يتعرف أي شخص على هويتها، ثم نشرت مواقع أخرى تفاصيل مختلفة مثل: "منذ 5 أيام وجثة مشرد الزرقاء في ثلاجة الموتى لم تجد من يدفنها ، و تفاصيل جديدة ومحزنة حول جثة مشرد الزرقاء!

ووصل الأمر بوسائل الاعلام أن أعلن بعضها عن "تشييع جثمان المتوفي وتحت عدد من العناوين مثل: جثمان "مشرد الزرقاء" يوارى الثرى و دفن رفاة مشرد الزرقاء بلا أي مشيع معه.

هذا الخبر انتقل الى الصحافة العربية  فقد نشرته "القدس العربي" اللندنية بعنوان: "ضجة بعد وفاة مشرّد في شوارع مدينة الزرقاء الأردنية بسبب البرد"، وجاء فيه: "ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بحادثة وفاة أحد المشردين على قارعة الطريق بالقرب من المجمع القديم في مدينة الزرقاء شمال شرق العاصمة عمّان" ثم اوضحت الصحيفة سبب الوفاة! منسوباً إلى تقرير مستشفى الزرقاء الحكومي الذي عزا السبب إلى الالتهاب الرئوي الحاد بسبب نقص العلاج وتعرض المتوفى للبرد القارس في الأيام الماضية.

صحف ومواقع عربية أخرى تناقلت هذا الخبر ومنها صحف خليجية وبعناوين مختلفة منها: "متطوعون يسهمون في دفن «مُشرّد الزرقاء» بالأردنوجاء في هذا الخبر: "أكدت مصادر أن أحد أقارب المُشرّد طلب دفنه أخيراً بمساعدة متطوعين ومتبرعين"، أما موق قناة "العالم" فتحدث عن: "ضجة بعد وفاة مشرد في شوارع الأردن تحت المطر".

واللافت بعد أن ظهر عدم صحة الخبر، أن المواقع  الإخبارية المحلية  نشرت ذلك المعلومة مجدداً، ولكن من دون الاعتذار عن  الخطأ والخلل المهني، بل اكتفت بنشر ما أعلنته وزارة التنمية حول العثور على المشرد حيا.

نحن أمام "فضيحة" إعلامية، فقد قاد خبر سريع غير صحيح منسوب إلى مصدر مجهول إلى كل هذا التضليل الذي لم يتوقف عند حدود الإعلام المحلي بل تجاوزه إلى الدولي مروراً بصفحات التواصل الاجتماعي. ثم ختمت وسائل الإعلام الممارسات الخاطئة بعدم تقديمها اعتذار واضح، ولم تراع أنها أمام قصة لإنسان حقيقي، لا سيما أن الصحافة نشرت صورته الفعلية بعد اتضاح زيف الخبر الذي نشر عنه.