عمان 10 آب (أكيد)- تقرير: أفنان الماضي، كاريكاتير: ناصر الجعفري.
يشتمل هذا التقرير على قسمين؛ الأول يتضمن خلاصات حول الكلاب الضَّالة والتعامل معها مستمدة من عملية الرصد لدور الإعلام في هذه القضية. ويتناول الثَّاني على رصد لأبرز المخالفات المهنية التي ارتكبتها بعض وسائل الإعلام في تغطية هذه القضية.
أداء الإعلام في تغطية قضية الكلاب الضالة
تناولت وسائل إعلام محلية قضية الكلاب الضالة، مُبرزة عددًا من حالات العقر، وشكاوى المواطنين حول تعرضهم أو أغنامهم للهجوم، إضافة لحالات الإزعاج ليلًا، أو الخوف الشديد "الفوبيا" التي انتشرت بين فئات من المجتمع كالنساء والأطفال، نتيجة لظهور الكلاب فرادى أو جماعات في بعض الأحياء السكنية في العاصمة أو البلديات.
رصد (أكيد) المواد الإعلامية المنشورة في الفترة الواقعة بين الأول من كانون الثاني 2022 وحتى 18 تموز 2022، عبر استخدام عبارة "الكلاب الضالة" في محركات البحث لعشر وسائل إعلامية محلية، تضمنت: وكالة الأنباء الرسمية (بِترا)، صحيفتين يوميتين، قناتين تلفزيونيتين، محطة إذاعية، وأربعة مواقع إلكترونية، لمعرفة نوعية المواد الإعلامية التي قامت الوسائل بنشرها، وإيجاد تصور عن مدى مساهمة الوسائل في حل هذه المشكلة عبر نشر الوعي بين المواطنين، إضافة لدورها الرقابي ومدى تأثيرها في قرار الجهات المختصة، بهدف إيجاد حلول سريعة وفاعلة.
ويوضّح (أكيد) أن انتشار الكلاب الضالة في الأحياء السكنية بات قضية مؤرّقة لعدد لا يُستهان به من السكان، وأنَّ سلامتهم هي الأولوية الكبرى التي ينبغي للجهات الرسمية والإعلامية العناية بها.
ويدعو (أكيد) جميع الأطراف للتعامل مع القضية بتوازن يضمن بشكل أساسي سلامة المواطن، إضافة للتعامل مع المشكلة وفق المعايير التي تمليها القيم الدينية والإنسانية في التعامل مع الحيوان.
ويذكّر بأنَّ الهدف الأساسي لجميع الأطراف هو حل القضية بحيث يقوم كل طرف بدوره للوصول لهذه الغاية بطريقة متوازنة، مع تجنب تراشق الاتّهامات أو المبالغة أو مجانبة التوازن أو اجتزاء المعلومات أو التقصير في فهم المشكلة وحلولها ونتائجها بشكل شامل وواضح.
ويدعو (أكيد) وسائل الإعلام إلى الإحاطة بالموضوع من أطرافه كافة، بهدف رفع الوعي لدى الجميع، ما يسهل الوصول للحلول المناسبة، وقد أظهرت هذه الوسائل اهتمامًا بالغًا بشكاوى المواطنين، حيث أتاحت مساحة لإيصال صوته عبر إبراز حالات العقر والاعتداء أو الإزعاج والخوف التي تعرض لها المواطنون، واعتبرت أنَّ سلامته تُشكِّل أولوية، وأنَّ تعرّضه لأيِّ أذى ناجم عن تقصير أو خطأ يستوجب الإبراز، وهو ما يستحق الثناء والإشادة، إلا أنَّ وسائل الإعلام المرصودة، على الجهة المقابلة، جانبت الصواب في عدد من النقاط أثناء تغطية القضية، وفيما يلي عدد منها:
أولًا: قامت وسائل الإعلام بنسخ وإعادة نشر حالات العقر أو الاعتداء والشكاوى نفسها في وسائل إعلامية مختلفة، كما تم تناسخ بعض الأخبار، ما أظهر حجمًا غير حقيقي لتغطية القضية، وتاليًا ملخص تقريبيّ للمواد المرصودة لما يزيد عن ستّة شهور في عشر وسائل إعلامية:
ثانيًا: عرّفت بعض التقارير بنظام ABC الموصى باتباعه، عوضًا عن قنص الكلاب وتسميمها. وتُعاقب المادة (452) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته من أقدم قصدًا غير مضطر على قتل حيوان أليف أو داجن بالحبس حتى ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 50 دينارًا. كما تُعاقب كل من ضرب حيوانًا من الحيوانات المذكورة في هذه المادة (حيوان جر أو حمل أو ركوب أو مواش تخص غيره، أو حيوان أليف أو داجن) بصورة تمنعه عن العمل أو تلحق به ضررًا جسيمًا بالحبس حتى شهر أو بغرامة لا تتجاوز 20 دينارًا.
