وفيات البحر الميت: الإعلام نجح في تحويلها إلى قضية رأي عام وتسرع في اصدار الأحكام

وفيات البحر الميت: الإعلام نجح في تحويلها إلى قضية رأي عام وتسرع في اصدار الأحكام

  • 2014-12-21
  • 12

صالح الدعجة

حسمت النيابة العامة من جهتها، قضية وفاة الطفل عزالدين العويوي ووالدته سيرين شاور، عندما أحالت إدارة منتجع «هوليدي ان ــ البحر الميت» وعدد من العاملين فيه للمحكمة لمقاضاتهم عن تهمة التسبب بالوفاة، لتدخل القضية مرحلة جديدة من التحقيق.

هذه القضية احتلت صدارة اهتمام الرأي العام، و انشغلت وسائل الإعلام الأردنية بمتابعة ونشر أخبار تتصل بها على مدى ثلاثة اشهر، وتواصل النشر عنها رغم منعه من قبل مدعي عام عمان في ظل نشر أخبار وتقارير ساهمت في " تشويش الرأي العام".

نجحت وسائل الإعلام في فرض القضة على أجندة الراي العام عبر متابعة تداعيات الحادثة وتفاصيلها، ونشر الاجراءات التي اتخذتها الجهات الرسمية وأراء اطباء وردود فعل ذوي المتوفيين وتعليقهم على الحادثة.

لكن العديد من وسائل الإعلام، تسرعت في إصدار حكمها عن أسباب الوفاة، على الرغم من عدم صدور تقرير للطب الشرعي، وباتت بعض وسائل الإعلام توجه اتهاماتها وتطلق تكهنات عنأاسباب الوفاة، دون مراعاة ان القضية تحقيقية، وان المتهم يبقى بريئا حتى تثبت ادانته.

فبعض وسائل الإعلام اتهمت الفندق بالتسبب بالوفاة، واخرى قالت ان سببها غاز سام، ومنها من ذهب مباشرة الى اتهام رب الاسرة علاء العويوي بالقضية، وبعضها من تكهن بآن فايروس الكورونا هي السبب.

مرصد مصداقية الإعلام الأردني " أكيد" ، يتناول الموضوع من زاوية كيف عالج الإعلام هذه القضية، وما هو دور الإعلام فيها، والمرصد لا يصدر احكاماً،  بل ينظر إليها في إطار المعالجة الإعلامية والمبادئ المهنية ومعايير المصداقية.

قضية رأي عام:

ظهرت القصة في الصحف اليومية بتاريخ 15 /10 تحت عنوان "البحر الميت: أب يقاضي فندقا بعد وفاة طفله بتسمم غذائي" وجاء في الخبر "توفي الطفل عز الدين العويوي، متأثرا بإصابته بحالة تسمم إثر تناوله مع ذويه وجبة غذائية في أحد منتجعات البحر الميت".

وبالاستناد الى الرواية التي نقلتها الصحف ووسائل الإعلام الأخرى عن والد الطفل فان ما تعرضت له العائلة بحسب الطبيب المناوب هي "أعراض تسمم"، لكن بعض وسائل الإعلام أصدرت حكماً بأن سبب الوفاة هو تسمم غذائي، وهي بذلك أعطت حكماً مسبقا عن سبب الوفاة.

وأخذت القصة منحا تصاعديا بعد وفاة والدة الطفل سرين شاور في إحدى مستشفيات عمان في اليوم التالي، تزامن مع نشر أخبار تفيد بأن والد الطفل المتوفى العويوي يقاضي فندقاً بعد وفاة طفله بتسمم غذائي، لتتحول الحادثة الى قصة رأي عام بعد دفن المتوفيان وخروج أخبار من عدة جهات رسمية عن إجراءات التحقيق في القضية، ونشر أخبار متضاربة عن أسباب الوفاة.

وبلغ عدد الأخبار التي نشرت عن القضية من تاريخ 15تشرين الاول ولغاية 5 كانون الأول في الصحف اليومية  نحو 66 خبراً( الرأي 9 أخبار ، الغد 13خبرا، الدستور 22 خبرا، السبيل13 خبرا، والعرب اليوم 9أخبار).

بينما نشرت في المواقع الإلكترونية نحو 903 خبرا لذات الفترة( بعض الاخبار جرى شطبها من المواقع الالكترونية) .

فيما نشر عن الموضوع ثماني مقالات رأي في الصحف اليومية، ونشرت وكالة الأنباء الأردنية بترا سبعة أخبار متصلة بالقضية.

56

يظهر هذه الرصد حجم الإغراق الإعلامي الذي تناول هذه القضية والذي ساهمت فيه معظم وسائل الإعلام الأردنية ، وهذه ظاهرة صحية بحد ذاتها حيث تقع في صلب الوظيفة الرقابية لوسائل الإعلام ودورها في الدفاع عن حق الانسان في الحياة، إلا أن بعض وسائل الإعلام شوهت هذا الدور نتيجة عدم التحقق وإصدار الاحكام ومارست دور القضاء.

معلومات متناقضة واحكام واتهامات:

اتسمت حالة الاغراق المعلوماتي بالتناقض والخلط بين الوقائع والآراء وبين المعلومات والتكهنات  أو على أقل تقدير معطيات دون تحقق أو نسب الى جهات موثوقة؛  فبعض المواقع الكترونية نشرت أخباراً تفيد بان سبب الوفاة ليس له علاقة بالتسمم الغذائي، وبعضها قال ان التسمم ناجم عن استنشاق مبيد حشري محرم دوليا غاز "الفوسفين"، ومنها من قال ان الوفاة سببها فايروس "كورونا" وبعضها اتهم ورب الأسرة علاء العويوي، ومعظم الروايات استندت الى مصادر مطلعة أي مصادر غير معلومة للجمهور  ولم تصدر عن جهات رسمية موثوقة، ما ساهم في تشويش الرأي العام.

وفي سياق التسابق على نشر الأخبار، نشرت بعض الصحف والمواقع الكترونية أخبارا تفيد بوقوع حالات تسمم جديدة في فنادق البحر الميت، فنُشر خبر بعنوان "حالة تسمم جديدة لسيدة تناولت وجبة في منتجع بالبحر الميت".

  وخبر أخر بعنوان"  خلال اقل من 72 ساعة تسجيل إصابة سادسة بالتسمم الغذائي في البحر الميت  .. المصاب يعمل منقذ سباحة في فندق الموفنبيك".

وهي أخبار جرى نفيها من قبل مدير مستشفى الشونة الجنوبية وفقا خبر نشرته وكالة الانباء الاردنية ، وجاء فيه "نفى مدير مستشفى الشونة الجنوبية الدكتور فايز الخرابشة ما نشرته بعض وسائل الإعلام عن تسمم سيدة مقيمة في أحد منتجعات البحر الميت، وذلك بعد يومين من حادثة وفاة طفل ووالدته بعد إصابتهما بحالة تسمم كانا تناولا طعامهما في فندق هوليدي إن - البحر الميت".

واطلق ناشطون صحفة على الفيس بوك بعنوان" كلنا عزالدين العويوي كلنا سيرين شاور"، بلغ  عدد متابعيها  نحو 269ر11 متابعا  حتى تاريخ 20/11/2014 ويقول القائمون عليها أنها " لنيل العدالة لعز الدين العويوي ووالدته سيرين شاور وعدم نسيان القصة كباقي القصص".

وفي صفحة أخرى على الفيسبوك اطلق ناشطون حملة ضد فندق الهوليدي إن ــــ البحر الميت ،  تحمل شعار "ماكل شارب ميت فندق الهوليدي إن " ووجهوا تعليقات على صفحات عالمية متخصصة تتلقى آراء وتعليقات عن نوعية وجودة الإقامة في الفنادق والمنتجعات السياحية.

63

نشر رغم المنع:

قبل تحويل ملف القضية الى المحكمة، وفي ظل التسابق على نشر الأخبار المتصلة بالقضية وتوجيه الاتهامات والأحكام المسبقة، نفى رئيس الطب الشرعي الدكتور قيس القسوس "جملة وتفصيلا" صدور أي تقارير أولية أو نهائية من قبل الطب الشرعي تتعلق بحادثة وفاة طفل ووالدته من عائلة العويوي في منتجع بالبحر الميت، بخلاف ما نشرته وسائل إعلام.

ولكون القضية باتت تشغل الراي العام، وأخذت منحاً غامضاً بعد تأخر صدور تقرير الطب الشرعي، و تضارب الأنباء عن أسباب الوفاة، أصدر مدعي عام عمان الأول القاضي عبدالله ابو الغنم قرراً حَظرَ النشر حول الموضوع حفاظاً على سرية التحقيق وتحت طائلة المسؤولية القانونية.

ورغم منع النشر في القضية، إلا أن عدداً من وسائل الإعلام واصلت النشر، فنقلت صحيفة السبيل   بتاريخ 15/11/2014 خبراً قالت فيه إن "عائلة العويوي ستعقد  مؤتمر صحفي حول آخر التطورات في القضية بمنزل جد الطفل بجوار دوار الكيلو، وفق منسق المؤتمر أيمن المعايطة".

ونشر موقع سواليف مقابلة مع جد الطفل عز الدين عبر خلالها عن استغرابه من تأخر تقرير الطب الشرعي المتعلق بالقضية التي راح ضحيتها حفيده ووالدته في أحد فنادق البحر الميت .

وبتاريخ 17/11/2014 تناولت صحيفة السبيل في تقرير لها عن قرار منع النشر، آراء خبراء قانونيين ورأي الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور.

فالخبير القانوني في قضايا المطبوعات والنشر المحامي محمد قطيشات علق على عقد مؤتمر صحفي لجد الطفل المتوفى عز الدين عويوي  إن قرار حظر النشر في اي قضية يشمل محاضر التحقيق التي تجريها النيابة العامة، كأقوال الشهود والأدلة، مشددا على أن مؤتمراً صحفياً لجد المتوفى، ليس له علاقة بالتحقيق.

في حين أن المستشار القانوني لنقابة الصحفيين محمود قطيشات يذهب للقول بعدم النشر؛ خشية عدم الامتثال للقرار القضائي، معتبرا أن النشر جائز طالما لم يتطرق لمجريات التحقيق.

اتهام رب الاسرة:

وأخذت القضية منحاً جديداً في أعقاب نشر صحيفة الرأي خبراً يوم الثلاثاء 2/12/2014 على صدر صفحتها الأولى نسبته الى مصدر قضائي، جاء فيه "ان النيابة العامة ستعلن نتائج التحقيقيات والفحوصات المخبرية يوم الاربعاء/ اليوم التالي لنشر الخبرـ، و ستظهر إذا ما كان هنالك شبهة جنائية في وفاة الطفل عز الدين العويوي ووالدته نسرين أم لا".

هذا الخبر عمق حالة الغموض في القضية، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي معلومات توجه اتهامات مباشرة لرب الاسرة علاء العويوي والد الطفل عز الدين، وزعمت أنه اعترف بارتكاب "الجريمة"، ما دفع اسرة العويوي الى تنفيذ اعتصام أمام رئاسة الوزراء، شارك فيه رب الاسرة علاء الذي قدم من السعودية في اليوم ذاته الذي أقيم فيه الاعتصام، ونفى تلك الاخبار.

وخرجت صحيفة الغد يوم الأربعاء 3/12/2014 بخبر نسبته الى مصادر مطلعة في وزارة الصحة ، قالت "أن مدير عام الطب الشرعي قيس القسوس سلم رئيس النيابة العامة تقرير الطب الشرعي كما تسلم تقرير المختبر الجنائي بقضية وفاة عز الدين العويوي ووالدته" دون أن تضيف إي تفاصيل جديدة.

