هل ساهمت وسائل الإعلام في تطبيع الجمهور مع الانتحار؟

هل ساهمت وسائل الإعلام في تطبيع الجمهور مع الانتحار؟

  • 2017-03-01
  • 12

أكيد – آية الخوالدة

 تواصل وسائل إعلام أردنية نشر أخبار حوادث تحمل شُبهات الانتحار دون مراعاة القواعد القانونية والأخلاقية والمهنية التي تحكم تغطية مثل هذه الحوادث. وعادة ما تكون مثل هذه الحوادث مفتوحة على جميع الاحتمالات والفرضيات التي تضعها الجهات التحقيقية.

وتتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني" أكيد" وسائل الإعلام الأردنية في تغطيتها للحوادث التي تنطوي على شبهات انتحار، بعد أن كان أصدر تقريرا مطلع شهر شباط الماضي يتضمن نصائح لتغطية حوادث الانتحار.

صباح أمس الأربعاء، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بخبر نُقل عن مواقع إخبارية يتحدث عن شبهة انتحار لموظف يعمل في صحيفة يومية، وهو خبر تضاربت الأنباء والأخبار التي نشرت عنه، بين وسائل إعلام  تحدثت عن تأكيد واقعة الانتحار، وأخرى نقلت الواقعة على أنها حادث وفاة، فيما ذهب وسائل أخرى لشرح دوافع الانتحار قبل أن يصدر أي بيان رسمي من الجهات التحقيقية.  

تقع هذه الأخبار ضمن التغطيات الإعلامية للجرائم والقضايا المتصل بالتحقيقات التي تجريها الجهات الأمنية، وعادة ما تحكمها مجموعة من الضوابط القانونية والمهنية وفي مقدمتها عدم التأثير على سير مجريات التحقيق, ومنع إثارة الرأي العام وإصدار الأحكام المسبقة، والحق في احترام الخصوصية وحماية كرامة الأفراد والاسر وتخفيف الضرر.  

ووفقا  لأستاذ التشريعات الإعلامية الدكتور صخر الخصاونة، فإن تغطية الوقائع التي تحمل شبه انتحار يتوجب نشرها دون بيان سبب الوفاة أو الاسلوب المتبع، "لان من شأن ذلك أن يدفع من لديهم دوافع للانتحار لتقليد هذه التصرفات وإتباع نفس الأساليب".

وبين في تصريح لمرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد"  أن النشر بشكل يؤكد وقوع الانتحار يؤدي إلى عرقلة سير العدالة، خصوصا إذا ما وجدت شبهات جنائية حول ذلك".  

وتضمن تقرير أكيد المتعلق بنصائح تغطية حوادث الانتحار" والذي أصدرته منظمة Samaritans مجموعة من الإرشادات التوجيهية للصحافيين التي يتوجب اتباعها في تغطيتهم حوادث الانتحار، لمساعدتهم في تقديم التقارير الصحافية دون ارتكاب الأخطاء القانونية أو الأخلاقية.

ومن خلال الرصد الذي أجراه "أكيد" لتغطيات وسائل الإعلام للأخبار التي تحمل شبه الانتحار، بعد نشر التقرير أعلاه، تبين ما يلي:

أولا: التأكيد على واقعة الانتحار دون الأخذ باحتمال الشبهات الجنائية

تعتبر حوادث الانتحار من القضايا الجدلية التي يمكن أن تحمل الشبهة الجنائية، ولذلك يجب على وسائل الإعلام التأني في الحكم عليها قبل نشر الأخبار وترك المجال أمام التحقيقات الأمنية لتقرر ذلك، ومن النماذج الايجابية التي التزمت بذلك.

)وفاة محاسب في "الغد" داخل مبنى الصحيفة)، (التحقيق بوفاة فتاة عشرينية بالهاشمي)، (شبهة انتحار بوفاة عشرينية داخل مطعم شاورما شهير في الهاشمي )، (التحقيق بوفاة فتاة وجدت مشنوقة داخل مطعم بعمان).