غير أن المعلومات المتاحة اقتصرت على ما سرده المسؤولون بطريقة لم تقدم فهمًا شموليًا لطبيعة الكلاب، وحيثيات الإجراءات، ومدة التطبيق، ومتى ستظهر النتائج، وكيفية حفظ سلامة المواطن ريثما تُلمس النتائج، وغيرها من التفاصيل. وقد اتّضح لـ (أكيد) عبر رصد تعليقات المواطنين على منصات التواصل الاجتماعي استمرار التساؤل عن النقاط نفسها، مثل: لماذا يعيدون الكلاب لمكانها بعد التعقيم والتطعيم؟ لماذا لا نقنص الكلاب كالسابق؟ لماذا لا يتم جمع الكلاب في مراكز إيواء بشكل نهائي؟ ما الفائدة من تعقيم الكلاب إن كانت ستستمر في الهجوم؟ وغيرها من الأسئلة.
ثالثًا: ركّزت بعض المواد على رفض قانون تجريم القتل والتسميم، ولم تنظر بموضوعية وشمولية في نظام ABC ، أو تحاول فهمه وشرحه للمواطن، من حيث انخفاض أعداد الكلاب بعد مدة نتيجة الإقلال من تكاثرها وخفض أعداد المواليد.
رابعًا: لم يتضح للمتلقي بشكل جليّ أن القنص والتسميم أو جمع الكلاب في مراكز إيواء بشكل نهائي لن تقدم حلًا، وذلك لطبيعة الكلاب المناطقية، حيث يحافظ الكلب على حِماه، ويمنع الكلاب الأخرى من الدخول، فإن تمت إزالة الكلاب سيأتي غيرها بشكل تلقائي من مناطق طرفية أو حتى حدودية، وأن الحل يكمن بالتالي في معالجة أسباب دخول الكلاب للأحياء السكنية والإقلال من تكاثرها في المنطقة، حيث سيمنع تطعيم وتعقيم الكلاب دخول أخرى غير مطعمة أو معقّمة من البوادي والأطراف.
خامسًا: لم يتضح للمتلقي بأن إجراء عملية التعقيم للكلاب لن يؤثر في منع زيادة الأعداد فحسب، وهو ما سيظهر أثره مع الوقت، بل إن هذه العملية تؤثر في سلوك الحيوان وشراسته، فيُظهر هدوءًا أكبر وعدم ميل للهجوم.
سادسًا: اكتفت الوسائل المرصودة بمقابلة المسؤولين، ولم تتطرق التقارير لمصادر أخرى، قد تكون أكثر قدرة على الشرح للمتلقي بلغة أقرب للفهم، كالحديث مع المختصين في رعاية الحيوان، أومربي الحيوانات ومحبيها من ذوي الخبرة في التعامل معها، وموظفي البلديات، ومواطنين بشكل عام، بيطريين، وأكاديميين في مجال الصحة والبيطرة وغيرهم.
سابعًا: لم يقدم الإعلام توعية كافية حول كيفية التعامل مع الكلاب، وحول أنواعها، وصفات الكلاب البلدية المنتشرة إن كانت عدوانية أم لا، ومتى يكون الكلب عدوانيًا، وكيف نعلم الأطفال التصرف لعدم إثارة الكلب، وكيفية التصرف لدى التعرض لهجوم. ولم تُقدّم أي مقاطع محاكاة ينفذها خبراء ومتطوعون من محبي الحيوانات، كمقاطع تمثيلية، أوحتى كرتونية ]نموذج[ تتضمن تعليمات ومحاذير التعامل مع الكلاب الضالة. كما لم يعالج الإعلام النظرة السلبية للكلاب، والخوف المبالغ منها للجهل بطبيعتها، بل عززها بالتركيز على حالات الهجوم والحوادث وصور الإصابات، مع أن كل ما ذكر سابقًا يمكنه الإسهام في تقليص حجم الإصابات، ونشر الوعي بخطوات وأساليب السلامة في التعامل مع الكلاب.
