أكيد – دلال سلامة
يوم 16 آذار (مارس) الماضي، احتُجزت مراسلة قناة الجزيرة الإنجليزية، رولا أمين، في سجن الجويدة للنساء، على خلفية نزاع قضائي مع طليقها، محمد العجلوني، على حضانة طفلتهما، البالغة خمس سنوات، التي كانت أمين قد حصلت العام الماضي على حكم قضائي "مستعجل" بضمها، إلى حين إصدار حكم قطعي في القضية.
أُفرج عن أمين، بعد يوم من احتجازها، وأُبقيت ابنتها في حضانتها، إثر حملة تضامن واسعة، أطلقتها جهات حقوقية، إضافة إلى وسائل إعلام محلية وعربية ودولية، نقلت عن قانونيين أن إجراء سجنها، كان واحدا من "انتهاكات" عديدة للقانون، ارتُكبت في هذه القضية، الأمر الذي جعل بعض وسائل إعلام عربية، تقول صراحة إن إدارة هذا النزاع في هذه القضية شابه "تلاعب" و"تأثير" أصحاب نفوذ.
بعد أكثر من عشرين يوما على هذه الحادثة، فإن وسائل الإعلام لم تقدّم للجمهور ردّ الجهات القضائية على هذه الاتهامات، ولم تؤكد له إن كان ما حدث انتهاكا فعليا للقانون أم لا، ولم توضّح له التبعات القانونية لذلك، والأهم، هي أنها لم تناقش حجم ممارسة ما وُصف بأنه انتهاك للقانون، هل كان حدثا استثنائيا في هذه القضية بالذات، أم ممارسة سائدة، معتّم عليها، لكنها خرجت إلى الإعلام، لأن الضحية للصدفة، كانت هذه المرة، شخصية إعلامية دولية، احتشدت لمناصرتها وسائل إعلام ومنظمات وأفراد في الأردن والعالم، وهو نوع من الدعم لا يتوفر، في العادة، لغيرها من النساء.
أول تجاوز على القانون في هذه القضية، كان بحسب ما نقلت صحيفة "الغد" عن محامي أمين، محمد سعد الدين أبو حليمة، هو قبول محكمة الاستئناف الشرعية طلبا قدّمه الوالد لاستئناف قرار الضم المستعجل الذي حُكم فيه لصالح الوالدة، وإصدار هذه المحكمة، من ثمّ، قرارا بنقض هذا الحكم، وإعادة الطفلة إلى والدها. فبحسب "أبو حليمة، قرارات "الضم المستعجل"، هي قرارات "قطعية لا تُستأنف"، بناء على المادة 137 من قانون أصول المحاكمات الشرعية[1]. علما بأنه كان رُفض طلبا استئناف تقدم بهما الوالد، لكن محكمة الاستئناف الشرعية استجابت في المرة الثالثة، لـ"تظلّم" تقدّم به للمحكمة. وهنا تأتي التجاوزات الأخرى، فإضافة إلى أن محكمة الاستئناف الشرعية، بحسب التقرير السابق، ليست أصلا الجهة صاحبة الاختصاص في النظر في ما يُسمى بـ"التظلّم"، فإنه في هذا النوع من القضايا، كما يقول المحامي، لا يوجد أساس قانوني لتقديم تظلّم، وهذا كلّه يجعل هذا القرار، وفق تصريح نشره موقع "عمون" الإخباري "قرارا غير دستوري ومنعدما ومتناقضا مع ما سبقه لنفس الهيئة، ومناقضا لعدة قرارات سابقة صدرت عن محكمة الاستئناف".
إضافة إلى ما سبق، تناقلت وسائل الإعلام تجاوزا إضافيا، هو سجن أمين، قبل انقضاء المهلة القانونية الممنوحة لها لتسليم ابنتها لوالدها، وهي أسبوع، إذ أُلقي القبض عليها "خلال أقل من 24 ساعة" من تبليغها بالقرار.
هذا كله جعل وسائل إعلام عربية توجّه اتهامات، بعضها كان صريحا، فنقلت صحيفة "المدن" الإلكترونية عن المسشارة القانونية، ثريا بهجت إشارتها إلى "التلاعب بالقضاء من قبل أصحاب النفوذ". ونقلت صحيفة "السفير" اللبنانية عن مراسلة قناة "سكاي نيوز"، شيرين تادرس أنه "بالرغم من فوز أمين بحضانة ابنتها ذات الأعوام الخمسة بعد معركة قضائية طويلة، قام والد الطفلة باستخدام نفوذه لتغيير الحكم بطريقة غير قانونية". كما أشارت صحيفة "القدس" اللندنية إلى أن احتجاز الأم قبل انقضاء المهلة القانونية "ينطوي على شبهات باحتمالية استثمار النفوذ لدى سلطات التنفيذ"، وهي الإشارة ذاتها التي تضمنها تقرير لصحيفة "الرصيف" الإلكترونية، التي نقلت تفسير من أسمتهم "ناشطون" على مواقع التواصل الاجتماعي، لقرار التوقيف "غير القانوني" بأنه "يُعزى إلى العلاقات الشخصية والنفوذ الذي يمتع به طليق الأمين".
رغم خطورة الاختلالات القانونية التي أكّد قانونيون أنها شابت إدارة هذا النزاع، فقد لوحظ ضعف تغطيتها في الصحف المطبوعة، إذ كانت "الغد" الوحيدة من بين الصحف المطبوعة التي سلّطت الضوء على ذلك، في حين أمكن رصد خمسة مواقع إلكترونية[2]، تطرقت إلى هذا الجانب. وفي المجمل، فإن هذه الوسائل لم تفعل أكثر من عرضها، من دون أن تستقصي ردّ الجهات المعنية عليها، وهي هنا المؤسسة القضائية، ومن دون أيضا أن تثير نقاشا يتعلق بأسباب هذه الاختلالات، وإن كان النظام يشتمل على آليات للمحاسبة، تضمن عدم تكرارها.
أما السؤال الأهم الذي لم تثره تغطية هذه القضية، فيتعلق بحجم هذا النوع من الاختلالات، وإن كان ما حدث حالة استثنائية، أم وضع عام. فاستقصاء هذا الجانب من القضية يقع في صلب مسؤولية الإعلام في أن يكون صوت من لا صوت له من عامة الناس، ففي حالة أمين، كانت جهود التضامن معها، وكشف ما قيل إنه ثغرات في الإجراءات، قد حُشدت خلال ساعات قليلة من احتجازها، وهي جهود شارك فيها حقوقيون وإعلاميون وأفراد، أردنيون وعرب وأجانب، ولم تكن لتُحشد لامرأة ليس لها التاريخ المهني والعلاقات الواسعة التي لأمين.
لذلك، فان ما سبق يثير السؤال الآتي: وماذا عن النساء الأخريات؟
ومن هنا يأتي دور الإعلام في الكشف عن الاختلالات، إن وجدت في اجراءات تطبيق القانون، فهذا ما يضمن سيادة نظام منصف، لا يكون الأفراد فيه مضطرين إلى اللجوء إلى الإعلام بقضاياهم الفردية.
[1] رقم المادة القانونية، ذُكر في تصريح آخر لـ"أبو حليمة" لصحيفة "الرصيف" الإلكترونية.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني