انحياز السّردية.. كيف قدمت DW الأردن بأنه دافع عن إسرائيل؟ نموذج للانحرافات الإعلامية الغربية منذ 7 أكتوبر

  • 2024-08-04
  • 12

عمَّان 21 نيسان (أكيد)- زيد هاني المومني- لا يمكن لأي وسيلة إعلام أن تصل إلى المصداقية والحياد إن لم توفّر العناصر المهنية اللازمة في تغطياتها الصَّحفية. فمنذ بدء الأحداث الدَّامية في قطاع غزّة يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر ) من العام الماضي 2023، ارتكبت وسائل إعلام عالمية عددًا كبيرًا من المخالفات والانتهاكات لأدبيات الصّحافة، وتبنَّت روايات وسرديات من طرف واحد.

وجد مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) تغطية صحفيّة لوسيلة إعلام ألمانية تسمى DW حول الضَّربة الجوّية التي وجهتها إيران لإسرائيل، وحملت المادة مخالفات وانتهاكات وتحريضًا وخطاب كراهية، يتّسع معها مقدار عدم الثّقة بهذه الوسائل وعدم حياديتها.

التقرير الذي نشرته DW الألمانية كان يدور حول قرار الأردن باعتراض الطّائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية المتجهة نحو الاحتلال الإسرائيلي. وكشفت متابعة مرصد (أكيد) للتقرير المشار إليه التّعقيدات الجيو-سياسية التي تواجهها المملكة، لكن التقرير ترك القارئ في الوقت نفسه، مع نقاط غامضة كانت تحتاج إلى مزيد من الشّفافية والتحليل العميق وعرض آراء كل الأطراف بتوازن، والابتعاد عن استخدام مفردات تثير خطاب كراهية ضدَّ مكونات المجتمع.

قرأ (أكيد) المادة الصّحفية المنشورة باللغة الإنجليزية، وأخضعها للمعايير المهنية المتّفق عليها عالميًا، والتي تحكم عمل وسائل الإعلام، وحيث أنَّ الصّحيفة وسيلة إعلام خارجية تناولت شأنًا أردنيًا، فهي تقع ضمن اختصاص عمل المرصد الذي وجد ما يلي:

أولاً: يشير الرَّصد الإعلامي وتحليل محتوى التقرير الذي أجراه (أكيد)، إلى أن التّقرير أظهر توجهًا محدّدًا يتمثل في التركيز على ادّعاء دفاع الأردن عن إسرائيل، وهذا حُكم غير مهنيّ من معدي التَّقرير والمحرِّر المسؤول عنه، لأن الأردن يتعامل مع إسرائيل بصفتها دولة احتلال للأراضي الفلسطينية.

لقد اتّجه التقرير صوب مقاربة شكلية مفادها أن الأردن وقف في خطّ الدّفاع عن إسرائيل ضد الصواريخ الإيرانية، بدلًا من التقاط حقيقة أن الأردن كان يدافع عن سيادته وأمنه الوطني، وأنَّه لا يريد أن يكون طرفًا في النزّاع بين إيران وإسرائيل على أثر التصعيد الذي تسبّبت به إسرائيل في عدوانها على القنصلية الإيرانية في دمشق، لأن أولوية الأردن بعد الدّفاع عن سيادته وأمنه، هي الوقوف إلى جانب الشّعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية الثابتة، ونصرة قطاع غزة في مواجهة حرب الإبادة والتجويع التي تشنها إسرائيل عليه.

لقد كان هذا التقرير معنيًا من باب الحرص على الموضوعية، أن يستكشف بجهد أكبر الأسباب التي دفعت الأردن لإغلاق مجاله الجوّي، والتحذير من أي انتهاك له من قبل أي طرف كان، وكذلك الأسباب التي جعلت الإعلام الإسرائيلي يحتفي بإسقاط مسيرات وصواريخ إيرانية في سماء الأردن باعتباره شكلًا من التّعاون مع إسرائيل، بحسب ما تضمنه التقرير، وهو لم يكن كذلك.