احالة القضية للمحكمة لا يعني صدور الحكم:

وفي التاسع من كانون الأول أحال مدعي عام عمان قضية وفاة سيرين العويوي وطفلها عز الدين علاء الى المحكمة بعد ان استكملت النيابة العامة تحقيقاتها، واستمعت لكل الاطراف واستعانت بالخبراء المتخصصين في علم السموم والطب الشرعي.

ومع ذلك وكما يقول الدكتور صخر الخصاونة المحاضر في معهد الاعلام الاردني، إن إصدار المدعي العام قرار الظن لا يعني ادانة المشتكى عليهم،  فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته من قبل المحكمة واكتساب الحكم الدرجة القطعة، ومن حق الأظناء تقديم  كل وسائل وطرق الدفاع عن أنفسهم.

وشرح الخصاونة أن القضية ستنظر في محاكمة البداية ثم تنتقل الى محكمة الاستئناف ويمكن أن يكون القرار قابلا للتمييز، مؤكد أن الحكم يكون قطعيا بعد نفاذ جميع طرق الطن به.

جدل المصلحة العامة والقيمة الاخبارية:

تصل بعض قضايا الصحة العامة وحوادث الموت الجماعي أو حالات الطوارئ على خلفية انتشار الاوبئة أو حالات التسمم الجماعي او جائحة ما الى حد وصفها بمسألة سيادية لا يجوز ان تترك للأهواء.

وهنا يبرز الجدل بين القيمة الإخبارية للحدث وبين المصلحة العامة، وتعد قضية وفيات البحر الميت مثالا واضحا على هذا الجدل بين حق المجتمع في المعرفة من خلال قيام وسائل الإعلام بدورها، وبين مراعاة المصلحة العامة في الوقت الذي تفرض فيه بعض تفاصيل القضية قيمة إخبارية كبيرة تتراجع مستويات الجودة في المحتوى الإعلامي ما ينعكس سلبا على المصلحة العامة.

مديرة مركز الامراض المعدية والمطاعيم في الجامعة الاردنية الدكتورة نجوى خوري بولص استغربت من تسرع وسائل الإعلام في "نشر بعض الاخبار، وتوجيه الاتهامات، الأمر الذي ساهم في تشويش الراي العام".

وقالت في مقابلة مع مرصد مصداقية الإعلام  الأردني "أكيد" لست ضد الحديث عن القضية، لكن الإعلام تسرع في الوصول الى نتيجة مسبقة عن أسباب الوفاة قبل صدور التقارير الطب الشرعي".

وتابعت " حتى لو كانت تلك النتائج مبينة على أراء اطباء، الأصل أن هناك جهات متخصصة هي التي تصدر النتائج"، مؤكدة أنها مع التغطية الدقيقة والموضوعية.

وبينت أن التسمم الغذائي  مرتبط بتناول الغذاء والشراب، لكن التسمم في بعض حالاته يحتاج الى فترة حضانة  فلا يمكن الجزم بأن سببه ناجم عن اخر وجبةٍ  تناولها المصاب وهو أمر تثبته الفحوصات الطبية المتخصصة.

ومن خلال متابعتها للقضية  تقول الدكتورة خوري إن بعض وسائل الإعلام لم تعتمد في تغطيها على أصحاب الاختصاص متسائلة " كيف تقوم محطة تلفزيونية باستضافة خبيرة تغذية لتتحدث عن تسمم غذائي".

ولفتت الى أنها  تلقت اتصالات من العديد من الصحفيين للتحدث عن القضية، لكنها كما تقول رفضت الحديث " على اعتبار أنه لا يمكن الحديث عن مثل هذه القضايا دون الاستناد إلى تقارير طبية وفحوصات مخبرية بالإضافة الى استقصاء وبائي على أسس علمية".