ثامنًا: أخفقت وسائل الإعلام المرصودة في متابعة تطبيق البلديات لنظام ABC ووضعها تحت المساءلة، وذلك لإحداث نقلة نوعية وتشكيل ضغط على البلديات لحل هذا الملف والتعامل معه باحترافية أعلى، ما سيؤثر بشكل سريع ومباشر في تقليل عدد الكلاب في الأحياء السكنية. ولم يرصد (أكيد) عددًا كافيًا من التقارير التي أبرزت مدى استجابة البلديات، وإلى أي مرحلة وصلت، وما الخطوات التي قامت بها، والانجازات المتحققة، وعدد الكلاب التي تم تعقيمها وتطعيمها، كما لم تقدم تقارير كافية أو تحقيقات حول البلديات التي لم تستجب حتى الآن، متذرعة بعدم توفر الميزانيات وغيرها.
تاسعًا: في توضيحه لـ (أكيد) قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة اليرموك المختصة في حل مشكلة الكلاب الضالة في إربد، الدكتور أحمد العثامنة، إن انتشار الكلاب في الأحياء السكنية يعود لأسباب أربعة، هي:
1- العبث في البيئة الطبيعية للكلاب كتجفيف الينابيع وانتهاء الكائنات التي تغذيها كالجراذين والأرانب وغيرها.
2- التغير المناخي.
3- والأهم هو تراكم النفايات في المدن والأحياء السكنية ما يدفع الكلاب للدخول بحثًا عن الطعام.
4- تعامل بعض المواطنين مع الكلاب برأفة حيث يقومون بتقديم الطعام ما يدفع الكلاب للألفة مع المكان والتردد عليه.
وقد ركّزت وسائل الإعلام المرصودة على حالات العقر وشكاوى المواطنين، ظنّا منها أنَّ إبراز حالات العقر والأذى ستشكل دافعًا لتحرّك الجهات الرسمية، وحيث أن حالات العقر على مستوى المملكة هي أمر مألوف وغير جديد، لم يستطع الإعلام إقناع الجهات الرسمية بوجود اختلاف حقيقي عن السابق، وإبراز القضية بشكل يلفت الانتباه، وطالما أن الفكرة الأكثر أهمية جاءت مموهة غير واضحة لم يستطع الإعلام تحقيق نتائج حقيقية للتأثير في المسؤولين، ومن ثم الحصول على نتائج ملموسة حقيقية .
وبهذا أخفقت وسائل الإعلام المرصودة في التركيز على النقاط المحورية في القضية وهي:
ما اختلف عن السابق من حيث زيادة أعداد الكلاب في الأحياء السكنية حصرًا، وقضية تراكم النفايات في البلديات، وبالتَّالي لم تستطع توجيه مجهودها للتأثير في البلديات، وتوجيه الرأي العام نحو هذا السبب الرئيس والمهم في قضية الكلاب الضالة، ولم تؤدي الوسائل ما يلزم في استهداف المواطنين بدورهم في توعية شاملة ومقصودة حول أهمية الحفاظ على النظافة والتخلص من القمامة بطريقة صحيحة، وعدم رمي مخلفات الحيوانات خارج المزارع بشكل عشوائي، وهي أسباب رئيسة كانت ستترك أثرًا واضحًا ملموسًا.
عاشرًا: لم تنقل وسائل الإعلام المرصودة تجارب دول أخرى نجحت في إدارة الملف، وتمكنت من الحفاظ على سلامة المواطنين، والتعامل مع الكلاب بطريقة صحيحة، كالتجربة التركية مثلًا.
أحد عشر: لم تسهم وسائل الإعلام في توضيح تفاصيل الفتوى الصادرة عن دائرة الإفتاء بحرمة قتل الكلاب طالما تواجدت أساليب بديلة لكف أذاها عن الناس، ولم تقم بما يلزم من توضيح حالات جواز قتل الكلب، ولم تقدم المقاربة المقنعة للمواطن الذي ما زال يطالب بقنص الكلاب وتسميمها دون تقييم لحقيقة الموقف، أو مدى ضرر الكلب، وحقيقة إصابته بالسعار من عدمه، حيث لم يرصد (أكيد) استضافة أو عودة لمصدر شرعي يرافقه مصدر اختصاصي في الحيوانات يوضح هذه التفاصيل كافة.