ثانيًا: ذكر تقرير الصَّحيفة أنَّ هناك نقاشًا حول "صفقة سرية" بين الأردن وإسرائيل والولايات المتحدة، وألمح إلى أن وجود مثل هذه الاتّفاقية قد يكون موضع اعتراض شعبي. إن ادّعاء كهذا يلعب دورًا تسويقيًا للتقرير الصّحفي، لكنّه يمثل خطأ جسيمًا في عالم الصّحافة واخلاقياتها حينما لا يستند إلى دلائل تثبت ذلك.

إنَّ ضمان أن تكون التغطية الإعلامية موفّقة يتطلّب أن تتضمن تحليلًا مفصلًا لهذه الاتفاقية المزعومة إن وجدت، وتقديم إثباتات تؤكد ذلك، لا سيما حين يكون الكلام منسوبًا إلى أحد النّشطاء على مواقع التّواصل الاجتماعي، والذي لا يضيره أن يتحدث بعاطفة ومعلومات ليست دقيقة، لكنَّ أي بحث حتى وإن لم يكن معمّقًا عن مواقف الأردن الرّسمية والشّعبية تجاه الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من غزة إلى الضّفة الغربية بما فيها القدس، لا يمكن أن ينتج عنه ما يزكّي الادّعاء بوجود اتّفاق سرّي.

ثالثًا: تناول التّقرير ردود فعل المواطنين والنّقد لسياسات الحكومة الأردنية، معتمدًا على شهادات مواطنين تحت مسمّيات مثل "حسين" و"مريم"، ولم يأتِ بشكل كافٍ على أمثلة أكثر كانت سببًا في جعل وسم "الأردن_عصي_وآمن" من أكثر الأوسمة تداولًا على منصة إكس، أو على تعبيرات آلاف الأردنيين عن تأييدهم للموقف الأردني من إسقاط المسيّرات والصواريخ التي انتهكت مجاله الجوي، وكذلك للتّصريح الرّسمي الذي أكد أنَّ الموقف ذاته كان وما زال سيُتّخذ إذا تم انتهاج السلوك نفسه من الطرف الإسرائيلي.

ومع ذلك، لم يُوفَّق التّقرير في تقديم تحليل أعمق لكيفية تأثير هذه الأحداث على النسيج الاجتماعي والسياسي داخل الأردن، وكذلك تأثيرها على العلاقات الأردنية الفلسطينية، وهذا أوقع الصّحيفة الدّولية بعدم التَّوازن والبعد عن الحياد، ما يجعل المتلقّين في الأردن يشعرون أنَّ مُعد التَّحقيق والمحرّرين الذين تتصدر أسماؤهم المادّة الصّحفية يمرِّرون وجهات نظرهم وقناعاتهم ومواقفهم عبر أسماء آخرين.

وبينما يقدم التقرير نظرة مهمة عن دور الأردن في النزاع الإقليمي الأخير، فإنه يترك بعض الأسئلة دون إجابة، وكان يتطلب مزيدًا من الشّفافية والتحليل النقدي للأحداث وتداعياتها والأسباب التي دفعت الأردن إلى إسقاط صواريخ انتهكت مجاله الجوي. ومن المهم أن تسعى وسائل الإعلام لتقديم تغطية متوازنة تستكشف جميع جوانب القصة بعمق ووضوح لتعزيز فهم أكبر للتحديات التي تواجه الأردن والمنطقة بأسرها.

وربط التَّقرير بصورة غير مهنية بنسبة عدد الأردنيين من أصول فلسطينية في الأردن إلى نسبة الأردنيين من أصول أردنية، وربط ذلك بالملكة رانيا العبدالله، وهذا تحريض وإثارة للنّعرات وخطاب كراهية انزلقت فيه الوسيلة الإعلامية الدولية.

