ربط وسائل إعلام التغير المناخي بتساقطات الأمطار الغزيرة في الأردن.. غير دقيق

ربط وسائل إعلام التغير المناخي بتساقطات الأمطار الغزيرة في الأردن.. غير دقيق

  • 2018-11-09
  • 12

أكيد- بالغت وسائل إعلام ومنها عربية في تحميل ظاهرة التغير المناخي مسؤولية الأمطار الغزيرة التي تساقطت مؤخرا في الأردن وتسببت في تشكيل سيول جارفة أدت الى مقتل 12 واصابة أخرين في حادثة ثانية وقعت أمس (الجمعة) ، عقب نحو أسبوعين على حادثة البحر الميت التي أودت أيضا بحياة 21 شخصا أغلبهم أطفال كانوا في رحلة مدرسية.

ورغم محاولات الجهات المختصة في الطقس اصدار تقارير بشكل دوري توضح حالة الطقس في مدن المملكة خلال أيام الأسبوع، الا أن وسائل إعلام استمرت في الخلط بين "حالة عدم الاستقرار" و"المنخفض جوي" و"التغير المناخي"، كأسباب لهذه الأمطار الغزيرة، وهو الأمر الذي أدى الى "التهويل" في مواد متعددة حول الطقس رصدها "أكيد" في تقرير سابق.

وانسحب الحديث عن التغير المناخي على منصات التواصل الاجتماعي التي رأى فيها رواد ونشطاء سببا في الهطولات المطرية الغزيرة على الأردن والمنطقة العربية، ما ساهم الى جانب وسائل الإعلام في توجيه المتابع والجمهور نحو قناعة بأن للتغير المناخي علاقة مباشرة بتقلبات الطقس.

وتحت عناوين "التغير المناخي وراء كارثة البحر الميت ومؤشرات الى مزيد منها"، "التغير المناخي كارثة.. وداعا للفصول الأربعة"، "الأمطار الغزيرة في بعض الدول العربية.. وضع طبيعي أم تغير مناخ؟"، ناقشت مواد صحافية مدى ارتباط ظاهرة التغير المناخي بالتساقطات المطرية في بلدان عربية ومنها الأردن.

وأشار التقرير الوطني الشامل، حول تغير المناخ في الأردن، الذي نشر في العام 2014 الى  تراجع ملموس في هطول الأمطار بالمناطق الغربية، وسيزيد هذا التراجع  في المناطق الجنوبية والشرقية بنسب تصل الى 30 % في بعض الحالات.

ووفق التقرير، الذي أعد ضمن مشروع البلاغات الوطنية الثالث، المنفذ من قبل وزارة البيئة، والمدعوم من برنامج الأمم المتحدة الانمائي، فإن تساقط الامطار سيتراجع بحدود 15 % "بحسب السيناريو المتوسط" ترتفع النسبة الى 21 % "بحسب سيناريو الحد الاقصى".

ابراهيم العرود: بصمات التغير المناخي غير واضحة في مثل هذه الأحوال الجوية

وقال الدكتور ابراهيم العرود استاذ الجغرافيا والمناخ ل"أكيد"، ان اعادة حالة الطقس والأمطار الغزيرة التي حدثت في الأردن مؤخرا الى ما يعرف ب"ظاهرة التغير المناخي" "هو نوع من الاستسهال في التحليل لإبعاد المسؤولية عن نتائج هذه الظروف الجوية".

وأضاف ان "بصمات التغير المناخي غير واضحة في مثل هذه الأحوال الجوية، ذلك أن هذه الظاهرة تحتاج الى تحليل لمؤشرات وأرقام ممتدة على فترات طويلة، سواء من حيث التغير في درجات الحرارة أو تغيير النمط المطري".