اثنا عشر: أظهر تقرير مصور في إحدى القنوات التلفزيونية تسجيلًا قديمًا يعود لـ 2018 للحديث عن جهود أمانة عمان في مكافحة الكلاب الضالة، فلماذا لا يتم تسجيل مقطع حديث يظهر الجهود المبذولة حاليًا؟ كما تضمن التقرير حديث شخصية مسؤولة عن نظام الـ ABC ، وقد تحدثت بكلام عام مثل : بعض المواطنين يتصرفون تصرفات غير مقبولة مع الكلاب ما يسبب هجومها، إلا أن التقرير لم يقدم تفاصيل توضح هذه التصرفات غير المقبولة، بطريقة يمكن للمتلقي أن يتعلمها فيتجنبها، ومنها مثلا ازدياد شراسة الكلب في حالة الاقتراب من جرائه أو مكان تواجدهم، وتعامل الأطفال مع الكلاب بعنف، أو تجنب الركض من الكلب، أو استشعاره للخوف الشديد لدى الإنسان ما يثير شراسته وغيرها.
ثلاثة عشر: لم يتم توضيح طبيعة مرض السعار، وحيثيات إصابة الكلاب به، وانتقاله للإنسان ودور المطاعيم، وقد رصد (أكيد) مادة حديثة صدرت أثناء كتابة التقرير تدل على ضعف الإعداد العلمي، حيث أشار الخبر إلى "معالجة الكلاب المسعورة" بينما يعد السعار مرضًا لا يمكن معالجته، إذ يؤدي لوفاة الحيوان خلال فترة وجيزة، وكل ما يمكن تقديمه هو مطعوم احترازي قبيل الإصابة.
أربعة عشر: ذكرت بعض الوسائل عبارة "جمعية حقوق الحيوان" ، ولا يوجد جمعية بهذا الاسم بل هي جمعيات حماية الحيوان والرفق بها.
خمسة عشر: عدم الدقة في التعامل مع الأرقام ، حيث ذكرت تقارير تسجيل 6000 حالة عقر سنويًا من الكلاب، دون الإشارة إلى أن حالات العقر المسجلة في إحصاءات وزارة الصحة تشمل جميع الحيوانات من جمال وأبقار وغيرها، بينما تمثل الكلاب نسبة من هذا العدد الكلي فقط. ولم يدقق الإعلام في تصريحات المسؤولين، كما لم يعُد للإحصاءات الرسمية أو يحاول فهمها وشرحها.
ستة عشر: تضمّن عنوان مادة إعلامية عبارة قطعان الكلاب المسعورة، وهو وصف خاطئ ، فنسبة الكلاب المسعورة قليلة، بحسب إحصاءات وزارة الصحة لعام 2020، حيث يتواجد سبعة كلاب مسعورة فقط إضافة لـ 14 حالة في حيوانات أخرى. كما أن الكلب المصاب بالسعار لا يتواجد في قطعان، بل يتم نبذه من القطيع ويترك وحيدًا حتى يموت بعد فترة وجيزة. وحيث أن السعار مرض خطير فيما لو انتقل للإنسان و يؤدي للوفاة، ففي العنوان إشاعة للذعر بين المواطنين دون داع يستوجب ذلك.
سبعة عشر: لم يصنع الإعلام حلقة وصل بين الجمهور وجمعيات رعاية الحيوان، حيث يمكنه تحفيز هذه الجمعيات أو أي متطوعين للاستجابة للحالات الطارئة التي يعاني منها المواطنون كتجمع القطعان أسفل البنايات. ولم يقم الإعلام بتقديم هذا البديل المجتمعي التكافلي جنبًا إلى جنب مع تفعيل نظام ABC، ريثما يلمس المواطن أثر تطبيقه وانخفاض أعداد الكلاب كما لم يقم الإعلام بعدد كافٍ من استطلاعات الرأي على أرض الواقع، ومقابلات مع محبي الحيوانات وذلك لجمع أفكار واقتراحات مجتمعية لحل المشكلة.
وفي ضوء ما سبق يوصي (أكيد):
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني