بين السيادة والتهجير... كيف تناولت وسائل الإعلام الأردنية التحديات المصيرية؟

بين السيادة والتهجير... كيف تناولت وسائل الإعلام الأردنية التحديات المصيرية؟

  • 2024-10-25
  • 12

عمّان 21 تشرين الأول (أكيد)-سوسن أبو السُّندس- تشهد الأوساط السياسية تصاعدًا ملحوظًا في النقاش حول قضايا مصيرية تتعلق بالسيادة والاستقرار الإقليمي والمحلي، ومن بين هذه القضايا، تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، والتي تروج لفكرة "إسرائيل الكبرى"، مستندة إلى مفاهيم عقائدية توسعية تهدد بشكل غير مباشر دول الجوار، ومنها الأردن.  [1]

في هذا السياق،  أكدت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين أن التصريحات المدانة التي جرى تداولها لوزير المالية، كان قد أطلقها في العام 2016 عندما كان نائبًا في الكنيست، وبينت الوزارة أن الأردن يرفض هذه التصريحات التحريضية والإقصائية بشكل مطلق، ويعتبر أنها خرق للقانون الدولي والأعراف العالمية، كما شددت الوزارة على أن هذه التصريحات لا تمس سيادة الأردن، ولا تلغي حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس المحتلّة​.[2]

وفي ظل تزايد النقاشات حول فكرة "الوطن البديل"، أكد الملك عبد الله الثاني موقف الأردن الرافض لهذه الفكرة، مشددًا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2024 على أن أي محاولات لفرض التهجير القسري للفلسطينيّين تعتبر "جريمة حرب"، وأن الأردن ملتزم بدعم حقوق الفلسطينيّين وحمايتهم من المخططات الإسرائيلية.[3]

وعلى ذلك، أجرى مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) رصدين مختلفين  لمعرفة اتجاهات التغطية الإعلامية المحلية المرافقة لكل من الخطط إسرائيل التوسعية، وموضوع التهجير القسري والوطن البديل، وشملت العينة وسائل إعلام مختلفة، في الفترة الزمنية من الأول من أيار الماضي  إلى منتصف تشرين الأول الجاري

نتائج الرصد كشفت في ما يتعلق بالخطط التوسعية الإسرائيلية، أن ما يقارب 31 بالمئة من التغطية الإعلامية، ركزت على ردود الفعل الإسرائيلية، خاصة تلك المتعلقة بخريطة "إسرائيل الكبرى" ومحاولات توسيع السيطرة على الضفة الغربية، وفي المقابل تناولت 31 بالمئة من التغطيات الموقف الرسمي الأردني، حيث جرّى التركيز على بيانات وزارة الخارجية الأردنية والتصريحات الرسمية التي تعكس رفض الأردن لهذه المخططات. أما رصد المخاوف الشعبية، فقد شكلت حوالي 23 بالمئة من العينة المرصودة. وبالنسبة للتحليل القانوني والسياسي، فقد حصل على 15 بالمئة من التغطيات، ما يشير إلى وجود حاجة ملحة لتعزيز هذا الجانب في التغطيات الإعلامية، خصوصًا في ما يتعلق بالتداعيات القانونية والسياسية لهذه المخططات.

ورغم أنّ بعض الوسائل الإعلامية تناولت الجوانب القانونية والتحليلات السياسية المتعلقة بخطط إسرائيل التوسعية، إلا أن هذه التغطيات جاءت محدودة، وتفتقر إلى العمق المطلوب، فقد كانت الإشارة إلى القانون الدولي وحقوق الشعوب ضئيلة، ولم يتمّ التطرق بشكل كافٍ إلى التحليل الاستراتيجي لتداعيات "إسرائيل الكبرى" على الأردن والمنطقة العربية، بما في ذلك السيناريوهات المستقبلية المحتملة، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى تكثيف الجهود الإعلامية لتقديم تحليلات أعمق واستراتيجيات مدروسة تتناسب مع حجم التحديات السياسية والقانونية التي قد تفرضها هذه المخططات في حال شرع الاحتلال بالتنفيذ.

وفي الإطار ذاته، أظهرت نتائج رصد موضوع التهجير القسري والوطن البديل، بأن التغطية الإعلامية ركّزت بشكل رئيس على الموقف الرسمي الأردني، حيث شكل حوالي 50 بالمئة من إجمالي التغطيات، وتم التركيز على خطابات الملك وتصريحات المسؤولين التي ترفض بشكل قاطع فكرة الوطن البديل، في ما تمت الإشارة في التغطية إلى الموقف الفلسطيني الرسمي الذي شكل 11 بالمئة من العينة، ما يشير إلى نقص في تسليط الضوء على ردود الفعل الفلسطينية تجاه هذه القضية.