ثانيا: إيراد الوسيلة المتبعة في العنوان

وقعت العديد من الوسائل الإعلامية المحلية في خطأ ذكر الوسيلة المتبعة في العنوان، والذي يمكن أن يُفهم  من خلاله أنه أهم وأسهل وأكثر الوسائل المتبعة في الانتحار وتحدثت وسائل أخرى عن الطرق الجديدة أو غير المألوفة، ومنها الانتحار باستخدام شال الصوف أو سلك حديدي، حيث كان من الأفضل أن تكتفي بذكر "الموت شنقا". وتاليا بعض من تلك العناوين:

)انتحار فتاة داخل مطعم في الهاشمي الشمالي)، (انتحار فتاة داخل مطعم في عمان.. والامن يحقق)، ( مضطرب عقليًا ينتحر بتقطيع شرايينه في جبل النظيف )، ( ستيني ينتحر بتقطيع شرايين يده في جبل النظيف)، (لاجئ سوري ينتحر شنقا على سياج مخيم الأزرق (انتحار فتاة شنقاً بواسطة "شال"انتحار لاجئ سوري شنقا في الأزرق بواسطة لفحة)، (شنق نفسه بواسطة "لفحة صوف"( انتحار سوري شنقاً بسلك حديدي في المفرق)، ( انتحار شاب في أبو علندا شنقاً).

ثالثا: تقديم معلومات غير مهمة بالنسبة للقارئ

اشتملت بعض التقرير التي تم رصدها معلومات غير مهمة بالنسبة للقارئ، ومنها ذكر تفاصيل خاصة بكيفية الانتحار مثل الانتحار من خلال تناول أدوية علاج الضغط، أو الانتحار بشال، أو استخدام سلك كهربائي أو مروحة السقف. حيث يفترض عند كتابة الخبر، تجنب مثل هذه التفاصيل خوفا من تقليدها. (تم ذكر الوسيلة في التقرير لتوضيح الأمثلة).

رابعا: الربط ما بين ظروف المنتحر وسبب إقدامه على الانتحار

بعض وسائل الإعلامي ربطت ما بين ظروف المنتحر وسبب إقدامه على الانتحار، وهو ليس بالأمر الأكيد، وهذا السلوك الإعلامي يتوجب الحذر من اتباعه لأنه يٌحفز من خطر "السلوك التقليدي" فبعض الاشخاص يجدون السمات المشتركة بينهم والمنتحر.

ومن خلال تقديم الصحافي لأسباب الانتحار، وهو ما حدث في الأخبار التي تناولت انتحار طالبة توجيهي في بني كنانة، حيث ربطت وفاتها بنتيجة إخفاقها في امتحان الثانوية العامة، بالإضافة الى خبر وفاة الموظف في أحدى الصحف اليومية، والذي ربطته وسائل إعلام بعدم قدرته على الإنجاب أو مواجهة بعض المشاكل المالية، الأمر الذي قد يدفع بمن يواجه الظروف نفسها إلى الاقدام على مثل هذا السلوك.

خامسا: اختيار صور غير مناسبة للتعبير عن الواقعة

اختيار الصور المرفقة بخبر الانتحار يتطلب عناية شديدة لجهة الابتعاد عن الصور الشخصية للضحايا، إذ تلعب الصورة دوراً مهماً في ترهيب من يفكر في الإقدام على الانتحار، وبالتالي لا يجب نشر الصور الدرامية أو العاطفية،  التي تطبّع مع الانتحار وتجعل الناس تألفه.  

وهنا وقعت بعض المواقع الالكترونية في خطأ نشر صورة تعبيرية لشال صوف جميل ومُعد بطريقة أنيقة، تلفت الانتباه وكأن الانتحار يتم بوسائل انيقة.

ونشرت صحيفة يومية صورة معبرة لحادثة انتحار، عبارة عن يد ملطخة بالدم بصورة فنية الى جانب السكين، وفي تلك الصورة قدمت أداة الانتحار وربطتها بصورة فنية تقلل من بشاعة الحادث ولا تساهم في ترهيب من يفكر بالانتحار. 

فيما نشرت وسائل إعلامية أخرى صورة للحادثة السابقة، أظهرت فيها أداة حادة "الشفرة"، معتبرة أنها وسيلته للانتحار، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقدم الوسيلة المتبعة في مثل هذه الحوادث.

ويدعو "أكيد" الصحافيين إلى ضرورة اتباع الإرشادات المهنية والأخلاقية في  كتابة تغطيات حساسة تتعلق بشبهات الانتحار، وعدم تقديم المعلومات التي لا تهم الشأن العام وتضر بأهل المنتحر، أو تنعكس سلبا سلوك المجتمع.