وذكر التَّقرير أن الأردن يتّبع المال، لكنه لم يذكر عددًا من مواقف الأردن في مواجهة إسرائيل، ومن بينها كيف تصرّف إزاء محاولة اغتيال خالد مشعل في عمّان، ومنع مرور طائرة بنيامين نتنياهو عبر الأجواء الأردنية متّجهًا إلى دولة خليجية، ورفض تصفية مفوضية شؤون اللاجئين "الاونروا"، ورفض تسليم الأسيرة المحرَّرة أحلام التَّميمي للسلطات الأمريكية، ومواقف عديدة كان من المهنية والتَّوازن أن يتم ذكرها مقابل العنوان الذي حمل كلمات بعيدة عن الحياد والتوازن.

وعودة إلى نهج (أكيد) في تطبيق معاييرها الصّحفية، فإنه لا بد من الوقوف عند مجموعة من النّقاط، وتقييم العديد من الجوانب مثل الشمول، الدقة، التوازن، والعمق في التحليل، وبخاصة:

أولًا:

وجوب أن يُقدم التقرير تغطية شاملة تجمع بين الأحداث الجارية، وبين الردود الشعبية والخبيرة والعسكرية، ويستشهد بمصادر متنوّعة مثل تصريحات السياسيّين، والمحلّلين، والمواطنين العاديّين، بما يعزّز من غنى المحتوى، ويوفّر قراءة متعددة الأبعاد وفهمًا أعمق للتّعقيدات المحيطة بالقضية، ويجعل رسالة وسيلة الإعلام بعيدة عن المخالفات الجسيمة التي تُضلِّل الرَّأي العام.

ثانيًا:

حاول التقرير تقديم وجهات نظر متعدّدة، من الأردنيّين إلى المحلّلين الدوليّين، لكن كان هناك تركيز أكبر على الرّدود السّلبية تجاه الحكومة الأردنية وفرضية التّعاون العسكري مع إسرائيل، في حين أنه كان من المفيد تقديم المزيد من التحليل حول الأسباب التي دفعت الأردن لاتخاذ المواقف التي اتّخذها، وإعطاء مزيد من الصوت للأطراف التي تقدِّم رواية أخرى لتوفير التَّوازن وعدم اختزال التَّقرير بتمرير وجهة نظر واحدة قد تخدم طرفًا واحدًا وسياسة تحريرية واحدة.

ثالثًا:

اللغة المستخدمة في التقرير واضحة ومباشرة، ما يسهل فهم المعلومات المعقدة، ومع ذلك، قد تكون بعض التعبيرات العاطفية المتعلقة بردود فعل الشعب الأردني مثقلة بتحيّز يؤثر على موضوعية النص، خصوصًا أنَّ العاطفة التي تستخدمها وسائل الإعلام يجب أن تقتصر على ما يخدم قضايا المهمّشين لا أن تتلاعب بهم وتُتاجر بقضيتهم.

رابعًا:

التقرير يتناول قضية ذات أهمية كبيرة تتعلق بتفاعلات مواقف الأردن الدولية والإقليمية، خاصة بما يتعلق بإسرائيل وإيران، وهذا موضوع يستحق التغطية الواسعة، وتسليط الضوء على هذه الديناميكيات يعكس الدور الجيوسياسي للأردن في المنطقة وتأثيراته على الاستقرار الإقليمي

وأخيرًا عندما يُقدم التقرير تغطية معمّقة ومفصلة لقضية حساسة ومعقدة، عليه أن يُحقق التوازن والموضوعية من خلال إدراج وجهات نظر أكثر تنوعًا وتقديم تحليل متوازن وتحليل موضوعي للأسباب التي تقف وراء القرارات السياسية، ففي عالم متوتر مليء بالأحداث، تلعب الكلمة دورًا قد يكون أهم وأوسع تأثيرًا من أيِّ سلاح.