أما ردود الفعل الشعبية، فقد شغلت حوالي 16بالمئة من التغطية، حيث تم التركيز على بعض الفعاليات والاحتجاجات، لكنها جاءت أقل في حجم التغطية مقارنة بالتغطيات الرسمية، كما تم تناول التحليل القانوني بنسبة 11بالمئة، لكنه بقي محدودًا ويحتاج إلى تعزيز لتوضيح الجوانب القانونية المتعلقة برفض الوطن البديل والتهجير القسري من منظور دولي.

التأثير الإنساني كان شبه غائب، إذ لم تتجاوز التغطية له  6 بالمئة، ما يشي بضعف تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيّين وتداعيات التهجير من منظور إنساني. في حين جرى تناول الموقف الإسرائيلي بنسبة 6 بالمئة،  وتركزت التغطيات على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وخطط التوسع، مثل خريطة "إسرائيل الكبرى" التي طرحها نتنياهو، أثناء حديثه أمام الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول 2023، والتي وضعت الضفة الغربية وقطاع غزة داخل حدود إسرائيل السيادية.[4]

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحظر  أي شكل من أشكال التهجير القسري للسكان من الأراضي المحتلة، وتعدّه انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، كما يؤكد قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، مشددًا على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ناهيك عن قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016  الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، ويعتبره غير قانوني بموجب القانون الدولي.

خلص (أكيد) من خلال رصده لخطط إسرائيل التوسعية وموضوع التهجير القسري والوطن البديل، إلى أن هناك نمطًا متشابهًا في التغطية الإعلامية المحلية لهذه القضايا، فقد أظهرت النتائج أن التحركات الإسرائيلية وردود الفعل تجاه خطط "إسرائيل الكبرى" كانت الأبرز في وسائل الإعلام، حيث حظيت بتغطية واسعة بحسب عينة البحث.

ورغم هذا التركيز، كشفت نتائج الرصد عن نقص واضح في التغطية المتعلقة بالجوانب الإنسانية والقانونية المرتبطة بالتهجير القسري والوطن البديل، وهو ما أكده الرصد الثاني أيضًا، هذه الفجوة في التغطية تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز التحليلات العميقة حول التداعيات القانونية والإنسانية لهذه القضايا على المستويين المحلي والدولي.

وفيما يتعلق بقضية التهجير القسري والوطن البديل، فقد حظيت هذه المواضيع بتغطية رسمية واسعة، حيث تم التركيز بشكل خاص على الموقف الرسمي الأردني، الذي تمثل في خطابات الملك عبد الله الثاني وتصريحات المسؤولين الأردنيين. ومع ذلك، لم تحظَ ردود الفعل الشعبية، و التحليلات القانونية العميقة، بالقدر نفسه من الاهتمام في التغطيات الإعلامية.

هذه النتيجة، التي برزت في الرصدين، تشير إلى وجود قصور واضح في تسليط الضوء على ردود الفعل الشعبية والجوانب القانونية، ما يخلق فجوة في توعية الجمهور بالتداعيات الإنسانية والقانونية لهذه المخططات، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى تحقيق توازن أفضل في التغطية الإعلامية، بحيث تشمل جميع الأبعاد المتعلقة بهذه القضايا بشكل أعمق وأكثر شمولية.

يشير (أكيد) إلى الدور الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام في توعية الجمهور بالقضايا المصيرية، ولتحقيق هذا الهدف، يتعيّن على الإعلام الالتزام بمجموعة من الأسس المهنية، تشمل: التحقيق العميق والتحليل الشامل لتصريحات المسؤولين، مع الاستناد إلى آراء الخبراء في القانون والسياسة لتفسير هذه التصريحات بشكل دقيق، مع الإلتزام بأعلى معايير الشفافية في نقل المعلومات لتعزيز ثقة الجمهور.

إلى جانب ذلك، يُعد من الضروري أن تمارس وسائل الإعلام دورًا في تعزيز الوعي المجتمعي من خلال إنشاء مساحات حوارية تفاعلية تُعبر عن مختلف الآراء والمواقف، إضافة إلى مواكبة وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم محتوى موثوق ومتوازن، لمواجهة الأخبار المضلّلة وتحقيق تأثير إيجابي على الرأي العام.