وأشارت الى أن الإعلام يجب أن يكون دقيقاً خصوصاً في قضايا الصحة العامة، وبرأييها فإن القضايا الصحة ونشر الاخبار عنها هي "مثل الامن الوطني موضوع سيادي" لأن تبعاته تطال شريحة واسعة من السكان وتعطي انطباعات ومؤشرات عن البلد.

وقال رئيس جمعية الفنادق ميشيل نزال، أن القطاع  السياحي في البحر الميت تأثر بسبب تدفق الأخبار التي حملت أحكاما مسبقة عن سبب التسمم، متسائلا "كيف ينشر صحفي خبر دون أن يتأكد من معلوماته؟".

وبين في تصريحات لـ " أكيد" أن يوم الجمعة الذي أعقب الحادثة خلت بعض فنادق البحر الميت من النزلاء، والمواطنين عزفوا عن ارتياديها، بعد أن قالت صحف ومواقع الكترونية أن " منطقة البحر الميت يتسمم فيها الناس".

واعتبر نزال أنه  إذا كان هناك تقصير او خطأ فالوجب محاسبة المقصر، لكن في المقابل لا يجوز أن نضع اللوم على كل القطاع ، مشيرا إلى أن حملات " قاسية" شنت على منتجعات البحر الميت  خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي".

المحاكمات العادلة ومبادئ التعامل الإعلامي الحساس:

مثلت هذه القضية نموذجاً عمليا لإشكاليات التغطية الإعلامية ومدى مراعاة وسائل الإعلام لمبادئ التعامل الإعلامي الحساس للمحاكمة العادلة وضماناتها ومراعاة حقوق المجتمع والاطراف وذلك من خلال ما يلي:

أولاً:  إصدار الأحكام المسبقة والتكهن المسبق بمعرفة سبب الوفاة ، حيث عزت وسائل الإعلام وبشكل ملحوظ وعام سبب الوفاة الى روايات عديدة .

ثانياً: أشارت وسائل الإعلام الى أن هناك صفقة بين الغذاء والدواء والضمان الاجتماعي باعتبار أن الفندق مملوك للضمان الاجتماعي، في حين كشف الواقع أن الغذاء والدواء ليس لها إي علاقة في لجان الفحص المخبري وأن اللجنة هي من الأطباء الشرعيين والقطاع الاكاديمي والخاص ومن الأشخاص المشهود لهم بالحيدة والنزاهة. وأن العينات ترسل بشكل سري ومحمي الى المختبرات التي لا تشرف عليها الغذاء والدواء.

ثالثاً: الحديث الإعلامي عن ملكية الفندق العائدة للضمان الاجتماعي والخلط بين الملكية والإدارة  ، حيث أن الفندق مملوك للضمان الاجتماعي لكن لا يديره وإنما يديره مستثمر في قطاع السياحة ، وأن الضمان الاجتماعي غير مسؤول عن سوء الادارة أو أحداث الضرر للغير من النزلاء وفقا لقواعد المسؤولية في قانون العقوبات والقانون المدني.

رابعاً: الضغط الإعلامي وتضارب المعلومات ،  دفع النيابة العامة الى إصدار بيان حول مجريات القضية مما يؤكد أن هناك ضغطا اعلاميا كبيرا وهائلا على جهاز التحقيق واشتمل على مغالطات وتسرع في إصدار الأحكام المسبقة.

خامساً: عدم التدقيق في استخدام المفاهيم القانونية في الكثير من التغطيات الإعلامية ؛  من قبيل المجني عليه وذويه، والتحقيق الأولي والابتدائي والاستعانة بالخبراء وانتظار الوقت الفني لإصدار النتائج والفحوص الطبية، والتحقيق وسماع الشهود ، وتشريح الجثث ، وتشكيل اللجان الطبية اللازمة ، ومن ثم قرار المدعي العام ولائحة الاتهام والظن ، والمحكمة المختصة ، وكل ما يتعلق بالسياق القانوني.

 ولم تراع العديد من وسائل الإعلام المعايير القانونية والمهنية في التغطية للحوادث والقضايا التحقيقية وهي:

  • أن الأصل في التحقيق السرية.
  • عدم التهويل والاستناد على الاستنتاجات الشخصية للصحفي كون المسألة حقوقية قضائية وليست ذات طابع تحليلي.
  • مراعاة عدم المساس بالنظام العام في المجتمع وعدم خدشه والتأثير على الأجيال وسلامة المجتمع من شدة التهويل ووقع القضية على الرأي العام حيث تؤدي الى زعزعة الناس ونشر الخوف والهلع بين صفوف المواطنين.
  • عدم مراعاة حقوق الفندق أو الشخص المشكوك في ارتكابه الجريمة حيث أنه لا يزال برئ وأن المتهم بري الى أن تثبت ادانته بحكم قطعي ، مما يخل بضمانات المحاكمة العادلة لهذا الشخص.
  • التأثير على قطاع اساسي في الاقتصاد الوطني لمرافق حيث تأثرت المواقع السياحية بشكل عام حيث أن مكان الواقعة منطقة سياحية مما الحق بالغ الضرر بالاقتصاد الوطني إي الاضرار بالمصلحة العامة.
  • ساهمت وسائل الإعلام بنقل المسألة من قضية منظورة أمام المحاكم الى محاكمة من قبل رأي عام .

أصول التغطيات في اخبار الجرائم والقضايا  التحقيقية كيف تراعي العدالة؟

تعتبر أخبار الجرائم والقضايا التحقيقية ، واحدة من أهم  الأخبار الجاذبة للقراء والمشاهدين،  بما تنطوي عليه من عناصر الغرابة والإثارة والخروج عن ما يألفه المجتمع.

وفي المقابل ثمة جدل يثار حول نشر تلك الأخبار لجهة ما تقدمه من خدمة للجمهور ، وما يمكن أن تحدث من تأثير على المجتمع وأطراف القضية والجهات التحقيقية والشهود.

وعليه فإن النشر يجب أن يحافظ على سرية التحقيق، وأن يحمي العلاقات الأسرية، ويراعي حقوق الضحايا، والجهات المتهمة التي تبقى بريئة حتى يثبت إدانتها، كما أنه يتوجب مراعاة عدم نشر الاخبار التي من شأنها التأثير على الشهود ومجريات التحقيق وتقديم مستندات ومعلومات تفيد الأطراف المتهمة.

أما الأبعاد المهنية والاستقصائية التي غابت عن وسائل الاعلام التي تابعت القضية فهي:

1ــــ لم تذهب وسائل الإعلام التي تابعت القضية الى تاريخ المنشآت السياحية الاردنية بشكل عام ومنتجعات البحر الميت بشكل خاص من زاوية التزامها بمعايير سلامة الغذاء، وسلامة النزلاء، وهل لدى المجتمع الأردني خبرات وامثلة سابقة في هذا المجال لجهة دعم فرضية التسمم بالاهتمام أو استبعادها.

2ــــ لم تذهب وسائل الإعلام للاستقصاء عن السيرة المرضية للمتوفيين، قد يبنى عليها بعض الفرضيات الاستقصائية التي تزيل بعضا من حالة الغموض باعتبار أن الأشخاص موضوع القضية قد أصبحوا في صلبا الاهتمام العام.

3ـــ بشكل عام ، اعتمدت العديد من وسائل الاعلام على مصادر غير ممثلة، وتحديدا الخبراء اي ان العديد من  وسائل الاعلام لم تذهب الى خبراء يقدمون اضافات نوعية للرأي العام في فهم القضية.

4ــــ ضعف الخلفيات القانونية في التغطيات، حيث يلاحظ الخلط في المفاهيم القانونية التي استخدمتها وسائل الاعلام التي لم يميز بعضها بين المرحلة التحقيقية وجمع المعلومات،  وبين مرحلة التقاضي، أو بين مفاهيم المتهم والظنين والشبهة الجنائية والحادث.