وقال العرود إن "الحالة الجوية الحاصلة تأتي باستمرار في المنطقة والأردن، ومرت في سنوات سابقة، خاصة في الفترات بين الثلث الأول من شهر تشرين الأول والثلث الأخير من تشرين الثاني، إضافة الى بداية أذار وحتى منتصف نيسان، وهي تعرف بالأمطار الرعدية الومضية".

وتكررت مثل هذه الأمطار الرعدية الومضية في المنطقة والأردن في سنوات سابقة، منها سيول البترا في العام 1963 التي تسببت بمقتل 21 سائحة فرنسية و3 أخرين، وفي سيول مدينة معان عام 1966 التي راح ضحيتها ما يفوق 100 شخص.   

وأشار الى أن هذه الأمطار هي نتيجة لحالة عدم استقرار جوي، وهي الى حد كبير "طبيعية ولا ارتباط لها واضح بالتغير المناخي"، لافتا الى ما يعرف لدينا ب"ثقافة الفزعة"، وسوء التخطيط اضافة الى زيادة اعداد السكان والحركة البشرية بين المناطق وضعف البنية التحتية، جميعها عوامل ساهمت في وقوع ضحايا واصابات بهذا الحجم المؤلم.

ويعود ازدياد عدد الضحايا في مثل هذه السيول، الى ما يعرف بالاعتداء على نظم تصريف المياه بفعل التنمية العشوائية، حيث هناك بلدات أقيمت مباني سكانها داخل حرم الأودية التي تشكل ممرا طبيعيا لجريان المياه في حال سقوط مثل هذه الأمطار الومضية.

حسين المومني: كل ما يقال ليس له علاقة ب"ظاهرة التغير المناخي"

ويقول مدير دائرة الأرصاد الجوية حسين المومني ل"أكيد"، أن كل ما يقال عن التغير المناخي كسبب في الهطولات المطرية الغزيرة في الأردن، أو ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، أو المطر المفاجيء ليس له علاقة بما يعرف ب"ظاهرة التغير المناخي".

وقال ان الظاهرة مرتبطة بتعقيدات مناخية غير آنية، وتمتد دراساتها مؤشراتها تقريبا على مدى 30 الى 40 عاما لرصد ما اذا كانت ظاهرة التغير المناخي قد حدثت في منطقة معينة، مؤكدا ضرورة التفريق بين "المنخفض الجوي" و"حالة عدم الاستقرار" و"التغير المناخي".  

وأضاف المومني أن ما نشرته الأحوال الجوية تمحور حول "حالة عدم استقرار جوي" وليس "منخفضا جويا"، حيث أن "حالة عدم الاستقرار الجوي تتشكل في البلد نفسه محليا ومن الصعوبة التنبؤ بمكان سقوط الأمطار وهو ما حدث فعلا ".

ويعتبر المنخفض الجوي، بحسب المومني، جبهة هوائية قادمة من البحر الأبيض المتوسط أو قبرص وتعم المملكة وما حولها من دول مجاورة، مشيرا الى أن الأرصاد الجوية تميل في نشراتها إلى تحذير المواطنين من تشكل السيول واحتمال حدوث الأمطار الغزيرة، خوفا من وقوع كوارث مؤسفة.

ويرى "أكيد" ضرورة لجوء وسائل إعلام ومختصين لتوضيح مثل هذه الظواهر الطبيعية  وعدم ترسيخ قناعات شخصية خاطئة، أغلبها تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي،  لدى المتلقي، كون الأصل أن تشكل وسائل الإعلام مصدرا موثوقا للمعلومة في ظل الأحداث والكوارث الطبيعية نظرا لخطورة أية معلومات غير دقيقة على المجتمع.

كما يدعو "أكيد" الى عدم المبالغة في تفسير أسباب السقوط المطري الغزير في سياق ما يعرف "بظاهرة التغير المناخي" التي تعتبر ظاهرة عالمية يمتد تأثيرها على مناطق كبيرة من العالم ولا تنفرد بها منطقة دون أخرى بشكل عارض.