دلال سلامه
انفردت صحيفة "الرأي" أمس الأحد (17/1/2016)، بخبر قضية"اختلاس" موظفيْن في وزارة العمل مبلغ مليونين و150 ألف دينار، قالت الصحيفة إنهما حوّلاه بشيكات إلى زوجتيهما، وصديق لهما. ووفق الخبر فإن الخمسة ما زالوا فارين من وجه العدالة، إذ تمكن ثلاثة من الهرب خارج البلاد، فيما بقي اثنان في المملكة، لكن لم يُقبض عليهما.
أخذ الخبر السابق، بعنوانه العريض "موظفان يختلسان مليونين و150 ألف دينار"، موقعه في الصفحة الأولى في الصحيفة، وكان بكل المقاييس سبقا صحفيا، لكن المفاجأة جاءت بعد نشره بساعات، عندما أصدرت وزارة العمل، بيانا أوضحت فيه أن القضية المشار إليها "قديمة"، كانت كُشفت قبل سنتين تقريبا.
وقد "عاتبت" الوزارة الصحيفة، على نشرها الخبر بطريقة "أوحت" بأن القضية جديدة، الأمر الذي أدّى، وفق البيان، إلى "إحداث لبس لدى الرأي العام".
خبر هذه القضية، كان فعلا قد نُشر في نيسان (أبريل) 2014، لكن الصحيفة لم تُشر نهائيا إلى ذلك، وهذا ما أدى إلى الإيحاء بأن القضية جديدة، ودفع المواقع الإلكترونية إلى تداوله على نطاق واسع.
هذه الممارسة، أي نشر خبر قديم مع الإيحاء بأنه خبر جديد، ورغم أنها ممارسة مضللة، تشكل انتهاكا لمعيار الوضوح، إلا أن بعض وسائل الإعلام تلجأ إليها، بالتحديد في الأخبار المثيرة، مثل أخبار الجرائم، إذ أن الأخبار الجديدة، أكثر جاذبية، وتحصل دائما على عدد أكبر من القرّاء، وهي، كما سبقت الإشارة، تبدو، كما لو أنها سبقا صحفيا لوسيلة الإعلام. وكان "أكيد" قد أشار إلى هذه الممارسة في تقارير سابقة.
الصحيفة نشرت بيان وزارة العمل اليوم (18/1/2016)، ونشرت معه ردّا، دافعت فيه عن خبرها، قائلة إنه تضمن معلومات جديدة، تتعلق بقيمة المبلغ المختلس، وعدد المتورطين في القضية، وحقيقة عدم إلقاء القبض عليهم. لكن الردّ، مع ذلك، لم يتطرّق إلى جزئية إغفال ذكر زمن القضية، الذي كان المحور الأساسي لبيان الوزارة.
تعامل وسائل الإعلام مع الاختلاس عند كشفه قبل سنتين
يكشف تتبع التغطية الإعلامية لهذه القضية، منذ نشر خبرها قبل سنتين، وصولا إلى التجاذب الأخير بين "الرأي" ووزارة العمل، "الخفّة" التي يتعامل بها الإعلام بها مع قضايا فساد كبرى. ففي حينه، تداولت صحف ومواقع الإلكترونية خبر "الاختلاس" في صيغة بالغة الاقتضاب، فاعتمد الكثير منها خبر وكالة الأنباء الرسمية "بترا" الذي لم يتجاوز الـ50 كلمة، ونشرته مواقع إلكترونية، كما نشرته "الغد" و"الدستور" في صفحاتها الداخلية، بعناوين صغيرة. أما "السبيل، فقد نشرته في 26 كلمة، في زاوية "خفايا" المخصصة للأخبار القصيرة والتسريبات.
وكانت نتيجة هذا الاقتضاب، أن الخبر لم يقدّم الحدّ الأدنى من المعلومات اللازمة لفهم ما حدث، فهو لا يزيد عن أن "الأجهزة الرقابية" في وزارة العمل ضبطت "تلاعبا بإرساليات الوزارة المالية إلى الضمان الاجتماعي"، وأن الوزارة أوقفت موظفيْن عن العمل، وأحالت القضية إلى المدعي العام. من دون أن يوضّح طبيعة عمل هذين الموظفين، ولا حجم المبلغ المختلس، ولا طبيعة "التلاعب" الذي تمّ.
خبر "الرأي"، كان آنذاك هو الوحيد الذي قدّم معلومات محدّدة عن طبيعة هذا التلاعب، فقد أضافت الصحيفة إلى خبر "بترا" السابق، تصريحا للناطق الإعلامي لوزارة العمل، شرح فيه آلية الاختلاس، فذكر أن المتهمين كانا يقتطعان مخصصات مؤسسة الضمان الاجتماعي مرّتين، من حسابين مختلفين للوزارة، تُرسل إحداهما إلى "الضمان"، في حين تُرسل الأخرى إلى حساباتهم الشخصية. لكن الناطق الإعلامي رفض، وفق الخبر، الإفصاح عن قيمة المبلغ المختلس، والمدّة التي استمرت فيها عمليات الاختلاس.
في المقابل، انفرد، وقتها، موقع "JO24" بتحديد قيمة المبلغ المختلس، فذكر أنه مليون و400 ألف دينار. كما ذكر أن أحد الموظفين تمكن من الفرار إلى جنوب أفريقيا، في حين أُلقي القبض على شريكه.
بعد ذلك توقفت المتابعة الإعلامية تماما للقضية، فخلال السنتين الماضيتين، لم يخرج أحد ليؤكد ما ذكره "JO24" بخصوص قيمة المبلغ المختلس. ولم يسأل أحد عن طبيعة النظم المفترض أن المعاملات المالية في وزارة العمل، تسير وفقها، ولم يعرف أحد بالتالي الثغرة التي مكّنت هذين الموظفين من اختراقها. ولم تُتابَع مجريات القضية التي أحيلت إلى المدعي العام، ولم يُسأل عن الموظف الذي قيل إنه هرب خارج البلاد، أو ناقش إمكانية جلبه عن طريق الإنتربول.
ما حدث هو أن الكلام في هذه القضية توقف مباشرة بعد تداول خبر انكشافها، إلى أن أثارته "الرأي" مجددا، ناقلة عن مصدرها "الموثوق" معلومات تتضارب مع المعلومات التي سبق للإعلام أن تداولها قبل عامين، فالمبلغ وفق الصحيفة كان مليونان و150 ألف دينار، وليس مليونا و400 ألف دينار. ومرتكبو الجرم كانوا خمسة، لا اثنين، كما سبق القول، وهذه المعلومة الأخيرة لا تتناقض فقط مع التغطيات الأولى، إنها أيضا تتناقض مع الردّ الأخير لوزارة العمل نفسها، التي حصرت القضية باثنين. أما التضارب الأخير، فهو أن مصدر "الرأي" اخبرها أن جميع المتهمين فارين من وجه العدالة، في حين نقلت التغطيات الأولى عن وزارة العمل أنه أُلقي القبض على أحد المتهمين.
ما الذي يحدث؟
إنه سؤال في مرمى الإعلام.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني